اشترت اثنتان من أكبر شركات تصنيع السيارات في الصين سفناً خاصة بهدف التأكد من أن سياراتهم تنتقل من مصانع البر الرئيسي الصيني إلى أي شخص يرغب في قيادتها.
تبذل شركة "بي واي دي"، التي تقوم بتصنيع السيارات الكهربائية والهجينة فقط، قصارى جهدها لتفادي أي عراقيل بسلاسل التوريد في المرحلة الأخيرة، إذ طلبت شراء 6 سفن على أقل تقدير في أكتوبر الماضي، تبلغ سعة تحميل كل منها 7700 سيارة، مقابل 5 مليارات يوان (ما يعادل 710 مليون دولار). تقدّمت شركة " سايك موتور" المملوكة للدولة، والتي تُشغل بالفعل خامس أكبر أسطول شحن على مستوى العالم بواسطة ذراع النقل "سايك أنجي لوجيتستيكس" (SAIC Anji Logistics ).
امتنع ممثلا شركتي "سايك" و"بي واي دي" عن التع1ليق.
تُشكّل الخطوة رهاناً جريئاً على طلب متواصل للمستهلكين حول العالم على السيارات الصينية، بالنظر إلى عدم وجود توقعات حتى الآن بشأن استمرار السفن المطلوبة في الخدمة لأعوام عديدة. وتخطت الصين مؤخراً ألمانيا لتصبح ثاني أكبر مصدّر للسيارات على مستوى العالم، إذ شحنت ما يقترب من 2.6 مليون سيارة خارجياً خلال أول 10 شهور من 2022، متجاوزة حجم شحنات 2021. ولم يُعق التراجع غير المتوقع في الطلب على السلع الصينية بأكتوبر الماضي هذا المسار الصعودي في ظل نمو صادرات السيارات وهياكل المركبات بنسبة 60%، مقارنة مع السنة السابقة لتبلغ 352 ألف وحدة بتلك الفترة، أو الرقم القياسي المرتفع بقيمة 7.1 مليار دولار.
رسوم الشحن
قال شينغ يو، رئيس شركة "كلاركسون ريسيرش سيرفيسز" (Clarksons Research Services) بشنغهاي، وهي وحدة تابعة لأكبر شركة وساطة للسفن بالعالم: "في حين صعدت صادرات السيارات، ارتفع بالكاد عدد شركات النقل حول العالم، كما ارتفعت تكاليف الشحن بصورة هائلة ويتدفق حالياً الكثير من الاستثمار في بناء سفن جديدة لنقل المركبات بسبب عدم مواكبة العرض للطلب".
75 % نمو مبيعات السيارات الكهربائية في الصين خلال أكتوبر
يُسفر نقص السفن عن إطالة سلاسل التوريد الخاصة بالسيارات بطريقة مبالغ فيها، والتي باتت واهية فعلاً نتيجة ندرة أشباه الموصلات ونقص العمالة المرتبط بوباء كورونا، وازدحام الموانئ على مدى شهور، والذي تصاعد بسبب إغلاق الصين المرتبط بتفشي وباء كوفيد-19.
ارتفعت أسعار الرسوم اليومية للسفن التي تصل سعة حمولتها لما يصل إلى 6500 سيارة (المعروفة باسم سفن الدحرجة/ رو–رو) لتبلغ 100 ألف دولار تقريباً في اليوم بداية من أكتوبر الماضي، وهو ما يفوق 10 أضعاف مستويات 2020 والأعلى مطلقاً منذ 2000 على الأقل، بحسب "كلاركسون".
مع جميع اضطرابات آخر مراحل سلاسل التوريد، من المنطقي لشركات تصنيع السيارات الصينية أن تعتمد على نفسها في الشحن، بحسب توبياس بارتز، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة "رينوس لوجيستيكس" (Rhenus Logistics). وأضاف أثناء حديثه على هامش مؤتمر في سنغافورة الشهر الماضي إن السفن باتت "شحيحة".
مخاطر أكبر
يؤدي هذا النقص لاستمرار عمل بعض السفن البالغ عمرها 30 سنة تقريباً عوضاً عن التخلص منها، ما يفاقم مخاطر وقوع حوادث، وربما تكون محاولة إطفاء أي حرائق تشب في بطارية الليثيوم الأيونية أشد صعوبة أيضاً.
لا تقتصر رغبة امتلاك سفن شحن إضافية على صُناع السيارات الصينيين فقط، حيث تعرضت شركة "تسلا"، التي تستخدم ناقلات السيارات الخاصة بشركة "إنجي لوجيستيكس"، لمشكلة أيضاً في نقل المركبات من مصانعها.
"تسلا" تخفض أسعار سياراتها في الصين وسط منافسة محتدمة
أوضح الرئيس التنفيذي إيلون ماسك خلال مؤتمر عبر الهاتف لأرباح الربع الثالث: "لم تتوافر قوارب ولا قطارات ولا ناقلات سيارات بما فيه الكفاية، لدعم موجة تسليم السيارات نهاية الربع الأخير من السنة الحالية وسواء أحببنا ذلك أم لا، يتعين علينا عملياً تسهيل تسليم السيارات في كل فترة ربع سنوية، لأنه ليس هناك وسائل نقل كافية لنقلها".
أساطيل الشحن
قد تكون نقطة الضعف الأخيرة هذه حديثة، لكن "بي واي دي" و"سايك" لا تُعتبران من أوائل صُناع السيارات الذين يديرون أساطيل الشحن الخاصة بهم، إذ تمتلك شركة "تويوتا موتور" شركة الشحن "تويوفوجي شيبينغ" (Toyofuji Shipping)، بينما تمتلك شركة "هيونداي موتور" الكورية الجنوبية شركة الخدمات اللوجستية "هيونداي غلوفيس" (Hyundai Glovis).
يُعدّ ذلك علامة واضحة أيضاً على المدى الكبير لطموحات شركات تصنيع السيارات الصينية على صعيد التصدير.
"بي إم دبليو" تنقل إنتاج سيارات "ميني" الكهربائية إلى الصين
قبل بضعة أعوام فقط، كانت الصين تبيع السيارات بصفة رئيسية للدول النامية بمنطقة أفريقيا والشرق الأوسط، لكن تزايد إنتاج السيارات الكهربائية دعّم السيارات المصنوعة داخل الصين في أوروبا، والتي تُعتبر حالياً أكبر سوق لتصدير السيارات الصينية. وصدّرت الصين ما يزيد عن 852 ألف مركبة كهربائية في أول 10 شهور من العام الجاري، صعوداً من لا شيء تقريباً منذ فترة وجيزة. يعود أكثر من خُمس هذا العدد لـسيارات "تسلا" الكهربائية المنتجة بمصنع شنغهاي العملاق التابع لشركة صناعة السيارات الأميركية.
سيناريو الوفرة
من المؤكد أن البعض غير واثق من أن شراء السفن حالياً هو القرار السليم. وقال كريغ فولر، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "فرايت ويفز" (FreightWaves) مزودة معلومات السوق الخاصة بسلاسل التوريد: "من المقرر أن تهبط تكاليف شحن السيارات مع تحول المخاطر من التكدس إلى وفرة المعروض بسوق السيارات ومع تراجع حدة اختناقات سلاسل التوريد، فإن الخطر سيصبح أكثر في جانب الطلب من المعادلة".
حتى بلوغ نقطة التحول تلك، يبدو أن شركات تصنيع السيارات الصينية حريصة بشدة على التحكم في أكبر قدر ممكن من عملية الشحن. وذكرت تقارير لوسائل الإعلام المحلية الأسبوع الماضي أن شركة "نيو" لتصنيع السيارات الكهربائية، وشركة "شيري أوتوموبيل" (Chery Automobile) تتطلعان أيضاً لطلبات شراء سفن.
وسط العلامات التجارية الصينية، تأتي "سايك"، التي تركز على السوق الخارجية، حيث باعت 697 ألف سيارة في الخارج خلال 2021، بفضل نجاح سيارات "إم جي موتور" (MG Motor)، وهي العلامة التجارية البريطانية التي استحوذت عليها، وتستهدف 800 ألف سيارة العام الجاري.
يُعتبر هذا بعيداً عن استخدام كامل سعة الشحن السنوية الخاصة بالشركة، والتي تصل لـ10 ملايين مركبة تقريباً، لكن في الوقت نفسه تستطيع سفن "سايك" بالفعل أن تخدم شركات تصنيع السيارات الأخرى أيضاً، بما فيها "نيو".