سيكون للموظفين والعمال اليد الطولى في سوق العمل، نظراً لأن التغييرات الديموغرافية تجعل من تعيين أصحاب العمل للموظفين والإبقاء عليهم، مسألة صعبة، حسب دراسة حديثة لخبراء اقتصاديين في "غلاسدور" (Glassdoor Inc) و"إنديد" (Indeed Inc).
أسفرت شيخوخة السكان وتراجع أعداد المهاجرين، عن وجود مجموعة أصغر من العمال بصفة عامة، بحسب تقرير مشترك قدّم تحليلاً لاتجاهات التوظيف في كافة أنحاء الولايات المتحدة وكندا وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وأستراليا واليابان والصين. على أثر ذلك، سيبقى التوظيف في قطاعات بعينها، يشكل تحدياً على مدى أعوام مقبلة.
تشوهات سوق العمل
أوضح التقرير أن المخاوف من حدوث ركود محتمل خلال العام المقبل، قد تقلص بصفة مؤقتة من معدلات التوظيف لدى الشركات في الأجل القريب، مع عمليات تسريح جماعية حديثة للعمالة من قبل عمالقة قطاع التكنولوجيا، على غرار شركتي "ميتا بلاتفورمز" و"أمازون. كوم"، لكن على الأرجح، سينجم عن التأثيرات طويلة المدى تشوه في نفوذ السوق تجاه الباحثين عن عمل، بحسب الدراسة.
قال آرون تيرازاس، كبير خبراء الاقتصاد في "غلاسدور": "في توقيت كهذا، مع توافر عناوين رئيسية كثيرة تتناول تسريح الموظفين، ربما يظهر الأمر غريباً إلى حدٍّ ما عند الحديث عن تحديات التوظيف على المدى البعيد. لكن الحقيقة، هي أنه في أوقات مثل هذه تحديداً، يكون من السهل استيعاب ذلك بطريقة خاطئة، ومن السهل الخلط بين التقلبات الدورية على المدى القريب، والتحديات الهيكلية طويلة المدى في سوق العمل".
على وجه التحديد، باتت تأثيرات شيخوخة القوى العاملة، التي تسارعت فعلاً جرّاء تفشي وباء كورونا، أشد حدة مع وصول متوسط أعمار جيل طفرة المواليد 65 سنة خلال العام الجاري. صرح تيرازاس خلال مقابلة: "كان بلوغ عمالة طفرة المواليد لسن التقاعد بمثابة حطام قطار بطيء الحركة على مدى الـ20 عاماً الماضية، وبرزت أزمة التقاعد، التي كانت في خلفية المشهد قبيل تفشي الوباء، بصورة مفاجئة".
سن التقاعد
بالإضافة إلى ذلك، من المنتظر أن ينكمش عدد السكان في سن العمل بطريقة هائلة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وألمانيا وفرنسا والصين، إذ نوه التقرير إلى أن "مسرح الأحدث مهيأ لتحديات التوظيف المتواصلة".
أكد تيرازاس أنه، وعلى الرغم من تكهنات صادرة في وقت سابق من العام الجاري عن خبراء اقتصاد، بأن التضخم قد يضطر بعض الأشخاص من جيل طفرة المواليد للرجوع إلى سوق العمل، إلا أن ذلك لم تستمر طويلاً. أثبتت دراسة حديثة أجرتها شركة "إنديد"، أن معدل عودة المتقاعدين إلى سوق العمل، شهد تراجعاً رغم استمرار ارتفاع معدلات حالات التقاعد الحديثة.
هذا التحول السكاني آخذ في التفاقم، جرّاء الهبوط الحاد في أعداد الهجرة. أشار تيرازاس إلى أن الولايات المتحدة تعاني من عجز في العمالة المهاجرة يصل إلى 1.4 مليون تقريباً بالمقارنة مع مسار ما قبل اندلاع الوباء. يعني ذلك أن معاناة التوظيف ستستمر بالنسبة لقطاعات على غرار الرعاية الصحية وخدمات الأغذية والضيافة التي كانت تنزع للاعتماد على العمالة المهاجرة.
اجتذاب العمالة
نظراً لهذه النواقص، كتب مؤلفو التقرير أن المحافظة على القدرة التنافسية ستتطلب من أصحاب العمل أن يتسموا بالمرونة في ظل توقعات العمل من داخل المكتب، مقابل وظائف تتيح إمكانية العمل عن بعد، وتوفير أجور ومزايا جذابة، وتنمية ثقافة قوية للشركة، وإعادة التركيز مجدداً على مبادرات التنوع والمساواة والاندماج.
قال تيرازاس: "إنها فترة مثيرة للخوف لدى شركات عديدة في الوقت الراهن. لكن الشركات التي ستنجح مع نهاية كل ما سيجري في 2023، هي تلك التي تقوم برصد الاتجاهات على المدى البعيد، وعليك ألا تعمل وكأنك تخطط لمشروع تجاري لربع السنة المقبل، بل عليك أن تخطط لمشروع سيستمر على مدى 10 أعوام مقبلة. وهكذا، فإن أوقات وقوع الأزمة هذه، وأوقات الشعور بالخوف هذه، تمثل واقعياً أوقات التفكير المثالية بما الذي يغفله الأشخاص؟ وماذا سيحدث عقب نشوب الحريق، وعقب الوفاء بالاحتياجات الملحة بصورة فورية؟".