تزايدت حدة الضغوط على الملياردير الهندي غوتام أداني للتحرك بسرعة لمواجهة المخاوف بشأن الصحة المالية لمجموعته، بعدما قضت موجة المبيعات العنيفة على أكثر من نصف قيمة أسهم شركاته منذ نشر تقرير "هيندنبرغ ريسيرش" (Hindenburg Research).
فقدت القيمة السوقية لأسهم غوتام أداني العشر نحو 118 مليار دولار منذ أن زعمت "هيندنبرغ ريسيرش" الأميركية الأسبوع الماضي أنه تم استخدام الكيانات الوهمية في الخارج لتضخيم الإيرادات والتلاعب في أسعار الأسهم.
سهم "أداني إنتربرايزس" (Adani Enterprises) الرئيسي تذبذب خلال تعاملات الجمعة ما بين الهبوط بنسبة 35% والصعود بنحو 7%، وسط سلسلة من التنفيذات الكبيرة، كما انخفضت ستة من تسعة أسهم أخرى.
تفاقم هبوط الأسهم، ويبدو أنه لا يمكن إيقافه هذا الأسبوع. فقد بلغت نسب تراجع بعض الأوراق المالية أكثر من 50%، فضلاً عن هبوط "أداني إنتربرايزس" بنسبة 60%، منذ نشر تقرير "هيندنبرغ ريسيرش" التي قالت آنذاك إن سبع من الشركات المدرجة بالمجموعة مُقوَّمة بأعلى من قيمتها بـ85%، حتى إذا ما تم أخذ مقاييسها المالية بقيمتها الاسمية.
يعكس استمرار الهبوط مخاوف بشأن وصول "أداني" إلى التمويل بعد أن ألغى رجل الأعمال طرحاً رئيسياً للأسهم هذا الأسبوع، كما أدى تقرير "هيندنبرغ" إلى نشر المخاوف القديمة بشأن ديون المجموعة إلى الساحة العالمية.
الدفع المسبق للقروض المدعومة بالأسهم
يجري رجل الأعمال المُحاصَر محادثات مع الدائنين ليدفع مسبقاً بعض القروض المدعومة بالأسهم المرهونة، خاصة بعد أن توقفت بعض البنوك عن قبول الأوراق المالية للمجموعة- التي تعمل بقطاعات تمتد من الموانئ إلى الطاقة- كضمان في صفقات العملاء.
قال سمير كالرا، مؤسس شركة "تارغت إنفستنغ" (Target Investing) في مومباي: "المستثمرون لا يهتمون فقط بالوفاء بالتعهدات، بل يريدون خططاً وإجراءات ملموسة.. فقد بات توظيف كل روبية في الميزانية العمومية أمراً بالغ الأهمية الآن. فهناك الكثير من الأطراف المعنية".
قضية قومية
أمست أزمة الثقة في أداني قضية قومية خاصة بعد أن عطّل المشرعون البرلمان لمدة يومين للمطالبة بإجابات من قِبل حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، نظراً إلى مدى تداخل مصالحه (غوتام أداني) مع خطط النمو في البلاد. سعى المسؤولون الحكوميون إلى التقليل من تأثير الأزمة، حتى في الوقت الذي يخطط فيه حزب المؤتمر المعارض لاحتجاجات على مستوى البلاد لتسليط الضوء على المخاطر التي يتعرض لها صغار المستثمرين.
اتهمت "هيندنبرغ ريسيرش" المجموعة الأسبوع الماضي بالتلاعب "الواضح" بالسوق والاحتيال المحاسبي، مدعّية أنه تم استخدام شبكة من الكيانات الوهمية في الخارج- تسيطر عليها عائلة أداني في دول الملاذات الضريبية- لتسهيل الفساد وغسيل الأموال وسرقة دافعي الضرائب.
نفت المجموعة مراراً هذه المزاعم، ووصفت التقرير بأنه "مزيف"، وهددت باتخاذ إجراءات قانونية. كما ألقى غوتام أداني خطاباً مصوراً يوم الخميس قال فيه إن الميزانية العمومية للمجموعة قوية.
التعرّض لديون المجموعة
من جهتها، قالت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني يوم الجمعة إنه ليس هناك تأثيرٌ فوري على الملف الائتماني لشركات أداني التي تقوم بتصنيفها بعد تقرير "هيندنبرغ"، كما استبعدت حدوث تغييرات جوهرية في التدفق النقدي المتوقع.
حصل أداني على فترة استراحة بسبب ارتفاع سندات المجموعة يوم الجمعة، بعد أن أبلغت "غولدمان ساكس" و"جيه بي مورغان" بعض العملاء أن ديون المجموعة قد تُقدّم قيمة بسبب قوة بعض الأصول. حيث صعدت جميع سندات الدين الدولارية الـ15، بعد أن هبط بعضها لمستويات التعثر.
200 مؤسسة مالية على الأقل تتعرض لسندات مجموعة "أداني غروب" بقيمة 8 مليارات دولار، وفقاً لبيانات جمعتها بلومبرغ بناءً على أحدث إيداعات الشركة.
كانت شركات "بلاك روك"، و"لورد أبيت آند كو" (Lord Abbett & Co) التي يقع مقرها في نيوجيرسي، وجمعية المعلمين والتأمين والمعاشات الأميركية ومقرها نيويورك، من بين أكبر الحائزين.
قال ويليم غلوري، مدير المحافظ في "إل جي تي كابيتال بارتنرز" (LGT Capital Partners): "لدى أسهم وسندات (أداني) قاعدة مستثمرين مختلفة بمشاركة مؤسسية محدودة في الأسهم.. كما أنه كان من الصعب تبرير تقييمات الأسهم في المجموعة بالأساسيات، حتى قبل صدور تقرير شركة البيع على المكشوف".
أضاف غلوري: "قد لا يزال مستثمرو السندات يرون قيمة عند الأسعار المنخفضة، حيث تتحكم المجموعة في أجزاء كبيرة من البنية التحتية الاستراتيجية فضلاً عن امتلاكها أعمال أساسية ذات إمكانات نمو".
ارتد سهم "أداني إنتربرايزس" (Adani Enterprises) مرتفعاً بنحو 2% في الساعة 2:59 مساءً في مومباي بعد تنفيذ ما لا يقل عن 11 صفقة بأكثر من 100،000 سهم لكل منها. من المتوقع أن يستمر هذا التقلب، في ظل ارتفاع حجم الخيارات الإجمالية وتسجيل المراكز المفتوحة مستويات قياسية مرتفعة لكل من خيارات البيع والشراء.
قال سونيل باتشيسيا، المحلل الاستراتيجي في "براتيبوتي فينهيت" (Pratibhuti Vinihit) في مومباي: "هذه مجرد ارتدادة مؤقتة لأعلى بعد الهبوط العنيف، التعامل على أسهم المجموعة سيظل يحمل مخاطرة إلى أن تقوم الشركة بتوضيح النقاط التي أثارتها (هيندنبرغ)".
أسهم تحت المراقبة
وضعت أكبر بورصات الأوراق المالية في الهند ستة من شركات أداني، بما في ذلك الشركة الرئيسية، على قائمة المراقبة لمزيد من التدقيق في التداول- وهو مقياس يتم تطبيقه عادةً على الأسهم شديدة التقلب-.
ساعد انتشار العدوى من انهيار أسهم المجموعة في دفع مؤشر "إم إس سي آي إنديا" (MSCI India) إلى حافة التصحيح الفني، بعد هبوطه بما يقرب من 9% من ذروة ديسمبر.
شددت البنوك الرقابة على الأوراق المالية لشركات أداني. توقفت وحدتا "كريدي سويس" و"سيتي غروب" في وقت سابق من هذا الأسبوع عن قبول بعض الأوراق المالية الصادرة عن شركات أداني كضمان لقروض الهامش للعملاء الأثرياء.
ويُقال إن المجموعة قد قدمت 5.5% من أسهم وحداتها المدرجة بشكل عام رهاناً للقروض.
أدت التداعيات بالفعل إلى حذف "أداني إنتربرايزس" من مؤشرات "داو جونز" للاستدامة. كما تنحى جو جونسون، الوزير السابق عن حزب المحافظين وشقيق رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، عن منصبه كعضو مجلس إدارة بشركة بريطانية ذكرتها "هيندنبرغ" في تقريرها عن أداني.
أفادت بلومبرغ نيوز نقلاً عن شخص على دراية بالموضوع، أن الدفع المسبق للقروض الذي اقترحه أداني قد يدفع المقرضين للإفراج عن بعض الأسهم في شركات المجموعة التي تم تقديمها كضمان. وأضاف الشخص أن المجموعة الهندية لم تواجه طلبات تغطية الهامش على هذه التعهدات، مؤكداً أنها تسعى للدفع المسبق بشكل استباقي.
"سيتي غروب" و"كريدي سويس" و"باركليز" من بين داعمي الملياردير، كما أنهم من بين البنوك التي تدرس مجموعة من الخيارات للحد من مخاطر الخسائر.
قال تشارو تشانا، المحلل الاستراتيجي في "ساكسو بنك ماركتس" (Saxo Capital Markets): "مخاوف العدوى آخذة في الاتساع، لكنها لا تزال مقتصرة على القطاع المصرفي.. لا يزال التركيز على المزيد من مخاطر الاستبعاد من المؤشرات ، فضلاً عن الترقب لرد متماسك من قبل المجموعة على مزاعم الاحتيال".