كبار قادة الصين سيركزون على تدعيم الاقتصاد خلال السنة المقبلة حيث ألمحوا إلى تبني سياسات داعمة للشركات، وتوفير مزيد من الدعم لسوق العقارات بينما من المرجح أن يخفضوا الحوافز المالية.
بعد 3 أعوام من فرض قيود صارمة عبر سياسة صفر كوفيد، وشن حملة تنظيمية ضد المخاطر المالية بسوق العقارات واستهداف النمو المفرط لشركات منصات الإنترنت، يبدو أن الرئيس الصيني شي جين بينغ يخفف من سياساته المتشددة.
أثناء انعقاد مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي على مدى يومين والذي اختتم أعماله الجمعة الماضية، تعهد شي وغيره من كبار المسؤولين بإنعاش الاستهلاك ودعم القطاع الخاص، في تغير ملحوظ مقارنة بالأعوام الأخيرة.
النمو الاقتصادي
قال خبراء اقتصاد إنه توجد إشارات جلية على أن التركيز في السنة المقبلة سيكون على تدعيم الناتج المحلي الإجمالي، في ظل أنه من المرجح أن يستهدف صناع السياسة تحقيق نمو اقتصادي 5% أو أعلى.
هذه المهمة ستكون عسيرة رغم أن الصين عرضة لتفاقم حالات الإصابة بمرض كوفيد الشهور المقبلة في أعقاب التخلي عن نهج احتواء فيروس كورونا بطريقة متعجلة، وبقيت ثقة المستهلكين والشركات على مقربة من مستويات قياسية منخفضة.
الصين تدرس إعلان هدف 5% للناتج المحلي مع تحول التركيز للنمو
في إشارة إلى أن الموقف الداعم للشركات يأتي من قمة هرم السلطة، نشرت صحيفة "بيبولز ديلي"، الصحيفة الرسمية للحزب الشيوعي، مقالاً بالصفحة الأولى الأحد بعنوان "المفتاح هو تدعيم الثقة". نقلت عن شي في المقال قوله: "لقد دعمت على الدوام شركات القطاع الخاص، وعملت أيضاً بالمناطق التي يتطور فيها اقتصاد القطاع الخاص نوعاً ما".
زار زعيم الحزب الحاكم بمقاطعة جيجيانغ في شرق الصين مقر شركة "علي بابا غروب هودلينغ" الأحد، وحث الشركة على تعزيز التنمية والمنافسة العالمية.
"إن العبء الاستثنائي المرتبط بإنعاش الاستهلاك، والتلميحات ببلوغ تشديد القيود التنظيمية ذروته، والجهود المتجددة لتشجيع ريادة الأعمال والصمت عن سياسة "الرخاء المشترك" هي علامات مهمة على التحول بنهج السياسة الاقتصادية". تشانغ شو، وديفيد تشو، وإريك تشو خبراء اقتصاد
رأي بلومبرغ إيكونوميكس
استجابة الأسواق
يقيم المضاربون يوم الاثنين اللغة الداعمة للشركات في الخطاب الصادر عن المسؤولين في مقابل التحديات قصيرة الأجل للاقتصاد جراء زيادة حالات الإصابات بمرض كوفيد. هبط مؤشر "سي اس آي 300" القياسي بنسبة 0.4% عند الساعة 10:00 صباحاً بالتوقيت المحلي. جرى تداول مؤشر على أداء أسهم شركات التكنولوجيا الصينية في بورصة هونغ كونغ مرتفعاً بنسبة 1.2%.
الأسهم الصينية تمحو مكاسبها مع تفوق "كورونا" على جرعة تفاؤل حكومي
تراجعت عوائد السندات الصينية الأكثر تداولاً لأجل 10 أعوام 3 نقاط أساس لتسجل 2.88%، وهو المستوى الأدنى منذ 28 نوفمبر الماضي.
نستعرض فيما يلي النقاط الأساسية لمؤتمر العمل الاقتصادي المركزي وتعليق المحللين حول ما تعنيه بالنسبة للسياسات خلال السنة المقبلة.
مزيد من السياسات الداعمة للشركات خاصة التكنولوجية منها
أكد مسؤولون أنهم سينفذون سياسة إيجابية لتشجيع شركات القطاع الخاص على النمو وزيادة وصول الشركات الأجنبية للأسواق. أوضح المسؤولون، الذين خصوا بالذكر شركات منصات الإنترنت، أنهم سيدعمون لعب الشركات لدور ريادي في تحقيق التنمية الاقتصادية وتوفير فرص العمل والمنافسة بالسوق الدولية.
كانت لغة الخطاب المستخدمة إزاء شركات منصات الإنترنت أكثر إيجابية مقارنة باجتماع السنة الماضية، عندما شدد القادة على مراقبة القطاع وكبح "نموه الجامح".
"غولدمان ساكس": طريق الصين لإعادة فتح اقتصادها ستكون صعبة
علق آدم وولف، وهو خبير اقتصادي بشركة "أبسولوت استراتيجي ريسيرش" (Absolute Strategy Research) قائلاً: "يظهر أن أكبر تغير خلال العام الجاري يتمثل في زيادة التركيز على تحسين بيئة الأعمال للشركات الأجنبية وشركات القطاع الخاص، لا سيما شركات منصات الإنترنت، وقد يساعد ذلك على استرداد الثقة وتدعيم الاستثمار بعمليات التصنيع الخفيف وقطاع الخدمات".
مستهدف نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5% تقريباً
تبنى المسؤولون موقفاً أقوى داعماً للنمو الاقتصادي خلال الاجتماع بالمقارنة مع الأعوام الأخيرة، مشيرين إلى أهمية "مقدار" النمو الاقتصادي. جاءت زيادة الطلب المحلي على رأس قائمة الأولويات للسنة المقبلة.
تحديداً، قال المسؤولون إن إنفاق المستهلكين ونمو معدلات التوظيف يجب أن يحصلا على "مركز أكثر أهمية". وأضافوا أن دخل سكان مناطق الحضر والريف سينمو "عبر قنوات متعددة"، من أجل زيادة الإنفاق على الإسكان الأفضل، والسيارات التي تعمل بالطاقة الجديدة، ورعاية المسنين.
كان إنفاق المستهلكين نقطة ضعف للاقتصاد أثناء فترة تفشي وباء كورونا ويتوقع خبراء الاقتصاد حدوث انتعاش السنة المقبلة مع انتهاء قيود احتواء مرض كوفيد وانحسار تفشي العدوى. ربما يدفع ذلك معدل النمو في السنة المقبلة إلى 5% أو أعلى، بدلاً من 3% العام الجاري.
معنويات المستهلك الصيني عند أدنى مستوى منذ 2020 رغم تخفيف القيود
أفادت "بلومبرغ نيوز" في وقت سابق من الشهر الحالي بأن كبار المسؤولين يناقشون هدفاً لنمو الناتج المحلي الإجمالي يبلغ نحو 5% للسنة المقبلة. احتج مسؤولون عديدون على صلة بالحكومة بأن الاقتصاد بحاجة للنمو بهذا القدر على الأقل في غضون الأعوام المقبلة لتحقيق طموحات الصين في المدى البعيد.
قد تُخفض الحوافز المالية
بينما تعهد المسؤولون باتباع سياسة مالية نشطة، تحاشى المسؤولون استخدام تعبيرات على غرار الاستثمار في البنية التحتية "للمراحل الأولى" و"التخفيضات الضريبية الجديدة"، والتي سُلط عليها الضوء أثناء اجتماع السنة الماضية.
على صعيد السنة المقبلة، أوضح المسؤولون أن تركيز السياسة المالية سيبقى منصباً على تدعيم النمو، بينما تعهدوا أيضاً بالإبقاء على الحجم "الضروري" من الإنفاق الحكومي، وضمان الاستدامة المالية، والاحتفاظ بمخاطر ديون الحكومات المحلية تحت المراقبة.
كتب خبراء الاقتصاد بمصرف" يو بي إس" بقيادة وانغ تاو في رسالة: "نعتقد أن هذا يعني استمرار السياسة المالية الإيجابية، ولكن على الأرجح ستكون من خلال حافز مالي إضافي أصغر مقارنة بـعام 2022".
الصين تضع خططاً اقتصادية للتحول من نهج "صفر كوفيد" إلى النمو
زاد عجز الميزانية الصينية لأعلى مستوياته في التاريخ العام الجاري وباتت أعباء ديون الحكومات المحلية غير مستدامة جراء انخفاض إيرادات الضرائب وعوائد بيع الأراضي وارتفاع الإنفاق الخاص بفرض قيود احتواء مرض كوفيد. وسعت الحكومة المركزية المدفوعات التحويلية للحكومات المحلية وانتقلت لمصادر دخل غير تقليدية على غرار أرباح البنك المركزي لتعزيز الإيرادات.
يتوقع خبراء الاقتصاد لدى "يو بي إس" أن يحقق الاستثمار في البنية التحتية نمواً يتراوح من 5% إلى 6% السنة المقبلة، وهو أقل من توقعات تتجاوز 12% خلال 2022. ربما يتفاقم العجز المالي الكبير بأقل من 0.5 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، وهو معدل أقل كثيراً من الزيادة خلال العام الجاري البالغة أكثر من 3.5 نقطة مئوية، بحسب ما توقعوا.
السياسة النقدية ستبقى تيسيرية على الأرجح
تعني القيود المالية أن السياسة النقدية ربما تبقى تيسيرية نوعاً ما نظراً لحرص الحكومة على زيادة حجم الطلب المحلي وأن التعافي الاقتصادي ما زال هشاً.
ربما يعني ذلك تيسيراً نقدياً أكثر، على غرار عمليات تقليص أسعار الفائدة، وحث البنوك على توسيع عملية توفير القروض، لا سيما الشركات الصغيرة. أشار المسؤولون إلى أن السيولة المالية ستبقى "وفيرة بصورة مقبولة"، وأنهم يستهدفون زيادة الائتمان بوتيرة مماثلة لنمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي.
الاقتصاد الصيني ينتظر مزيداً من الاضطرابات مع انتشار كورونا
يبدو أن تعليقات ليو غوكيانغ، نائب محافظ بنك الشعب الصيني، في ختام هذا الأسبوع تؤكد على هذا النهج التيسيري. وقد أوضح قائلاً أن "قوة السياسة النقدية لن تكون أقل من السنة الحالية"، وقد تُعزز في حال تطلب الأمر ذلك، ما لم تتخط معدلات النمو والتضخم التوقعات، بحسب ما أفاد تقرير بوسائل إعلام محلية.
دعم أكثر للسوق العقارية
أعيد التأكيد على المبدأ الحكومي بأن "المنازل للعيش وليس للمضاربة" - وهي العبارة المستخدمة خلال الأعوام السابقة للإشارة إلى جهود الحد من اعتماد الاقتصاد على سوق العقارات كمصدر للنمو.
رغم ذلك، فهناك علامات واضحة على تخفيف شدة لغة الخطاب، إذ وعد المسؤولون بدعم طلب المستهلكين على "إسكان أفضل"، وضمان تحقيق "نمو مستقر" بالقطاع، والوفاء بالاحتياجات التمويلية للشركات العقارية.
ذكرت شركة "سيتيك سيكيوريتيز" (Citic Securities) أن اللهجة المتعلقة بالسوق العقارية أعطت إشارة بأن الموقف "تحول بصورة كاملة للدعم وتوفير الرعاية".
كتب محللون من "سيتيك" من بينهم مينغ مينغ في تقرير: "نعتقد أن إصرار الحكومة على وضع حد للأزمة بالسوق العقارية أمر لا جدال فيه، وعلى الأرجح ستُخفف أكثر السياسات المالية حتى تكشف السوق عن علامات على حدوث استقرار وتعافي".
غير كبار المسؤولين في الآونة الأخيرة من تصريحاتهم حول السوق العقارية. أكد نائب رئيس مجلس الدولة ليو خه لوفد شركات أجنبية الأسبوع الماضي أن السوق العقارية كانت "ركيزة" للاقتصاد وأن هناك تدابير جديدة قيد الدراسة لتحسين الوضع المالي للقطاع ودعم الثقة.