قالت صحيفة "فاينانشال تايمز"، إنَّ دولة الإمارات أبلغت عدداً من كبريات الشركات العائلية بأنَّها تخطط لإنهاء أشكال احتكارها للوكالات التجارية، ومبيعات البضائع المستوردة، في إطار سعي الدولة لتعميق الإصلاحات الاقتصادية بهدف استقطاب المزيد من الاستثمارات.
على مدار عقود، كان يتعين على الشركات متعددة الجنسيات تعيين شركاء محليين من أجل توزيع بضائعها داخل الدولة، وتقدّمت الحكومة الإماراتية بتشريع مقترح من شأنه أن ينهي التجديد التلقائي لاتفاقيات الوكالات التجارية الحالية، مما يمنح الشركات الأجنبية المرونة لتوزيع بضائعها، أو تغيير وكيلها المحلي عند انتهاء مدة العقد.
نقلت الصحيفة عن مسؤول إماراتي قوله: "لم يعد مُجدياً أن يتمتع عدد من الشركات العائلية بمثل هذه الصلاحيات، والأفضلية لجني ثروة سهلة، لا بد لنا أن نعمل على تحديث اقتصادنا".
من جانبها، أعلنت وزارة الاقتصاد الإماراتية في بيان صدر مساء اليوم الأحد أن مشروع قانون الوكالات التجارية الجديد مازال في مراحل دورته التشريعية حسب الآلية المتبعة بالدولة لإصدار واعتماد القوانين.
اقرأ المزيد: دبي تجري إصلاحات لسوق الأسهم للحاق بركب المنافسين في المنطقة
عقد اجتماعي
الإصلاح المقترح من شأنه أن يؤدي إلى فسخ العقد الاجتماعي طويل الأمد بين الحكومة والشركات العائلية المؤثرة، بما في ذلك أشهر العلامات التجارية مثل: "الفطيم"، و"الرستماني"، و"جمعة الماجد"، لتنهي عقوداً من الحماية للمصالح المحلية لصالح الشركات الأجنبية.
قال حبيب الملا، الرئيس التنفيذي لمكتب شركة "بيكر ماكنزي الشرق الأوسط" للمحاماة: "يعد هذا الأمر واحداً من المحظورات التي يصعب الاقتراب منها، نظراً لتأثيرها على الشركات المحلية المملوكة لعائلات، وهي واحدة من أكبر قطاعات الاقتصاد الإماراتي".
طالع أيضاً: للحاق بركب جيرانها.. دبي تشجع الشركات على الإدراج في البورصة
تشكّل الشركات المملوكة للعائلات، من شركات صغيرة إلى مجموعات كبيرة تم تأسيسها على مدى عقود من قبل مجموعات تجارية رائدة 90 % من القطاع الخاص في الإمارات، والذي يمثل بحدِّ ذاته حوالي ثلاثة أرباع العمالة.
تعد التغييرات جزءاً من مسعى الإمارات لاستقطاب المزيد من الاستثمار من خلال التعديلات القانونية والاجتماعية التنافسية، مثل برامج الإقامة طويلة الأجل، وتخفيف القيود على المساكنة، وتعاطي الكحوليات.
تسارعت وتيرة الإصلاح في أعقاب المنافسة الاقتصادية الناشئة مع المملكة العربية السعودية، في إطار خططها لتنويع اقتصادها بعيداً عن الهيدروكربونات، فقد فرضت المملكة رسوماً جمركية على الواردات من دول الخليج، وتسعى لجذب الشركات متعددة الجنسيات لنقل مقارها الإقليمية إلى الرياض.
اقرأ المزيد: الرياض تضع عينها على 7 آلاف شركة عالمية وسط اشتداد المنافسة مع دبي
أفادت مصادر لـ "فاينانشال تايمز" أنَّ مجموعة من كبريات الشركات العائلية في دبي لجأت إلى الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد نائب حاكم دبي، تعبيراً عن قلقهم حيال تسارع التغييرات المقترحة.
توفيق الأوضاع
تهيمن الشركات العائلية في دبي على قطاع التجزئة الذي يساهم بتعزيز قطاع السياحة المزدهر في الإمارة، والذي يشهد تعافياً مجدداً بعد جهودها الناجحة للتعامل مع جائحة كورونا، واستقطاب الزائرين والمقيمين الجدد للإمارة. وعند انتهاء مدة اتفاقيات الوكالة التجارية؛ من المتوقَّع أن يتلقى الوكلاء المحليون تعويضاً عن استثماراتهم في شبكات البنية التحتية للتجزئة والمبيعات.
أضاف الملا: "سيستفيد المستهلك إذا انتقل النموذج من الوكيل الحصري إلى أكثر من موزع. ومع ذلك؛ فقد ضخ الوكلاء المحليون استثمارات كبيرة في هذه الوكالات، وسيكون من وجهة النظر العادلة منحهم على الأقل بضع سنوات لإيجاد نموذج أفضل مع شركاء رئيسيين أجانب، أو للحصول على عائد على استثماراتهم".
في السنوات الأخيرة، سُمح لبعض الشركات الوافدة الجديدة، بما في ذلك "أبل"، و"تسلا" بفتح متاجر لها في الدولة دون وكلاء محليين. وتطلب الشركات متعددة الجنسيات الأخرى من شركائها المحليين تغيير اتفاقيات الوكالة إلى مشاريع مشتركة، مما يمنحهم مزيداً من التحكم في التسويق، وزيادة عائداتهم المحتملة. أضافت المصادر أنَّ الشركات العائلية، التي تدرك النهاية الحتمية لاتفاقيات الوكالات القديمة، توافق على مثل هذه المطالب.
قال أحد أصحاب الشركات العائلية: "هذا هو الشيء الصحيح الذي يجب إنجازه الآن، ولكن ربما ليست هذه هي الطريقة الصحيحة لتقديمه. علينا أن نتحرك مع الزمن، لكنَّ التغييرات تحتاج أيضاً إلى مزيد من المشاورات".
طالع أيضاً: مبيعات القطاع الخاص في دبي عند أعلى مستوى في 28 شهراً
وكلاء من الخليج
يقول ممثلو المجموعات العائلية، إنَّ الشركات متعددة الجنسيات، بدلاً من الاضطلاع بالعمليات في سوق الإمارات، التي يبلغ عدد سكانها 10 ملايين شخص، ربما تختار تعيين وكلائها في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، مثل المملكة العربية السعودية الأكثر كثافة سكانية. قال أحد رجال الأعمال: "تعتقد الحكومة أنَّ العلامات التجارية العالمية سوف تغرق السوق بشكل مفاجئ، ولكن في الواقع ستهيمن وكالات دول مجلس التعاون الخليجي".
مع ذلك؛ تعتقد الحكومة أنَّ فتح السوق المحلية سيؤدي إلى خفض الأسعار للمستهلكين.
تشكو الشركات العائلية أيضاً من أنَّ التغييرات المتسرعة تأتي في وقت تعوِّل فيه الحكومة على القطاع الخاص لتوظيف المزيد من المواطنين.
الإمارات قالت، إنَّه على مدى السنوات الخمس المقبلة يجب أن يشكّل المواطنون 10% من الموظفين في الشركات الخاصة، التي اعتمدت عادة على العمالة الرخيصة المستوردة.
قال أحد المسؤولين التنفيذيين في مجموعة عائلية: "تحتاج الحكومة إلى التفكير في علاقتها مع القطاع الخاص، خاصة أنَّها تسعى الآن إلى فرض المزيد من المطالب علينا".