خسرت شركة "سي ليمتد" (Sea Ltd) أكثر من 16 مليار دولار من قيمتها، مسجلةً أكبر انخفاض يومي في تاريخها، بعد أن حظرت الهند فجأة لقبها الأكثر شعبية في مجال الألعاب الإلكترونية. ويتزايد قلق المستثمرين من أنَّ الحظر قد يكون مجرد بداية لمشاكل أخرى ستواجهها الشركة.
طُرحت شركة "سي"، التي يقع مقرها في سنغافورة، للاكتتاب في عام 2017، وسرعان ما أصبحت الشركة الأكثر قيمة في جنوب شرق آسيا، بناءً على قدرتها على توسيع عروض الألعاب، والتجارة الإلكترونية، والخدمات المالية خارج نطاق موطنها.
سَلّط قرار نيودلهي بحظر لعبة "فري فاير" المربحة للشركة، الضوء على تحديات "سي" الجيوسياسية، فضلاً عن تزايد المنافسة من شركة "لازادا" (Lazada) التابعة لمجموعة "علي بابا".
حظرت الهند المئات من التطبيقات الصينية على مدار العامين الماضيين، لكن قد فاجأ توسيع هذه السياسة لضم شركة "سي" الإدارة والمستثمرين. تأسست الشركة الناشئة على يد فورست لي، الذي ولد في الصين، ولكنَّه الآن مواطن سنغافوري. وتعد شركة "تينسنت هولدينغز"، عملاق وسائل التواصل الاجتماعي في الصين، أكبر مساهم في "سي".
يشعر المستثمرون بالقلق من أنَّ الهند قد تحظر أيضاً شركة "شوبي" (Shopee)، الركيزة الثانية لأعمال "سي"، إذ كان لديها 300 موظف، و20,000 بائع محلي حتى شهر ديسمبر. وفي يوم الإثنين، طمأن لي المساهمين في الاجتماع العام السنوي أنَّ الشركة تسيطر على الوضع. ولم يعلق على قرار الهند بحظر لعبة "فري فاير".
لم يكن هذا كافياً للأسواق، فقد هبط سهم "سي" في بورصة نيويورك بأكثر من 18% في الجلسة المسائية، إذ سارع المحللون إلى تحليل منطق الهند، وإعادة تقييم آفاق نمو "سي". لتفقد الأسهم ما يقرب من ثلثي قيمتها منذ أكتوبر.
بيانات المستخدمين
قالت الشركة في بيان رداً على استفسارات "بلومبرغ نيوز": "إنَّ (سي) شركة سنغافورية، ونهدف إلى المشاركة في رقمنة الاقتصاد الهندي". وأضاف البيان: "نحن ملتزمون بحماية خصوصية وأمن مستخدمينا في الهند والعالم، ونلتزم بالقوانين واللوائح الهندية، ولا ننقل أو نخزن أية بيانات لمستخدمينا الهنود في الصين".
كانت لعبة "فري فاير" هي أكثر ألعاب الهواتف المحمولة نمواً في الهند خلال الربع الثالث من عام 2021، بحسب شركة "آب أنيي" (App Annie) التي تتعقب القطاع. وخفّض رانجان شارما، المحلل في "جيه بي مورغان"، السعر المستهدف للسهم بنحو 40% إلى 250 دولاراً، مشيراً إلى التوتر الشديد حول امتياز ألعاب "سي".
ما زالت "سي" واحدة من أكبر قصص النجاح في جنوب شرق آسيا، فهي امبراطورية البيع بالتجزئة والترفيه عبر الإنترنت، وتحقق إيرادات سنوية قرابة 10 مليار دولار. و مايزال حوالي 32 من 33 محللاً يحتفظون بتصنيفات الشراء، أو زيادة وزن أسهمها. ويعد صندوق "آرك إنفستمنت مانجمنت"، التابع لسيدة الأعمال كاثي وود، من بين الداعمين العالميين المستقرين لـ"سي". واشترى الصندوق أكثر من 145 ألف سهم يوم الإثنين، وفقاً لبيانات "آرك" التي جمعتها بلومبرغ.
يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً هو ما إذا كان بإمكان "سي" الاستئناف على قرار الهند وعكسه، أو في حالة الفشل، ما إذا كان هذا الحظر سيمتد ليشمل أعمالها الأخرى في اقتصاد الإنترنت الأسرع نمواً في العالم.
في ظاهر الأمر، فإنَّ لدى نيودلهي القليل من المبررات لملاحقة الشركة، إذ إنَّ "سي" هي شركة سنغافورية بشكل رسمي، وتم تسجيلها هناك، ومعظم قوتها العاملة، بمن في ذلك لي ومساعديه، يعملون خارج المدينة. وأيّد التنفيذيون علانيةً برامج مساعدة التوظيف والتعليم في سنغافورة من بين أمور أخرى.
العلاقة مع الصين
لكنَّ روابط الشركة مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم ما تزال قوية. فقد أسس كل من لي وديفيد تشين شركة "سي" في عام 2009، كما أنَّ أغلبية المسؤولين التنفيذيين فيها إما ينحدرون من الصين، أو لديهم روابط قوية معها.
تخضع شركة "تينسنت"، الداعمة لـ"سي" منذ فترة طويلة لمراجعة تتعلق بالأمن القومي في الولايات المتحدة. كما كشفت شركة الإنترنت العملاقة الشهر الماضي، عن خطط لخفض حصتها في "سي" إلى 18.7% بدلاً من أكثر من 20% من خلال بيع أسهم تقدّر بـ 3 مليارات دولار، وستقلل الشركة حصتها في التصويت إلى أقل من العُشر.
اعتبر بعض المحللين هذه الخطوة بمثابة محاولة لتوضيح الأسئلة حول أصول "سي"، ومن هو صاحب القرار في الشركة. ولكن بصرف النظر عن أية محاولة لتهدئة تلك المخاوف؛ فإنَّ التراجع التدريجي لحصة "تينسنت" يمثل في حد ذاته ضربة كبيرة محتملة للشركة.
على الرغم من أنَّ "تينسنت" هي أكبر مساهم في "سي"؛ إلا أنَّها اعتمدت نهج عدم التدخل نفسه الذي تتبعه مع الشركات الأخرى التي استثمرت بها في الصين. لكنْ كان لدعمها دور فعال في صعود أسهم "سي" خاصة في السنوات الماضية، عندما تم تصنيفها بين أفضل الأسهم أداءً في العالم.
بالاستفادة من منصة التوزيع العالمية الهائلة، ونموذج الأعمال التابعين لـ"تينسنت"، نجحت لعبة "فري فاير" في الحصول على أكثر من مليار عملية تنزيل على متجر "غوغل بلاي"، مما يجعلها من بين أكثر الألعاب شهرة في العالم. كان لي صريحاً بشأن الاعتماد على خبرة "تينسنت"، لا سيما في الأيام الأولى لشركة "سي"، ومحاولته محاكاة ممارساتها التجارية.
من غير الواضح كيف سيؤثر بيع "تينسنت" لجزء من حصتها على تلك العلاقة. وأكد الجانبان أنَّهما سيواصلان العمل معاً. لكنَّ "تينسنت" نفسها شرعت الآن في التوسع الخارجي بعد أن أطلقت بكين حملة على قطاع الألعاب في الداخل، مما يعني أنَّها حتماً ستتنافس مع "سي" على بعض جماهير الألعاب نفسها، ليس في الهند فقط.