أعلنت ألمانيا والمملكة المتحدة عن خطط إنقاذ في مجال الطاقة، لتفادي حدوث انهيار اقتصادي، والحد من وطأة الأسعار المرتفعة، حيث أنفقت الحكومات في أوروبا 500 مليار يورو (496 مليار دولار) وفقاً لأحد التقديرات، لمساعدة المستهلكين والشركات.
قالت إدارة المستشار الألماني أولاف شولتس يوم الأربعاء إنها ستؤمم شركة "يونيبر" (Uniper)، أكبر مستورد للغاز في ألمانيا، بحيث تسيطر الحكومة على 99% تقريباً من مرافق الشركة التي تتخذ من دوسلدورف مقراً لها، بعد ضخ 8 مليارات يورو في الشركة وشراء حصة الأغلبية المملوكة من قبل شركة المرافق الفنلندية "فورتم أويج" (Fortum Oyj).
من جهة أخرى، كشفت المملكة المتحدة عن حزمة إنقاذ ضخمة لمساعدة الشركات على تحمّل فواتير الطاقة خلال فصل الشتاء. ووفقاً للخطة المقدرة بـ40 مليار جنيه إسترليني (45 مليار دولار)، ستضع حكومة رئيسة الوزراء البريطانية ليز ترَس سقفاً لأسعار الطاقة بالجملة في عقود شراء الغاز والكهرباء للشركات لمدة 6 أشهر.
ألمانيا تعتزم ضخ 8 مليارات دولار ضمن خطة تأميم "يونيبر"
إنفاق ضخم
تعتبر هذه الإجراءات من بين أبرز الخطوات التي تتبناها البلدان الأوروبية للتخفيف من حدة أزمة طاقة غير المسبوقة في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا. فقد قلّصت موسكو إمدادات الغاز الطبيعي للمنطقة، ما دفع أسعار الوقود إلى مستويات قياسية في الأشهر الأخيرة. وأُضطر ذلك الحكومات لحماية المستهلكين والقطاعات الاقتصادية من الأعباء المالية المتزايدة مع اقتراب فصل الشتاء.
تتزامن خطط الإنقاذ المُعلن عنها في برلين ولندن، مع ظهور تقديرات جديدة لمركز أبحاث "بروغيل"، تفيد بأن إجمالي إنفاق الدول الأوروبية على عملية تخفيف أزمة الطاقة للأسر والشركات، يقترب من 500 مليار يورو. وأشار المركز إلى أن الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، خصصت حتى الآن 314 مليار دولار، بخلاف الإنفاق الضخم الآخر، على غرار خطط التأميم.
الاتحاد الأوروبي يخطط لتدخل طارئ لوقف تصاعد أسعار الكهرباء
تأتي الأعباء المالية المتزايدة في ظل معدل تضخم مرتفع وتوقعات اقتصادية قاتمة. يجري وزراء الاتحاد الأوروبي مفاوضات بشأن خطة طوارئ، من شأنها تحويل الأرباح غير المتوقعة لشركات الطاقة، إلى الأسر والشركات الأكثر تضرراً. كذلك، تتضمن هذه الخطة التي من المتوقع التوصل إلى اتفاق بشأنها في 30 سبتمبر الجاري، وضع سقف لسعر الكهرباء، وهدف للحد من الطلب على الكهرباء مع خفض موسكو تدفقات الغاز إلى المنطقة.
إجراءات هيكيلة
قال سيمون تاغليابيترا، الباحث في مركز"بروغيل" الذي يتخذ من بروكسل مقراً له: "صُممت هذه الإجراءات في البداية كردٍّ مؤقت على ما كان يُفترض أنها مشكلة مؤقتة، لكنها تضخمت وباتت إجراءات هيكلية. ومن الواضح أنها غير مستدامة من منظور المالية العامة".
على الرغم من أن تقديرات "بروغيل" تشمل تدابير مثل معدلات ضريبة القيمة المضافة المخفضة على الكهرباء، وإعانات التدفئة، والتدابير الضرورية لتمكين بعض شركات الطاقة من الصمود، إلا أنها لا تعكس حجم الدعم المالي الكبير في كل أنحاء أوروبا، والإجراءات الأخرى، بما فيها تأميم شركة "يونيبر".
قال وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك الأربعاء خلال مؤتمر صحفي في برلين: "إن تصميم الحكومة ورغبتها في تبني قرارات بعيدة المدى، هما الضمان بأننا سنتمكن من تجاوز هذه الفترة بشكل جيد".
"يونيبر" وردود الفعل
هوت أسهم "يونيبر" بنحو 39%، حيث انخفضت قيمتها السوقية إلى حوالي مليار يورو. ويعتبر تأميم الشركة، الخطوة الأكبر التي تتخذها ألمانيا حتى الآن لحماية البلاد من انقطاع التيار الكهربائي وتقنين حصص الطاقة خلال فصل الشتاء وما بعده. كما بدأت الحكومة محادثات متقدمة للسيطرة على شركة "في إن جي" (VNG)، وتأميم شركة "سكيورينغ إنرجي فور يوروب" (Securing Energy for Europe)، وهي الوحدة الألمانية السابقة لشركة "غازبروم" الروسية.
"يونيبر" تطلب 4 مليارات يورو من بنك حكومي بعد تدهور السيولة
يثير إنقاذ شركة "يونيبر" أيضاً تساؤلات حول تطبيق ضريبة الغاز المقررة للحكومة الألمانية. صُمم هذا الإجراء المؤقت، والذي من المفترض أن يبدأ سريانه اعتباراً من الأول من أكتوبر المقبل، للسماح للموردين بتقاسم عبء الأسعار المرتفعة مع المستهلكين، لكنه أثار ردود فعل شعبية عنيفة.
تقدّمت أكثر من 10 شركات بطلبات للحصول على تعويضات يصل مجموعها إلى 34 مليار يورو تقريباً، حسب شركة "ترايدينغ هاب يوروب" (Trading Hub Europe) التي تراقب الضريبة، مع استنفاد "يونيبر" لغالبية المساعدات. وقال وزير الاقتصاد الألماني إنه يعتزم مراجعة الضريبة المثيرة للجدل، لاستبعاد الشركات التي لا تتأثر بارتفاع الأسعار.
تفاوت اقتصادي
ينذر تصاعد تكاليف أزمة الطاقة أيضاً بتفاقم التفاوت الاقتصادي بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، حسب تاغليابيترا، والذي قال: "ينطوى أيضاً هذا المستوى من التدخل على خطر حدوث انقسام في كل أنحاء أوروبا: فالحكومات التي لديها هامش مالي أكبر ستدير حتماً أزمة الطاقة بصورة أفضل، من خلال منافسة جيرانها على موارد الطاقة المحدودة خلال أشهر فصل الشتاء، ومن ثم، من المهم وضع سياسات يمكن أن تضمن الاستدامة المالية وتنسيقها – خصوصاً وسط دول الاتحاد الأوروبي".