الشركات تركز أخيراً على رأس المال البشري بعد حقبة شطب الوظائف بلا تردد

الشركات الأميركية لن تُسرح العمالة كما اعتادت

صورة تعبيرية عن تسريح الشركات الناشئة لأعداد كبيرة من الموظفين - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية عن تسريح الشركات الناشئة لأعداد كبيرة من الموظفين - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

لو كانت الشركات الأميركية مؤسسة واحدة، فإنها ستكون من ذلك النوع الذي يحتفظ فيه قسم الموارد البشرية بمجموعة جاهزة من إخطارات إنهاء الخدمة. عادةً ما تُخطئ الشركات في تسريح أكبر عدد ممكن من العمالة خلال فترات الركود، بدلاً من الاحتفاظ برأس المال البشري للمرحلة التالية من النمو.

ربما حان الوقت للتخلص من إخطارات إنهاء الخدمة مع اقتراب الولايات المتحدة من مواجهة تباطؤ اقتصادي آخر.

على مدى عقود، قامت سوق العمل الأميركية على افتراض إمكانية التخلص من معظم الأيدي العاملة، مع سهولة استخدام غيرها من سوق كبيرة تتجدّد تلقائياً، وهذا تمكن ملاحظته في الأجور وسياسة الشركات، حيث إنه في ظل الحد الأدنى الفيدرالي للأجور المُحدد حالياً عند 7.25 دولار بالساعة، لن يجني العامل الذي يعمل لمدة عام كامل بإجمالي 2,080 ساعة، دون الحصول على ساعة إجازة واحدة، ما يكفيه لتجاوز خط الفقر المحدد عند 15,225 دولار سنوياً. لا تزال سرقة أجور العمال منتشرة بشكل مُقلق، بجانب استغلال الأطفال في عددٍ من الصناعات، من الخدمات الغذائية وصولاً إلى صناعة السيارات.

الافتقار لاستراتيجية شاملة

في الوقت نفسه، ليس لدى الحكومة استراتيجية شاملة للحفاظ على قوة عاملة مؤهلة ومدربة جيداً. ففي ظل الافتقار لبرنامج وطني للإجازة مدفوعة الأجر، وحتى أن الإجازة غير المدفوعة لا يستفيد منها سوى نصف العمال، ما يعني أنهم قد يُفصلون من العمل نتيجة طلبهم إجازة مرضية في وقت لا يزال فيه الوباء المُعدي يقتل الآلاف أسبوعياً، تدوم إعانات البطالة أقل من ثمانية أسابيع، مع انعدام تمديد فترات التسجيل في إعادة التدريب أو التعليم.

ينطوي هذا النهج الذي يبدو صارماً على عددٍ من المزايا، فهو يسمح للشركات بخفض تكاليف العمالة سريعاً عند الحاجة لذلك، لكنه يؤثر أيضاً على رأس المال البشري، من حيث المعرفة والمهارات والقدرات، التي تحتاجها الشركات والدولة بأكملها للاستمرار في المنافسة.

لا شك أن أي مدير بإمكانه إدراك أن توظيف مدير من ذوي الخبرة كصراف يعد إهداراً لرأس المال، إلا أن الدولة تمارس فعلاً مشابهاً طوال الوقت، عندما يترك العمال المتمرسون العمل نظراً لعدم قدرتهم على أخذ إجازة مدفوعة الأجر للحالات الطبية الطارئة أو صعوبة تحمل تكاليف رعاية الأطفال.

بالرغم من ذلك، تتغير المفاضلة بين خفض التكاليف على المدى القصير ورأس المال البشري في الوقت الراهن، حيث تزداد صعوبة إيجاد وتوظيف عمال مؤهلين. كان هناك أكثر من 11 مليون فرصة عمل شاغرة لدى أرباب العمل في الولايات المتحدة بحلول نهاية 2022، لكن كثيراً من المتقدمين للعمل ظلوا مهمشين. نسبة العاملين الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و54 عاماً تبلغ 83%، وهي أقل من أعوام الذروة في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، كما أنها أقل بكثير من الدول المماثلة. أثارت تقارير الباحثين في شركة "أمازون" المخاوف تجاه إمكانية افتقار الشركة للموظفين الذين تحتاجهم في مستودعاتها.

يبدو أن بعض الشركات تغيّر استراتيجيتها الخاصة بالقوى العاملة بصرف النظر عن عمليات تسريح العمالة الجارية في قطاع التكنولوجيا. بالرغم من جهود بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لإبطاء النمو ورفع معدل البطالة، يظل شطب الوظائف بشكل عام أقل من مستويات ما قبل الجائحة. ربما واجه أرباب العمل مؤخراً مجموعة مواهب ضحلة ولم يعجبهم الحال، أو أنهم مترددون في الاستغناء عن أي شخص بعد إنفاق الكثير من المال والوقت في توظيفهم.

التركيز على رأس المال البشري

يمكن أن يعود التركيز الأكبر على رأس المال البشري بالنفع على الشركات والبلد بأكمله بدرجة كبيرة، وهذا يظهر جزئياً من خلال زيادة مشاركة القوى العاملة. تتمتع مجموعة من السياسات التي تنتهجها الولايات المتحدة بشكل تدريجي، بدءاً من خدمات التدريب والتوظيف للعمال النازحين وحتى الدعم الأساسي للوالدين، مثل منح إجازة مدفوعة الأجر ورعاية الأطفال، بسجل حافل في زيادة مستوى العمل. بالنظر إلى العلاقة المتناسقة بشكل ملحوظ بين مشاركة القوى العاملة والناتج المحلي الإجمالي وزيادة إنتاجية العمال التي دامت لـ70 عاماً، فإن مزيداً من العمالة يعني مزيداً من النمو الاقتصادي.

ربما تسير الشركات الأميركية بخطوات أولية نحو المسار الصحيح، لكن تحقيق التحول المناسب سيتطلب سياسات أكثر طموحاً للحفاظ على أكبر قوة عاملة وأكثرها إنتاجية. وفي النهاية، سيؤتي هذا الاستثمار فوائده المرجوّة.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك