يتخذ التحالف الذي شكله كارلوس غصن بين شركتي "رينو" (Renault) و"نيسان موتور" اليابانية شكلاً جديداً، حيث تخطط شركتا تصنيع السيارات لاتخاذ مسارات مختلفة، وذلك نتيجة للقبض على غصن لاتهامه بسوء السلوك المالي منذ 4 سنوات، وبعد أن قضى غصن فترتين طويلتين في الحبس قبل الإفراج عنه بكفالة، تسلل إلى خارج البلاد في أواخر 2019 ووجد ملاذاً في لبنان التي يحمل جنسيتها. ادعى غصن براءته وقال إن الملابسات ليست في صالحه. بينما تستعد شركتا تصنيع السيارات لبداية جديدة، فإن ملحمة غصن لم تنتهِ بعد.
1) ما علاقة غصن باليابان؟
غصن، الذي بلغ الثامنة والستين، بزغ نجمه منذ 1999، حين أنقذت "رينو" "نيسان" بضخ المال فيها. غصن الذي أنعش "رينو" في منصب نائب الرئيس التنفيذي كُلف بتحسين أوضاع الشركة اليابانية، فقلل من تكاليف المشتريات وأغلق المصانع وألغى 21 ألف وظيفة واستثمر المدخرات في 22 طرازاً من السيارات والشاحنات في 3 سنوات، وبعد فترة ليست بالطويلة احتفت به مجلات "المانغا" المصورة واحتشد الناس حوله طلباً لتوقيعه خلال جولاته بالمصانع، بشكل عام، انهال عليه التبجيل الوطني لإنقاذه شركة السيارات التي تخلى عنها الجميع، لكنه تلقى انتقادات لراتبه في اليابان، حيث يعد راتب المدير التنفيذي موضوعاً حساساً.
2) ما هي الادعاءات الموجهة لغصن؟
اتُهِم غصن في طوكيو بعدم الإبلاغ عن 80 مليون دولار من راتبه ودخله خلال العقد السابق للقبض عليه، واتهم أيضاً بثلاث تهم خيانة أمانة، يُدعى في اثنتين منهما أنه استغل كيانات اعتبارية أجنبية في 2017 و2018 لتحويل 5 ملايين دولار من نيسان إلى حسابات تحت سيطرته واستخدمها لشراء يخت ودعم صندوق استثماري للتكنولوجيا أسسه ابنه أنتوني، والعقوبة القصوى لهذه التهم هي السجن 10 سنوات.
3) ما سبب التركيز على الراتب؟
بدءاً من 2009 عندما طلبت اليابان من الشركات إعلان رواتب المديرين التنفيذيين، انخفض راتب غصن الذي أبلغ عنه إلى نحو نصف ما كان يجنيه فيما قبل، لكن راتبه المؤجل تضخم، يقتضي القانون الياباني الإبلاغ عن الأجر في العام الذي يُحدد فيه، حتى لو حدث السداد فيما بعد. توجد قوانين مشابهة في أوروبا.
4) ماذا فعلت "رينو"؟
نبهت "رينو"- أكبر شركات تصنيع السيارات في فرنسا- السلطات الفرنسية بعد اكتشافها أن بعض نفقات غصن تتضمن ممارسات مشكوك بها وسرية، وتتضمن مخالفات للأسس الأخلاقية للمجموعة.
تنحى غصن عن منصب رئيس مجلس إدارة "رينو" ورئيسها التنفيذي في 23 يناير 2019، وأصدر المحققون الفرنسيون مذكرة اعتقال دولية في حقه في أبريل 2022.
5) هل سيحاكم غصن؟
لم يتضح هذا، حيث يمكن أن تحاكمه لبنان على الادعاءات الصادرة عن اليابان، رغم أن كثيراً من اللبنانيين يعتبرون غصن بطلاً قومياً، (يحمل غصن الجنسية البرازيلية، حيث ولد بها، والجنسية الفرنسية)، وقد تحاول اليابان التفاوض على تسليمه، رغم عدم وجود اتفاقية تسليم مجرمين مع لبنان التي لا تسلم مواطنيها المتهمين بأي حال.
6) ما سبب التوتر بين "نيسان" و"رينو"؟
في الوقت الذي اعتقل فيه غصن، تأزمت شراكة "رينو" مع "نيسان"، وسعى رئيس "نيسان" التنفيذي حينئذ، هيروتو سايكاوا، لإعادة التوازن بين ما اعتبره هو وآخرون في الشركة اليابانية علاقة كفتها مرجحة لصالح الشركة الفرنسية وأقوى مساهميها: الدولة الفرنسية، فمارست إدارة "نيسان" الجديدة الضغط لاستعادة التوازن في العلاقة؛ حيث أعلنت "رينو" خطة لتخفيض حصتها في الشركة اليابانية من 43% إلى 15%.
7) ماذا قال غصن عن الاتهامات؟
قال غصن بعد وصوله لبنان بفترة وجيزة: "لم أهرب من العدالة، بل هربت من الظلم والاضطهاد السياسي،"، ووصف نظام اليابان القضائي بأنه "زائف" وقال إنه حُرم من "حقوق الإنسان الأساسية،" بما فيها افتراض براءة المتهم.
بلومبرغ عن شاهد في القضية: التخطيط لعزل كارلوس غصن بدأ في 2018
خلال المحاكمة أوائل 2019، قال غصن إن اتفاقات الراتب المؤجل كانت مشروعات مقترحة غير ملزمة، لذا لا حاجة للإفصاح عنها، كما قال محاميه الفرنسي إن غصن لم يحصل على الراتب المؤجل ولا يتوافر يقين أنه كان سيحصل عليه. غصن أوضح في مؤتمر صحفي بلبنان في يناير 2020 أنه على استعداد للمحاكمة في أي دولة يثق أنه بإمكانه أن يحظى فيها بمحاكمة عادلة، ولا أظن أن هذا هو الوضع في اليابان. كما وصف موقفه بعد صدور مذكرات القبض عليه في فرنسا بأنه "مأساة. لديك مهزلة القضاء في اليابان، وما يزيد حزني أن فرنسا أصبحت شريكة فيها بشكل ما".
8) ما شكوى غصن من نظام اليابان القضائي؟
بعد القبض عليه للمرة الأولى، قضى غصن أكثر من 100 يومٍ في الحبس وأُفرج عنه بكفالة قدرها مليار ين-وهي واحدة من أكبر الكفالات في اليابان على الإطلاق- ليعاد القبض عليه بعدها بشهر بتهمٍ جديدة، وأفرج عنه بكفالة مرة أخرى بعد 3 أسابيع. تضمنت الشروط الأولية للإفراج عنه قيوداً على استخدام جواله والإنترنت، ولم يسمح له إلا باستخدام الحاسوب بلا إنترنت في مكتب محاميه ورُكبت كاميرات لمراقبة منزله، وكانت شروط الإفراج عنه في المرة الثانية مشابهة، حيث قالت المحكمة إن غرضها هو منع إتلاف الأدلة.
9) هل هذه هي الطريقة التي يسير بها النظام القضائي في اليابان؟
نعم، في معظم الأحيان. فالمشتبه بهم في اليابان يتحملون عادة مدد احتجاز مطولة وتحقيقات المدعين العامين القاسية المتكررة دون وجود محامي قبل المحاكمة، فإعادة القبض على مشتبه به من فترة لأخرى للاشتباه في تهم جديدة تسمح للمدعين العامين باحتجاز المشتبه به بينما يحاولون جمع الأدلة أو الحصول على اعتراف، فالميزانيات الضئيلة وثقافة الرغبة في حفظ ماء الوجه تعني أن المدعين العامين عادةً لا يلاحقون إلا القضايا التي يكون الفوز فيها مؤكداً.
في 2015، أحيل إلى المحاكمة 7.8% فقط من القضايا التي يشرف عليها مكتب المدعي العام، ما يساعد في توضيح أنَّ أكثر من 99% من القضايا التي تحال إلى المحاكمة يحكم فيها بإدانة المتهم، وعلى سبيل المقارنة ففي إنجلترا وويلز معدل الإدانة هو 87%.
10) هل وُجهت اتهامات لآخرين؟
الأميركيان اللذان ساعدا غصن في الهروب جرى إحضارهما إلى اليابان وقضيا عقوبة لدورهما في الهروب وأفرج عنهما في أواخر 2022. لم تسلم "نيسان" أيضاً من الفضيحة، حيث وجهت لها الاتهامات وحكمت عليها محكمة طوكيو بدفع غرامة قدرها 200 مليون ين (1.5 مليون دولار). صرحت الشركة بأنها عززت حوكمة شركتها وامتثالها وقدمت قوائم مالية معدلة.
غريغ كيلي، مدير "نيسان" التنفيذي السابق، المعروف بأنه حارس غصن وكاتم أسراره أُدين في بعض التهم المتصلة بعدم الإبلاغ عن دخل غصن، وحكم عليه بالحبس 6 شهور مع إيقاف التنفيذ. محاميو كيلي- وهم أميركيون أيضاً- أشاروا في المحكمة إلى عدم امتلاكه دافعاً لإخفاء أي راتب لغصن، وعدم علمه بأي خطط للدفع إلى غصن نظير الدخل المخفض.