أوضحت صفقة طيران عملاقة أبرمتها الصين يوم الجمعة، كيف يمكن للتوتر التجاري بين واشنطن وبكين أن يؤثر في الشركات الفردية، حيث تُركت شركة "بوينغ" في حالة تأهب، بينما جمعت منافستها "إيرباص" طلبات بقيمة لا تقل عن 37 مليار دولار.
طلبت أكبر ثلاث شركات طيران في الصين نحو 300 طائرة "إيرباص"- إحدى كبرى صفقات اليوم الواحد بالنسبة لصانع الطائرات الأوروبية- وهي أول عمليات استحواذ كبيرة منذ أن أدت القيود المفروضة للسيطرة على الوباء إلى عزل ثاني أكبر اقتصاد في العالم. إذ عادةً ما يتم إبرام مثل هذه الصفقات أثناء الزيارات الرسمية أو في الأحداث الصناعية الكبرى، بالتالي؛ فإنَّ التوقيت الحالي غير عادي، خاصة أنَّ معرض فارنبرة الدولي للطيران لن يبدأ قبل 18 يوليو.
طالع المزيد: صفقات صينية تدعم ضربة جديدة من "إيرباص" لـ"بوينغ"
الفروق الجيوسياسية
قال متحدث باسم "بوينغ": "من المخيّب للآمال أن تستمر الفروق الجيوسياسية في تقييد صادرات الطائرات الأميركية"، مضيفاً أنَّ المبيعات إلى الصين تدعم تاريخياً عشرات الآلاف من الوظائف الأميركية.
تعد الصين سوقاً رئيسيةً لطائرات "بوينغ 737" وطائرات "إيرباص إيه 320"، فهما من الركائز الأساسية للطيران التجاري الحديث. توترت العلاقات بين الصين والغرب بشكل متزايد في الأعوام الأخيرة، خاصة مع الولايات المتحدة، حيث اندلعت حرب تجارية، وفرض كل جانب منهما تعريفات جمركية واسعة النطاق. يُذكر أنَّ "بوينغ" أكبر مُصدر في الولايات المتحدة.
اقرأ أيضاً: مخاطر الحرب في أوكرانيا تُقلّص الطلبات الآجلة على طائرات "بوينغ"
رداً على تعليقات "بوينغ"؛ أوضحت افتتاحية في صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية المدعومة من الدولة أنَّ الطلب كان "صفقة تجارية عادية"، وأنَّ الطيران كان بنداً رئيسياً للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين وأوروبا. وقالت إنَّ الصفقة كانت مدعومة تقريباً من امتلاك شركة "إيرباص" لمصنع تجميع في الصين وضعف اليورو.
خسارة المنافسة
قالت "غلوبال تايمز"، إنَّه "من الطبيعي أن يشعر الجانب الأميركي بالأسى بعد خسارة المنافسة أمام (إيرباص)". وأضافت: "بالنظر إلى أداء الشركتين في السوق العالمية منذ عام 2019؛ كانت (إيرباص) تتفوق على (بوينغ) من حيث التنافس على طلبات طائرات الركاب وحصتها السوقية".
كتب محللو "بلومبرغ إنتليجنس"، بمن فيهم جورج فيرغسون، أنَّ الطلب المقدّم يوم الجمعة "يؤكد النزاع التجاري المستمر مع الولايات المتحدة والمتاعب المتعلقة بالطائرة (بوينغ 737 ماكس)، التي ما زالت تواجه حظر طيران في الدولة الآسيوية، حيث ستظل معدلات صنع (بوينغ) متراجعة من دون الصين".
عادةً ما تقدّم شركات نقل الطائرات طلبات لأعوام قادمة نظراً لقدرتها التصنيعية المحدودة، وتحصل على تخفيضات عند الحجز بكميات كبيرة، إلى جانب صفقات الخدمة والصيانة المجزية.
تواجه كل من "بوينغ" و "إيرباص" اضطرابات في الإنتاج، ويرجع ذلك جزئياً إلى حالات التأخير في عمليات التوريد.
طالع أيضاً: الصين تقترب من كسر احتكار "بوينغ" و"إيرباص" لصناعة الطائرات
142 طلباً
تمتلك الخطوط الجوية الصينية وشركة طيران "كاثي باسيفيك" في هونغ كونغ 142 طلباً لم يتم الانتهاء منها بعد مع "بوينغ"، بما فيها طائرات "737 ماكس" و"777 إكس" التي لم تدخل الخدمة، و"787 دريملاينر"، و6 من طائرات الشحن الجوي "777"، بحسب شركة صناعة الطائرات "بوينغ".
وفقاً للطلب الأخير؛ ستشتري شركة "تشاينا إيسترن" (China Eastern Airlines) 100 طائرة ضيقة البدن من طراز "أيه 320 نيو"، بينما ستحصل شركة "إير تشاينا" (Air China) وشركة "شنتشن إيرلاينز" (Shenzhen Airlines) على 96 طائرة. تعتزم شركة "تشاينا ساوثرن" (China Southern Airlines)، التي أزالت في مايو أكثر من 100 طائرة "بوينغ 737 ماكس" من خطط أسطولها قريبة المدى، أيضاً شراء 96 طائرة من طراز "أيه 320 نيو" وتأجير طائرات أخرى.
قالت شركة الطيران "تشاينا إيسترن" في بيان يوم الأحد، إنَّها في وضع أفضل للمساومة نظراً لعدم تعافي سوق الطيران تماماً، مضيفة أنَّها "حصلت على شروط مناسبة أكثر من ذي قبل من حيث الأسعار وبعض الشروط التجارية الأخرى". كذلك، قالت شركة "تشاينا ساوثرن" (China Southern)، إنَّ مجلس إدارتها يعتقد أنَّ امتيازات طلبها كانت "قابلة للمقارنة" مع الامتيازات السابقة.
اقرأ أيضاً: رئيس "إيرباص" التنفيذي يحذر من أثر "أوميكرون" على سوق الصين
الأسهم تتراجع
تراجعت أسهم شركات الطيران الصينية يوم الإثنين لتمتد بذلك انخفاضات يوم الجمعة على خلفية تقارير تفيد أنَّ الكثيرين أعلنوا عن ارتفاع قياسي في الرسوم الإضافية على الوقود. كانت أسهم شركة "إير تشاينا" المتداولة في هونغ كونغ الأسوأ أداءً بين شركات الطيران الحكومية "الثلاث الكبرى"، فقد تراجعت بنسبة 9.8%، بينما ارتفع سهم "إيرباص" بـ3% يوم الجمعة، وارتفع سهم "بوينغ" بـ2.3%.
كانت الصين أول دولة تحظر طائرات "بوينغ 737 ماكس" في مارس 2019 بعد تعرضها لثاني حادث مميت، وسرعان ما اتّبع المنظّمون الآخرون خطاها، لكن معظمهم سمح منذ ذلك للطائرة "ماكس" بالتحليق مرة أخرى، في حين لم تستأنف الطائرة خدماتها التجارية في الصين بعد.
قالت "غلوبال تايمز"، إنَّ "(بوينغ) اشتكت من الفروق الجيوسياسية التي تؤثر في أعمالها، لكنَّ الصين ليست المسؤولة. إذا كان هناك أي عامل سياسي في هذا، فلا يمكن إلا أن نقول، إنَّ إضفاء الولايات المتحدة لصبغة سياسية على القضايا الاقتصادية والتجارية أدى إلى نتائج عكسية".