انقضى عامان منذ مكّن العمل عن بُعد أناساً كُثُر من مغادرة المدن الكبرى، وغيّر توزع السكان في الولايات المتحدة، لكن رغم أن مراتع العطلات في الجبال أو تلك المشرفة على مسطحات مائية كانت أولى الوجهات، إلا أن هذا نموذج لن يستمر على الأرجح لأن تكاليف الإسكان ونقص العمالة تحد من عدد المهاجرين الأثرياء القادرين على الانتقال إلى أماكن مثل ولاية مونتانا أو بحيرة تاهو.
حتى تكون وجهات العمل عن بُعد مستدامة، يجب أن تستوعب المهاجرين ميسوري الحال وسكان الطبقة العاملة الموجودين بالفعل في تلك المجتمعات، وهذا يعزز فرص عديد من مدن تتمحور حول جامعات.
العمال يكسبون حرب العودة إلى المكتب لأنهم محقون
غالباً ما تكون البلديات الصغيرة أماكن مناسبة للعيش ولديها بالفعل اقتصادات محلية مستقرة تقودها أنشطة التعليم العالي. لكن في ذات الوقت، لم توفر كثير منها فرص عمل لخريجي الجامعات كتلك التي توفرها المدن الكبرى.
في جيل مضى، ربما كان هذا الوصف يناسب مدينة أوستن في تكساس قبل أن تصبح مركزاً مزدهراً للتقنية، أما اليوم فهو يليق بأماكن مثل أثينا بولاية جورجيا ونوكسفيل بولاية تينيسي وفايتفيل بولاية أركنساس، وهي مدن جامعات لطالما غادرها الطلاب بعد تخرجهم.
جودة المعيشة
أصبح الآن لدى قادة هذه المدن فرصة، إما للاحتفاظ بالخريجين، أو لجذبهم مرة أخرى بمجرد تطوير مهاراتهم مهنياً، وللتركيز على أمور مثل جودة الحياة وتكلفة المعيشة.
توفر كثير من مدن الجامعات مثل أوستن وبيركلي بولاية كاليفورنيا وبوسطن فرصاً للطلاب والخريجين، ومدن أخرى تُعد أماكن رائعة للعيش فيها، لكنها تفتقر لوجود عدد كافٍ من السكان لتجذب أرباب العمل الكبار لخلق وظائف لذوي الياقات البيضاء.
تقع أثينا على بعد ساعة فقط من أتلانتا، لكنها تختلف جغرافياً وثقافياً عن عاصمة جورجيا، فيما تعد نوكسفيل منطقة مركزية لنحو مليون شخص، لكن أكبر أرباب العمل فيها هم هيئة وادي تينيسي (Tennessee Valley Authority) وسلسلة مواقف الشاحنات "بايلوت فلاينج جي" (Pilot Flying J) لذا لا تناسب وظائفها الجميع.
"لاغارد" ترى استمرار العمل من المنزل جزئياً بعد الجائحة
بالمثل، تعد فايتفيل جزءاً من منطقة شمال غرب أركنساس المزدهرة، لكن لا تجذب الشركات الرئيسية الثلاث فيها وهي "ولمارت" و "جي بي هانت ترانسبورت سيرفيسز" (JB Hunt Transport Services) و "تايسون فودز" (Tyson Foods) جميع من يرغب بوظيفة.
رغم محدودية خيارات التوظيف لخريجي الجامعات، إلا أن المناطق المركزية الثلاثة نمت بأسرع من بقية الولايات ككل في العقود الثلاثة الماضية، ما يوضح نمو جامعاتها وهي جامعة جورجيا وجامعة تينيسي وجامعة أركنساس ومدى ملائمتها لمن يحصلون على وظائف فيها.
مساكن أرخص
فيما ترتفع أسعار المساكن في كل مكان، إلا أنها تظل زهيدة الثمن نسبياً في المناطق الثلاث، خاصة بالنسبة لخريجي الجامعات ممن يفوق دخلهم المتوسط الوطني. يُظهر البحث عبر الإنترنت وجود كثيراً من المنازل المتواضعة المعروضة للبيع بسعر أقل من 400 ألف دولار، مع وجود أراضي كثيرة غير مطورة في محيطها لبناء المساكن مستقبلاً.
إن الأمر المشجع في تحول "مدن جامعات من الدرجة الثانية" لوجهات عمل عن بُعد هو وجود فرصة كسب للجميع قبل أن تنشب خلافات حول تحمل التكاليف والتنمية، التي ستبرز حتماً حين يرى السكان المحليون المتشككون نمواً سريعاً.
كاتب العمل بحاجة لتغييرات جذرية لجذب الموظفين بعد الوباء
ستستفيد المدن بلا شك من تنويع اقتصاداتها بعيداً عن الاعتماد على الجامعات، حتى لو بدأ الأمر بعمل مزيد من الأشخاص عن بُعد. يُسهل نمو قاعدة المواهب المحلية على أرباب العمل التفكير بفتح مكاتب فرعية فيها، وبالتالي لن يضطر طلاب الجامعات للانتقال فوراً إلى أقرب مدينة كبيرة سعياً لوظيفة جيدة بعد التخرج.
سيسهم تدفق سكان جدد في ظهور مزيد من الفرص الاقتصادية للطبقة العاملة، فضلاً عن إمكانية بناء مساكن أكثر لضبط التكاليف دون الحاجة للتعامل مع نزعات تعديل استخدام الأراضي وتقسيم المناطق في المدن الأكثر تكلفة.
البنى التحتية
يمكن للقادة المحليين المضي قدماً بهذا الاتجاه عبر التفكير في طرق لتعزيز المجتمع الذي يربط العاملين عن بُعد باقتصادات التعليم العالي المحلية، مثل التواصل والأحداث الاجتماعية وأماكن التجمع التي تسهل العمل عن بُعد كمساحات العمل المشتركة المليئة بوسائل الراحة، والتخطيط لنمو الإسكان والبنية التحتية للحد من التحديات المتعلقة بالقدرة على تحمل التكاليف.
أسعار عقارات الضواحي أكثر جاذبية من المدن في أمريكا
بالنسبة للجامعات والمجتمعات الثلاث المذكورة مسبقاً، يمكن أن تسهم الهجرة من أجل العمل عن بُعد في تضخم النمو المسجل. أما بالنسبة لمدن الجامعات الأخرى في شمال شرق ووسط غرب الولايات المتحدة، فقد يكون هذا النوع من الهجرة طريقة لتعويض بعض التحديات التي ستواجهها هذا العقد، إذ يهدد تقلص أعداد خريجي المدارس الثانوية الالتحاق بالتعليم العالي في المنطقة. كما يمكن أن تسهم جاذبية مدن الجامعات في أوهايو وإلينوي للعاملين عن بُعد بجعلها شريان حياة اقتصادياً وضريبياً.
لن يتمكن سوى عدد قليل من العاملين عن بُعد، وهم المحظوظون، من قضاء أوقاتهم بالنظر إلى جبال سييرا نيفادا أو إلى المحيط. يعد التمتع بحياة مريحة وميسورة التكلفة في مدينة جامعة، كانت تفتقر سابقاً إلى خيارات توظيف رائعة، أمراً سهل المنال لكثير من الأشخاص، كما أنه أكثر استدامة للمجتمعات المحلية.