تسعى عمليات حظر السفر وغيرها من الدفاعات المفاجئة التي جنَّدتها الدول في مواجهة فيروس "أوميكرون"، المتغير الجديد من سلالة كورونا، إلى كسب الوقت للعلماء للإجابة على الأسئلة الرئيسية التي قد تمنع موجة أخرى من الوفيات.
في هذا الصدد، تستعد المختبرات العلمية في أوروبا والولايات المتحدة وأفريقيا لإجراء الاختبارات، لمعرفة كيف من المحتمل أن يتصرف متغير " أوميكرون" الفيروسي الجديد مع الأشخاص الذين تم تطعيمهم أو أصيبوا سابقاً. وستكون الأبحاث الواقعية مهمة أيضاً، إذ تراقب السلطات الصحية تفشي المرض في جنوب أفريقيا عن كثب لمعرفة مدى قابلية انتقال المتغير الجديد أثناء انتشاره، وما إذا كان أكثر خطورة، أو كان يسبب الموت.
وصرّح العلماء وصنّاع السياسات، الجمعة، أنَّ الأسئلة ستستغرق عدة أسابيع للرد عليها، إذ يبدأ البحث لفهم النمط الدراماتيكي للمُتغير المُكوَّن من 50 طفرة، التي يوجد أكثر من 30 منها على "بروتين سبايك" الخاص بالفيروس، وهو السلاح الذي يستخدمه "كوفيد-19" لغزو خلايا الضحايا. وسيستمر البحث من خلال العمل المخبري، وأخيراً في ملاحظات المرض، وأنماط الانتقال في الحياة الواقعية.
اقرأ أيضاً: "أوميكرون" يهدد مسار التعافي الاقتصادي وأسواق السلع تستبق التأثيرات
و قالت ويندي باركلي، رئيسة قسم الأمراض المعدية في "إمبريال كوليدج لندن"، إنَّه من الواضح حتى الآن، هو أنَّ مجموعة من الطفرات قد اجتمعت معاً، التي من المحتمل أن تجعل "أوميكرون" ينتشر بسرعة أكبر.
وأضافت "باركلي" في إفادة صحفية: "إذا نظرنا إلى جميع الحقائق معاً؛ فمن المعقول بيولوجياً أن يتمتع هذا الفيروس بقابلية انتقال أكبر". كما أشارت إلى أنَّه يجب على الباحثين تطبيق المعرفة التي اكتسبوها خلال ما يزيد على عام من الدراسة المكثفة للفيروس. وتابعت: "هذا هو المكان الذي تبدأ منه، ثم تحاول دعم هذا النوع من النهج من خلال النظر في علم الأوبئة والدراسات المخبرية".
فيروس مراوغ
تحدد الوظيفة الأولى للفيروس في بقائه على قيد الحياة في الجسد المُضيف، إذ تتيح برمجته أن يغير أشكاله. و كان "سارس-كوف-2" (SARS-CoV-2) يتحور ويتغير منذ أن تم تحديده لأول مرة مع أول متغير مثير للقلق - ألفا – والذي جرى تحديده في ديسمبر 2020. أما "أوميكرون"، وهو فيروس من سلالة كورونا، المعروف سابقاً باسم "B.1.1.529"، فيعدُّ المتغير الخامس المثير للقلق، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
وكانت منظمة الصحة صرّحت، يوم الجمعة الماضي، أنَّ "أوميكرون" قد يتمتع بميزة نمو تُميّزه عن أقرانه، لأنَّه اكتُشف بمعدل أسرع من الموجات السابقة. وقالت المنظمة، إنَّه قد يشكل أيضاً خطراً أكبر للإصابة بالعدوى من الأنواع الأخرى المثيرة للقلق.
من جهته قال شارون بيكوك، أستاذ الصحة العامة وعلم الأحياء الدقيقة في جامعة كامبريدج الذي يرأس أيضاً اتحاد علم جينوم "كوفيد-19" في المملكة المتحدة، إنَّ هناك تلميحات حول أنَّ انتشار "أوميكرون" بجنوب أفريقيا يجعله أكثر قابلية للانتقال. مضيفاً: "عندما رأت وزارة الصحة أنَّ الأعداد تتضاعف كل يوم؛ كان السؤال الذي طرحوه هو، "حسناً، من أين تأتي هذه الحالات؟".
كما قال جيفري باريت، مدير مبادرة علم جينوم "كوفيد-19" في معهد "ويلكوم سانجر" في المملكة المتحدة، إنَّ هذه الأسئلة والمراقبة السريعة من قبل جنوب أفريقيا وجيرانها قد وضعت بقية العالم في وضع يسمح لها بكسب المزيد من الوقت عمّا كان ممكناً عندما ظهر متغير "دلتا" في الهند.
وأضاف "باريت": "لقد وجدوا هذا المتغير، وفهموا أنَّه مشكلة، وأخبروا العالم بسرعة كبيرة عن ذلك. في حين استغرق الأمر عدة أسابيع خلال موجة الهند الرهيبة للغاية قبل أن يتضح ما كان يحدث، وبحلول تلك النقطة؛ كان متغير "دلتا" قد زرع نفسه بالفعل في أجزاء كثيرة من العالم".
سباق المعرفة
قد يتضح تأثير المتغير الجديد على اللقاحات خلال فترة قريبة نسبياً. فقد قالت شركة "بيونتك" (BioNTech)، التي تعمل مع شركة "فايزر" (Pfizer) على لقاح "كوفيد" الأكثر مبيعاً في العالم، إنَّها بدأت دراسات معملية حول البديل، ويجب أن تكون لديها البيانات الأولى حول كيفية تفاعله مع اللقاح في غضون أسبوعين.
وقد وعدت كل من "بيونتك" و"فايزر" مراراً أنَّهما ستكونان قادرتين على طرح نسخة جديدة من لقاحهما في غضون 100 يوم إذا لزم الأمر.
وتدرس شركة "موديرنا" (Moderna) أيضاً مدى نجاح جرعة اللقاح الحالية المعززة في تحييد "أوميكرون"، ومن المحتمل أن تظهر البيانات في الأسابيع المقبلة. في حين قالت الشركة، إنَّها تعمل أيضاً على نسخة عالية الجرعات من اللقاح المعزز، ومعززات جديدة متعددة التكافؤ، ومعزز جديد خاص بـ"أوميكرون"، كما صرّحت "موديرنا" أنَّها قادرة عادة على اختبار لقاحات تجريبية جديدة في غضون 60 إلى 90 يوماً.
و قال العلماء، إنَّ الطفرات قد تساعد "أوميكرون" على التملص من علاجات الأجسام المضادة، مثل عقار "رونابريف" (Ronapreve) الذي طورته شركتا "روش هولدينغ" (Roche Holding)، و"ريجينيرون فارماسوتيكالز" (Regeneron Pharmaceuticals Inc).
علاوةً على ذلك، قال المتحدث باسم شركة "روش"، كارستن كلاين، إنَّ باحثي الشركة يدرسون المتغير الجديد، ومن السابق لأوانه تحديد كيفية تفاعله مع مزيج الأجسام المضادة.
من جانبها، قالت شركة "غلاكسو سميث كلاين" (GlaxoSmithKline)، التي تسوق أجساماً مضادة لـ"كوفيد" مع شركة "فير بيوتكنولوجي" (Vir Biotechnology)، إنَّها تعتقد أنَّ جسمها المضاد سيعمل على الأرجح ضد المتغير، لأنَّه يستهدف جزءاً من "بروتين سبايك" المشترك بين العديد من فيروسات كورونا المختلفة ذات الصلة البعيدة. وقالت في بيان لها، إنَّ الشركة تعمل بشكل عاجل لتأكيد ذلك في المختبر.
ترسانة مضادة للفيروسات
حتى إذا كان المتغير الجديد يقاوم اللقاحات والأجسام المضادة "وحيدة النسيلة"، فلن ينفد الأطباء من أسلحتهم، فقد قالت "باركلي"، إنَّ الأدوية المضادة للفيروسات مثل الحبوب التجريبية التي طورتها شركة "فايزر" ستظل تعمل على الأرجح.
يعود ذلك إلى الطريقة التي تعمل بها تلك الحبوب في الجسم. فبدلاً من استهداف "بروتين سبايك" للفيروس، كما تفعل اللقاحات والعلاجات الأخرى؛ فإنَّها تهاجم بطريقة مختلفة لمنع الفيروس من التكاثر. وهذا يجعل طفرات "بروتين سبايك" المتغير الجديد أقل عرضة لمقاومة الحبوب. كما أوضحت "باركلي" أنَّه: "لا توجد طفرات من شأنها أن تشير إلى تغيير في الحساسية".
يذكر أنَّه لم تتم الموافقة على استخدام مضادات الفيروسات حتى الآن، إذ تقدَّمت شركة "فايزر" في 16 نوفمبر للحصول على تصريح استخدام طارئ للدواء في الولايات المتحدة؛ كما بدأت مراجعة مماثلة في الاتحاد الأوروبي بعد ثلاثة أيام.
في حين واجهت حبوب ثانية من شركة "ميرك أند كو" (Merck & Co)، عقبة بعد أن أظهرت نتائج التجربة أنَّها كانت أقل فعالية مما كان يُعتقد. وأثار موظفو إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تساؤلات حول ما إذا كان يمكن أن تسبب الحبوب تشوهات خلقية، وتسمم العظام والغضاريف، والطفرات الجينية. وستجتمع لجنة من مستشاري إدارة الغذاء والدواء، الثلاثاء، لمراجعة الحبوب.