سلسلة الفضائح تطرح سؤالاً وجودياً لقطاع التشفير عما إذا كان من الممكن الوثوق فيه

كيف تهز الانهيارات المتتالية أسس قطاع العملات المشفرة؟

لافتات لعملات مشفرة خارج مركز لتداول العملات الرقمية في هونغ كونغ - المصدر: بلومبرغ
لافتات لعملات مشفرة خارج مركز لتداول العملات الرقمية في هونغ كونغ - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

قلما خلا تاريخ العملات المشفرة من التقلبات، لكن انهيار القطاع في 2022 كان أكثر حدة من أغلب الأزمات الأخرى. تختفي استثمارات بمليارات الدولارت تقريباً بين عشية وضحاها في سلسلة من انهيارات أنشطة الأعمال، أبرزها تبخّر بورصة العملات المشفرة "إف تي إكس" في نوفمبر. خلَّفت كل من هذه الانهيارات موجة من الإفلاسات المرتبطة بها.

قلَّصت الأحداث الثقة في قطاع أُنشِئ هو نفسه رداً على فقدان الثقة في عالم المال عقب انهيار قطاع البنوك عام 2008. رد بعض المستثمرين على الأزمة من خلال المطالبة بقوانين جديدة صارمة، فيما يلقي آخرون اللوم على فشل وسطاء قطاع التشفير لتسببهم في الإفلاسات، ويقولون إن الاضطراب لا بد أن يُسرِّع من الانتقال إلى منصات لامركزية بصورة أكبر.

1) ماذا حدث لأسعار العملات المشفرة؟

بعدما وصلت إلى ذروتها في نوفمبر 2021، انخفضت القيمة السوقية المجمعة للأصول المشفرة بما يصل إلى 73% في الـ12 شهراً التالية، وفقاً لأرقام من موقع رصد بيانات القطاع "كوين غيكو" (CoinGecko). يُعتبر ذلك أقل من الانهيار الذي قضى على 88% من القيمة السوقية خلال "شتاء التشفير" السابق في 2018، لكن ما محاه كانت قيمته أكبر بكثير ويعادل أكثر من تريليوني دولار.

على الرغم من أن فترات الانهيارات السابقة وقفت وراءها مشكلات داخل القطاع نفسه، إلا أن انهيار العام الجاري انطلقت شرارته من حدث خارج القطاع، وهو: رفع البنوك المركزية أسعار الفائدة لمكافحة ارتفاع التضخم ما بعد الجائحة. خفَّض ذلك من شهية المستثمرين للأصول عالية المخاطر ومرتفعة العوائد، بما فيما أصول التشفير.

2. ما أهمية ذلك؟

نسف الانهيار فكرة أن قطاع التشفير يتمتع بمكانة مشابهة للذهب كملاذ آمن في فترات الضبابية الاقتصادية، من خلال انفصاله عن ثروات الأصول المالية التقليدية. كما شكل صدمة لمديري صناديق الثروة السيادية والمعاشات، وملايين المستثمرين الصغار، الذين احتضنوا قطاع التشفير في السنوات الأخيرة، معتقدين أنه في طريقه لأن يصبح فئة أصول سائدة.

اتضح أن ارتفاع الأسعار خلال السنوات الأخيرة كان مبنياً على أسس هشة، لأن الكثير من المستثمرين استدانوا بشدة للرهان على العملات والمشروعات الرقمية، وغالباً ما كانوا يستخدمون أصولاً مشفرة أخرى كضمان. أدى هذا الترابط إلى انتشار تأثير الانهيارات التي كان لها دوي كبير.

3. ما الذي انهار؟

شمل أول انهيار ما يسمى بالعملة المستقرة القائمة على الخورازميات "تيرا دولار" (TerraUSD)، والتي استخدمت عمليات آلية معقدة شملت الرمز الشقيق "لونا" (Luna) للمحافظة على ارتباطها بالدولار الأميركي. اشتهرت العملة لأن منصة تمويل لامركزي مرتبطة بها، اسمها "أنكور" (Anchor)، طرحت أسعار فائدة تصل إلى 20% لإيداعات "تيرا دولار".

أدت عمليات سحب مفاجئة من "أنكور" إلى "دوامة مميتة" محت نحو 60 مليار دولار من قيمة "تيرا دولار" و"لونا". أفلست الشركات التي كانت استثمرت في الرموز والمشتقات المرتبطة بهما، مثل "ثري آروز كابيتال" (Three Arrows Capital)، ما أدى إلى انهيار شركات أخرى، مثل "فويجر ديجيتال" (Voyager Digital)، التي أعطت قرضاً ضخماً لـ"ثري آروز". في نوفمبر، حدثت صدمة أخرى: انهيار إمبراطورية العملات المشفرة لرائد الأعمال اللامع سام بنكمان فرايد، بما فيها واحدة من أكبر بورصات الأصول الرقمية، وهي "إف تي إكس دوت كوم" (FTX.com).

في غضون أيام، الرجل الذي أنقذ مشروعات أخرى واجهت صعوبات في قطاع التشفير، وأصبح سفيراً غير رسمي للقطاع في المؤتمرات وفي مبنى الكابيتول، شهد تبخُّر ثروته البالغة 15.6 مليار دولار. يُعتقد أن "إف تي إكس" انهارت أثناء محاولتها إنقاذ منصة التداول "ألاميدا ريسيرش" (Alameda Research)، المملوكة لبنكمان فرايد.

4. ماذا كانت العواقب؟

قال منتقدو "تيرا" إن النظام كان مصيره الفشل لاعتماده جزئياً على جذب المستثمرين من خلال أسعار فائدة غير مستدامة. شبّه البعض "تيرا" ومشروعات أخرى ذات عوائد مرتفعة تعمل بنظام التمويل اللامركزي، بأشكال جديدة من خطط الاحتيال، التي أغدقت على المستثمرين الأوائل عائدات غير مستدامة حتى تجذب مستثمرين جدد.

أظهر انهيار "إف تي إكس" كيف أن أنشطة التشفير -حتى التي تبدو مستقرة منها- قد تكون لديها نقاط ضعف خفية، كما أكد مخاطر العدوى، التي تنتشر فيها مشكلات في أحد جوانب القطاع بسرعة وبطرق غير متوقعة، ما يؤدي إلى خسائر ضخمة في جوانب أخرى. كل هذا قد يُجمِّد الاستثمار في القطاع لفترة.

5. ماذا يعني ذلك لمستقبل قطاع التشفير؟

خرج القطاع إلى النور لأن الناس لم تثق في "وول ستريت"، لكن سلسلة الفضائح الأخيرة تطرح ما يرقى إلى كونه سؤالاً وجودياً لقطاع التشفير عما إذا كان من الممكن الوثوق فيه هو الآخر. بالنسبة إلى الكثيرين، كان الأمل في أن تعيد تنظيمات أكثر صرامة الثقة. لكن يبدو أن إفلاس "إف تي إكس" حفز التشريع الذي سعى بنكمان فرايد بشدة لحشد التأييد له.

اعترض على التشريع بعض مشغلي منصات التمويل اللامركزي، الذين رأوا أنه منحاز تجاه مصالح البورصات المركزية الكبيرة مثل "إف تي إكس". ربما تجعل القواعد التنظيمية الصارمة قطاع التشفير في نهاية المطاف، أكثر استقراراً، ويحظى بقدر أكبر من الاحترام. لكن الأمر المجهول الآن، هو مدى قدرة القطاع على أن يتحمل التدقيق الإضافي الذي سيتبع ذلك.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك