سلطات المدن والمقاطعات تشتري الأراضي ومشروعات الشركات العقارية المتعثرة

أزمة العقارات الصينية تعرّض ديوناً بـ1.6 تريليون دولار للخطر

مشروع "رويال بيك" تطوير سكني خاص بشركة "تشاينا إيفرغراند غروب" تحت الإنشاء في بكين بالصين  - المصدر: بلومبرغ
مشروع "رويال بيك" تطوير سكني خاص بشركة "تشاينا إيفرغراند غروب" تحت الإنشاء في بكين بالصين - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تزيد أزمة العقارات المتفاقمة في الصين الضغوط على ما تعادل قيمته 1.6 تريليون دولار من سوق السندات الداخلية للبلاد، إذ تتدخل المدن والإدارات المحلية باعتبارها المخلص الذي سينقذ شركات التطوير العقاري المتعثرة، في محاولة منها لمساعدة القطاع بدعم من الدولة.

بعد أن أخذت مكان شركات البناء كأكبر مشتر للأراضي في وقت سابق من العام الجاري؛ باتت آليات التمويل الحكومية المحلية في البلاد، أو (LGFVs) - وهي التسمية التي تطلق عليها - هي الجهات المشترية الأساسية حالياً للمشروعات قيد الإنجاز، الخاصة بالشركات المتعثرة، بما فيها شركة "تشاينا إيفرغراند غروب". لكنَّ محللين حذروا من مخاطر هذه المشاركة المتنامية في سوق العقارات.

مخاطر ائتمانية

تشير وكالة "موديز إنفستورز سيرفيس" إلى أنَّ هذا الأمر ربما يؤثر على الموقف الائتماني لوكالات التمويل الحكومية. على الرغم من عدم تخلف آليات التمويل عن سداد المستحقات عليها في دورة الاقتصاد الحالية؛ لكنَّ "بلومبرغ إيكونوميكس" لا تستبعد تعثر واحدة منها مستقبلاً. فعلى الرغم من أنَّ السياسة النقدية التيسيرية في الصين وصلت بطريقة هائلة بتكاليف الاقتراض الداخلي إلى أدنى مستوياتها منذ أعوام، بما فيها غالبية آليات التمويل الحكومية المحلية؛ فإنَّ متوسط ​​فروق عوائد الائتمان على بعض السندات المحلية الأسوأ أداء، تضاعف منذ منتصف يناير إلى ما يقارب 10 نقاط مئوية.

تثير هذه الجهود المباشرة للإنقاذ، وتعزيز الروابط مع قطاع العقارات، مخاوف جديدة تتعلق بمتانة الروابط الأضعف داخل قطاع الدولة في الصين، إذ يضغط هبوط قطاع الإسكان بمستويات قياسية والصعود الهائل في النفقات الخاصة بمكافحة تفشي وباء "كوفيد" على الموارد المالية الضيقة بالنسبة إلى الشركات التي تعوّل على التمويل الحكومي. ربما يسفر التخلف عن السداد المحتمل عن حدوث اضطراب آخر في السوق؛ إذ تشكّل السندات الخاصة بآليات التمويل الحكومية المحلية، والتي يصل حجمها إلى 11.6 تريليون يوان (ما يعادل 1.6 تريليون دولار)، ثلث سندات الشركات المحلية في الصين تقريباً.

قالت زيرلينا زينغ، كبيرة محللي الائتمان في "كريديت سايتس" (CreditSights) في سنغافورة، إنَّ الحكومة بحاجة إلى الاعتماد على آليات التمويل الحكومية المحلية خلال فترة تراجع النمو الاقتصادي، ولكن "بمجرد أن يتحول اتجاه السياسة النقدية؛ فإنَّنا لا نستبعد إمكانية حدوث حالة تخلف عن السداد للسندات العامة لآلية التمويل الحكومية المحلية، وعلى الأرجح ستعيد الصين التركيز على تصفية ديون الحكومة المحلية"، عندما يبدأ النمو في التعافي، ولن تكون مخاطر التخلف عن السداد مرتفعة في غضون الأشهر الستة المقبلة.

عواقب التعثر

يقدّر ديفيد كيو، وتشانغ تشو، من "بلومبرغ إيكونوميكس"، إجمالي ديون آليات التمويل الحكومية المحلية، بما فيها القروض المصرفية، بما يبلغ 60 تريليون يوان، أو نصف الناتج المحلي الإجمالي للصين تقريباً. وفي رأيهما؛ فإنَّ التخلف عن السداد ستنجم عنه عواقب وخيمة.

تصدّرت آليات التمويل الحكومية المحلية المشهد في أعقاب الأزمة المالية العالمية، عندما ساهمت بدور حاسم في تمويل مشروعات الطرق والجسور ومترو الأنفاق، إذ كثّفت الحكومة المركزية برامج التحفيز الاقتصادي، من أجل الإبقاء على ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم في حالة نشطة للغاية.

تعتبر ظاهرة شراء المشروعات قيد التنفيذ من قبل آليات التمويل الحكومية المحلية للمشروعات، خطرة بصفة خاصة في مقاطعة غوانغدونغ في جنوبي البلاد، وهي مركز تجاري يتمتع بموقف مالي أقوى نوعاً ما.

التزامات ضخمة

في أكتوبر المنصرم، اشترت مجموعة "غوانزو سيتي كونستراكشن إنفستمنت غروب" (Guangzhou City Construction Investment Group)، بتمويل من مدينة غوانزو، قطعة أرض مخصصة لبناء ملعب كرة قدم يتسع لـ80 ألف متفرج، عقب ردها من قبل "إيفرغراند". تمتلك شركة العقارات العملاقة، التي تقع في قلب أزمة الائتمان التي تضرب هذا القطاع، عدداً ضخماً من المشروعات في هذه المدينة.

من خلال هذه الصفقة، باتت آلية التمويل الحكومية المحلية مسؤولة حالياً عن إتمام عملية تشييد المجمع الرياضي، والتي قدّرت "إيفرغراند" تكلفتها بـ12 مليار يوان، ولكنَّها استثمرت فيها ملياري يوان فقط. وهذا يعني تقديم المزيد من الإنفاق الذي يضاف إلى 57 مليار يوان من المشروعات العقارية حتى مارس الماضي. حذّرت شركة "تشاينا ليانهي كريديت ريتينغ" (China Lianhe Credit Rating) من أنَّ آلية التمويل الحكومية المحلية مطالبة بتحمّل هذه النفقات.

تتوسع أنواع آلية التمويل الحكومية المحلية التي تقدم المساعدة لتشمل الكيانات التابعة على مستويات أدنى من الحكومات أيضاً. في مدينة شنتشن المجاورة، قدّمت آلية التمويل الحكومية المحلية المساعدة لـ4 مشروعات رئيسية تمتلكها "إيفرغراند" داخل الولاية القضائية، بحسب شركة التطوير العقاري. على الرغم من أنَّ الآلية لا تجمع التمويلات عن طريق السوق المفتوحة؛ لكنَّ وتيرة مبيعات السندات من قبل أكبر مساهميها "شنتشن تالنت هاوسنيغ غروب" (Shenzhen Talents Housing Group) تزايدت خلال العام الجاري، بحسب بيانات جمعتها "بلومبرغ".

مخاطر أخرى

كتب تشو يو، محلل السندات في شركة "تشونغتاي سكيورتيز" (Zhongtai Securities)، في مذكرة في سبتمبر الماضي: "تصاحب الخبرة القليلة في أعمال التشييد مجموعة أخرى من المخاطر التي تهدد آليات التمويل الحكومية المحلية، وربما تصبح المبيعات ضعيفة في نهاية المطاف، في حال عدم الوفاء بمعايير الجودة، مما سيؤدي إلى تراجع في التدفقات النقدية".

قبل أن تتحول إلى منقذ ومخلص، كانت آليات التمويل الحكومية المحلية تقدّم القروض فعلاً لشركات البناء المتعثرة. قبل أيام من تسديد شركة "غرينلاند هولدينغز"، ومقرها في شنغهاي، سندات دولارية في أغسطس الماضي؛ أقرضت شركة "شنغهاي تشينغتو" (Shanghai Chengtou)، وهي مساهمة في آلية التمويل الحكومية المحلية، الشركة 1.5 مليار يوان.

في الوقت الراهن، يعزز تحمّل مسؤولية الدور الحيوي بتشييد مشروعات سكنية، الاعتقاد لدى المستثمرين بأنَّ آلية التمويل الحكومية المحلية تمتلك ضمانات من قبل الحكومات المحلية، والتي ساهمت في تجنيب آلية التمويل الحكومية المحلية التخلف عن السداد للسندات العامة، بحسب محللي شركة "تيانفنغ سيكوريتيز"، وعلى رأسهم سون بينبين.

من بين سندات آليات التمويل الحكومية المحلية، كان أداء بعض السندات أفضل مع تضييق فوارق عوائد الائتمان، بمساعدة من السيولة المالية الوفيرة المحتفظ بها لدى البنك المركزي الصيني بالمقارنة مع السلطات النقدية في أماكن أخرى. يصل متوسط ​عوائد سندات آلية التمويل الحكومية المحلية الجديدة للعام الجاري إلى 3.59%، أي أقل بحوالي 81 نقطة أساس مقارنة بالعام الماضي، وهو مهيأ لبلوغ أدنى مستوياته منذ 2017 على أقل تقدير، بحسب بيانات وفرتها شركة "ريتنيغ دوغ" (Ratingdog) المتخصصة في أبحاث الائتمان، ومقرها في مدينة شنتشن.

أطول فترة ركود

قال إيفان تشونغ، المحلل في وكالة "موديز"، إنَّه ما دامت هناك شركات تطوير عقاري أكثر تنزلق إلى حالة الإعسار مع أطول فترة ركود في السوق المحلية الصينية، من دون أن تظهر أي مؤشرات على تخفيف حدتها؛ فستتولد ضغوط أكثر على آليات التمويل الحكومية المحلية لتقديم المساعدة. وأضاف أنَّ المدن التي تعاني من ضغوط مالية ستشعر بوطأة الأزمة.

قال تشونغ: "تتضمّن آليات التمويل الحكومية المحلية في المدن الأضعف من الناحية الاقتصادية، مخاطر ائتمانية أكبر بالفعل. وفي حال كانت لدى المشروعات المتوقفة فجوات مالية كبيرة كي تُسدد التزاماتها؛ فربما يفاقم ذلك المخاطر التي تهدد آليات التمويل الحكومية المحلية التي تباشر عمليات تسليمها".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك