الدول الأوروبية تتكبّد 7 أضعاف ما تدفعه الولايات المتحدة مقابل الغاز

مصانع أوروبا تواجه خطر شلل الإنتاج بسبب نقص الطاقة والأسعار الجنونية

خط لتجميع هياكل الشاحنات بواسطة التحكم الآلي بمصنع "سكانيا" (Scania AB)، بهولندا.   - المصدر: بلومبرغ
خط لتجميع هياكل الشاحنات بواسطة التحكم الآلي بمصنع "سكانيا" (Scania AB)، بهولندا. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تسود المخاوف لدى الشركات الصناعية العملاقة في أوروبا منذ شهور من أن يؤدي نقص الغاز هذا الشتاء إلى شلّ الإنتاج. ولكن حتى مع توفر الوقود، تكتشف الشركات أنها لا تستطيع تحمّل تكلفته.

قال كريستيان ليفين، الرئيس التنفيذي لشركة "تراتون" (Traton SE)، وهي وحدة صناعة الشاحنات التابعة لشركة "فولكس واجن" (Volkswagen AG) إن: "الأمر لا يتعلق بعمليات الإغلاق، بل هو السعر والتكلفة".

تتكبّد أوروبا سبعة أضعاف ما تدفعه الولايات المتحدة مقابل الغاز، ما يبرز التدمير الهائل الذي يلحق بالقدرة التنافسية الصناعية للقارة ويهدد بإحداث ضرر دائم لاقتصادها. وفي ظل مضاعفة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جهوده الحربية في أوكرانيا، فليس هناك ما يشير إلى أن تدفقات الغاز، وما يترتب عليها من انخفاض الأسعار بشكل كبير، ستعود إلى أوروبا في المدى القريب.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

بوادر تحوّل

بدأت فعلياً بوادر التحوّل في اقتصادات دول المنطقة بشكل بالغ، إذ شهدت ألمانيا، وهي أكبر اقتصاد في أوروبا، تضاؤل فائضها التجاري المعتاد، حيث أدت الزيادة في تكاليف الطاقة المستوردة إلى التفوق على صادراتها عالية القيمة من السيارات والآلات، وبدأت شركات الكيماويات في تحويل الإنتاج خارج البلاد. وفي الشهر الماضي، قفزت أسعار المنتجين الألمان بنسبة قياسية بلغت 46%.

بالنسبة إلى شركة "كوفسترو" (Covestro AG) لصناعة البلاستيك، فلن تضخ استثمارات للتوسع في أوروبا إذا استمرت الأزمة، وبدلاً من ذلك سوف ينصرف اهتمامها نحو آسيا، والتي أشار إليها الرئيس التنفيذي ماركوس ستيليمان بأن الشركة يمكنها تأمين الطاقة بأسعار أرخص بـ20 مرة، مقارنة بالسوق الفورية الألمانية والأوروبية. وحذّرت شركة "فولكس واجن"، وهي أكبر شركة لصناعة السيارات في أوروبا، يوم الخميس الماضي من أنها قد تعيد تحويل أماكن الإنتاج خارج ألمانيا وأوروبا الشرقية إذا لم تنخفض أسعار الطاقة.

من المقرر أن يسافر المستشار أولاف شولتس ترافقه مجموعة من كبار رجال الأعمال إلى الشرق الأوسط هذا الأسبوع، في مسعى منه لإبرام صفقات للغاز الطبيعي المُسال مع كلٍ من المملكة العربية السعودية وقطر من أجل تعويض النقص في الإمدادات الروسية.

بلا هوادة

لكن المسؤولين الألمان قالوا إن المفاوضات كانت شائكة، حيث مارست دول مورّدة للغاز، بما في ذلك قطر، مساومة بشأن أسعار الاتفاقات المحتملة ومُدّتها. وأثبتت المناقشات مع الموردين في أوروبا وأميركا الشمالية أنها معقّدة بالمثل، ما يبرز الصراع المُضني الذي يواجهه شولتس في تأمين الإمدادات بأسعار من شأنها أن تحافظ على القاعدة الاقتصادية لألمانيا قادرة على المنافسة.

تتوقع "كوفسترو" أن تصل فاتورة الوقود إلى 2.2 مليار يورو (2.2 مليار دولار) في عام 2022، أي ما يقرب من أربعة أضعاف تكلفتها في عام 2020، أي قبل عام من بدء روسيا خنق إمدادات الغاز إلى أوروبا.

وقالت متحدثة باسم الشركة: "عند مستوى السعر الحالي، فإن الصناعة الألمانية كثيفة الاستهلاك للطاقة لم تعد قادرة على المنافسة عالمياً. وبالنسبة إلى عدد من المواد الكيميائية، تعتبر الواردات من الولايات المتحدة أو الصين أرخص بالفعل من إنتاجها محلياً".

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

وكلما أمكن، فإن المصنعين، بما في ذلك "فولكس واجن" و"بي إم دبليو"، يتحولون من الغاز إلى النفط أو الفحم للحفاظ على تشغيل المرافق. لكن بعض الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة، مثل المعادن والورق والسيراميك، أصبحت غير مُربحة، مما دفع عدداً متزايداً من الشركات لإغلاق أو تحويل الإنتاج إلى الخارج، أو كما تفعل عملاق الكيماويات "بي إيه إس إف" (BASF SE)، استيراد المواد الأساسية مثل الأمونيا من الشركات المنافسة. من جانبها، زادت شركة "مرسيدس -بنز" بالفعل إنتاج قطع غيار السيارات الرئيسية لتخزينها في حالة اضطرارها إلى إغلاق المصانع الألمانية.

ضرر دائم

قال كريستيان سيفيرت، العضو المنتدب لشركة "في آي كيه" (VIK)، وهي مجموعة تمثل الشركات كثيفة الاستهلاك للطاقة: "هذه الأعباء تسبب ضرراً دائماً لصُلب اقتصادنا الصناعي. وإننا ننصح الساسة بسرعة اتخاذ إجراءات حاسمة حتى لا يتم التخلي تماماً عن ألمانيا وأوروبا كوجهة للأعمال على الصعيد الدولي".

تتخذ الحكومات في جميع أنحاء أوروبا، التي يمثل بها الإنتاج الصناعي ما يقرب من ربع الاقتصاد، إجراءات طارئة لدعم المرافق وتخفيف تأثير الأزمة. وأعلنت المملكة المتحدة هذا الأسبوع عن خطة تقدر تكلفتها بنحو 40 مليار جنيه إسترليني (44.8 مليار دولار) من شأنها أن تحدد أسعار الطاقة بالجملة التي تغذي عقود الغاز والطاقة للشركات لمدة ستة أشهر.

وتضررت ألمانيا بشدة، بسبب اعتمادها الكبير على الغاز الروسي، نتيجة نقص الطاقة أكثر من العديد من جيرانها. لكن بقية القارة مرغمة بشكل مماثل. ففي فرنسا، قالت شركة صناعة الزجاج "ديورالكس" (Duralex)، الواقعة بالقرب من أورليانز، إنها ستضع فرنها في وضع الاستعداد لمدة 5 أشهر على الرغم من أن سجل طلبيات الشركة ممتلئ، كما أن المبيعات تتزايد.

قال خوسيه لويس لاكونا، رئيس "ديورالكس"، التي تصدّر إلى 110 دول، وعُرض نموذجها "بيكاردي" (Picardie) بفيلم "سكايفول" (Skyfall) ضمن سلسلة أفلام "جيمس بوند إن: "الاستمرار في الإنتاج بالأسعار الحالية سيتسبب في اضطراب مالي".

أسعار جنونية

حثّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس الماضي، الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم على تأجيل توقيع عقود طاقة جديدة "بأسعار جنونية"، قائلاً إن الحكومات بصدد إعادة التفاوض بشأن تكاليف الغاز والكهرباء.

قد تكون المخاطر أكبر في ألمانيا، حيث يشكل الإنتاج الصناعي بها ما يقرب من 30% من الاقتصاد، ويعمل بهذا المجال حوالي 1.15 مليون شخص. وتوفر المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة في جميع أنحاء البلاد كل شيء بدءاً من مكونات علبة تروس السيارات إلى المواد الكيميائية لصناعة لأدوية والمواد البلاستيكية المستخدمة يومياً. وقالت شركة "كوفسترو"، التي تصنّع مواداً للإنشاءات وصناعة السيارات، إن الطلب بدأ في الانهيار.

قال "ستيليمان": "نفقد عملاءنا ببطء. ولدينا عدد متزايد من حالات الإعسار، وعدد متزايد آخر من الإغلاقات وعمليات الشراء المحدودة للغاية".

أعلنت ألمانيا هذا الأسبوع أنها ستؤمّم شركة "يونيبر" (Uniper SE)، وهي أكبر مستورد للغاز في البلاد، من خلال ضخ 8 مليارات يورو في رأس المال، وتستعد البلاد لفرض ضريبة على الغاز في الأول من أكتوبر المقبل، مما ينشر آلام ارتفاع أسعار الطاقة بالجملة على صعيد الأسر والشركات. من جانبها، ندّدت الشركات بهذه الخطة.

قال وولفغانغ غروس إنتروب، رئيس اتحاد المواد الكيميائية (VCI)، وهي منظمة تمثل الشركات أمثال "بي إيه إس إف" و"إيفونيك إندستريز" (Evonik Industries AG)، بصفتهم الموردين الرئيسيين لقطاع صناعة السيارات في ألمانيا: "لم تعد شركاتنا قادرة على تحمّل أي أعباء أخرى. فقد أصبح الوضع أكثر تشدّداً".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك