غادرت 5 سفن حاويات الصين في أواخر أغسطس حاملة 65 ألف نسخة من كتاب عن مسيرة صانع الأفلام الشهير، سبايك لي. كانت متجهة إلى ميناء مزدحم قرب لوس أنجلوس، تنتظر قبالته عشرات السفن بانتظار فرصة لتفريغ حمولاتها.
أمضى رئيس شركة "كرونيكل بووكس" (Chronicle Books)، تيريل ماهوني، وقتاً طويلاً وهو يتعقب مسار تلك السفن متوتراً، حيث إن الكتاب المصوّر يجب أن يطرح للبيع في 10 نوفمبر بسعر 50 دولاراً، وتأمل "كرونيكل" أن يكون من الهدايا الرائجة في الأعياد. قد يعطل تأجيل طرحه لأسبوع أو اثنين جهدها التسويقي ويضر مبيعاتها.
قال ماهوني: "هذا الأمر يسبب لنا توتراً كبيراً".
عمت الفوضى قطاع النشر بسبب تأخيرات واسعة النطاق ظهرت مع اقتراب موسم العطلات الحاسم. بات الناشرون يؤجلون الإصدارات، فيما يحث المؤلفون معجبيهم على طلب الكتب مسبقاً، ويخزن بائعوها أكبر عدد منها لاسترضاء العملاء المحبطين.
الورق والمخزون
يوجد تأخيرات على طول الطريق في كل مرحلة من مراحل سلاسل التوريد. أحد أسباب هذه التأخيرات هو تصارع قطاع الكتب مع أزمة نقص الورق، الذي يصعّب الحصول على ورق التواليت أيضاً. ربما تواجه الكتب المصورة، مثل كتب الأطفال أو كتب الطبخ أو كتب طاولة القهوة، التحدي الأكبر، كونها غالباً ما تطبع في الصين، لتواجه بعدها عقبات في موانئ لوس أنجلوس ولونغ بيتش.
بدأت شركة "بارنز آند نوبل" (Barnes & Noble) الاستعداد للتأخير في سلسلة التوريد مبكراً عبر شراء أكبر كمٍّ ممكن من الكتب. قالت جاكي دي ليو، كبيرة مسؤولي العمليات التجارية: "بالنسبة لموسم العطلات هذا العام، اعتمدنا على المشتريات الكبيرة... لقد اشترينا بأكبر قدر ممكن".
قال صاحب شركة "بولتيكس آند بروز" (Politics and Prose)، برادلي غراهام، إن التخزين أمر معقد بالنسبة للمكتبات المستقلة الأصغر حجماً، التي لا تمتلك مخازن في الغالب. أضاف غراهام قوله: "ليس عليك فقط إيجاد التمويل اللازم لشراء كميات أكبر، بل عليك أيضاً الحصول على مكان مناسب لتخزين الزيادة في الكتب الإضافية".
قسّمت "كرونيكل" طباعة كتاب "سبايك" الى 3 دفعات لتسريع العملية. وصلت الدفعة الأولى من الكتب بعد رحلة استغرقت 6 أسابيع، وستلحق بها دفعتان أخريان. بعدها ستُحمل الكتب على قطارات إلى شيكاغو ثم على شاحنات إلى إنديانابوليس، حيث تتجه من هناك للمخازن قبل أن تصل في نهاية المطاف إلى محلات بيع الكتب.
أجلت "كرونيكل" تاريخ إصدار كتباً أخرى بسبب تأخيرات سلاسل التوريد. يخشى ماهوني من نقل أخبار تأجيل التسليم السيئة إلى لي، حيث قال: "أنا بالتأكيد لا أريد أن اضطر للاتصال به لأقول أننا متأخرون أسبوعاً".
تسويق متأخر
قد يعني تأخير إصدار الكتاب إعادة جدولة أو حتى إلغاء جولات الكتّاب، ما يمنح المستهلكين وقتاً أقل لاستكشافه أثناء التسوق في العطلات. يمكن أن تصبح الكتب الأخرى ضحية لنجاحها. حيث لا يرجح وصول طبعة ثانية من الكتب التي نفدت طبعتها الأولى من الأسواق، وهو مؤشر على شعبيتها الكبيرة، قبل عيد الميلاد.
قال ماهوني، إن بعض الناشرين يدفعون أكثر من 4 أضعاف السعر المعتاد لحجز سفن الحاويات. يؤدي نقص النقل بالشاحنات إلى جانب الموانئ المزدحمة لإبطاء وصول الكتب التي تنتقل بين المخازن. قالت سيندي رايتون، رئيسة المبيعات في "بوكازين" (Bookazine)، وهي شركة بيع بالجملة للمسوقين والمكتبات العامة والمؤسسات التعليمية حول العالم، إن إصابات موظفي المخازن بفيروس كوفيد- 19 يزيد من التأخير. وأضافت قائلة: "نشجع الجميع على الشراء الفوري وعدم الانتظار ".
عودة الكتب
عانت قطاعات عديدة من مشاكل سلاسل التوريد، بدءاً من أشباه الموصلات وحتى الدراجات. لكن مشكلة صناعة الكتاب تفاقمت بسبب تطور مفاجئ، وهو قوة الطلب على المطبوعات. أُغلقت مطابع كتب أمريكية عديدة نتيجة نقص الطلب على مدى العقد الماضي، لذلك تعتمد الصناعة الآن بشكل كبير على مطابع خارج البلاد.
في الوقت نفسه، فإن مبيعات الكتب المطبوعة آخذة بالارتفاع، مدعومة برغبة القراء المتشوقين للتسلية إبان الوباء ومع ظهور "#بووك توك" (#BookTok)، وهي قناة شهيرة على تيك توك للتوصية باختيار الكتب. بلغت مبيعات الكتب المطبوعة في الولايات المتحدة أكثر من 500 مليون بين يناير وأغسطس بزيادة 50 مليوناً عن العام الماضي، حسب "إن دي بي بُوكس" (NPD Books) المتخصصة في تحليلات الصناعة.
أردفت رايتون قولها: "كان الجميع مقتنعاً أن الكتاب الورقي مات... لكن الكتاب الورقي يعيش أزهى عصوره منذ طباعة يوهانس غوتنبرغ للإنجيل".
"اشتر مبكراً"
ليس بإمكان الصناعة أن تفعل الكثير سوى حث المستهلكين على الطلب المسبق. تنشر جمعية بائعي الكتب الأمريكية رسائل مثل "أكتوبر هو ديسمبر الجديد" و "اشتر مبكراً تشتري محلياً".
تردد أصداء هذه الحملة بائعة الكتب المستقلة في نيو أورلينز كانديس هوبر، التي تملك متجر بيع الكتب "توبي آند كوويس” (Tubby & Coo’s)، بقولها: "إذا بِيع كتاب بكامل نسخه واستمر الطلب عليه، يستغرق طلبه حالياً من 6 إلى 8 أسابيع... فيما سبق كنا معتادين أن نحصل على نسخ إضافية في غضون يومين".
يبحث الناشرون على المدى الطويل عن طرق لتقليل اعتمادهم على سلاسل التوريد العالمية، كالطباعة بألوان أقل ليتمكنوا من استخدام مطابع الولايات المتحدة وكندا.
أما بالنسبة للمستهلكين الذين يشترون الكتب كهدايا في الأعياد، فيمكن أن يكون الحل ببساطة هو شراء كتاب مختلف.
قال أليكس سليتر، الوكيل الأدبي في شركة "ترايدنت ميديا غروب" (Trident Media Group): "إذا لم يكن الكتاب الذي تريده موجوداً، فتحدث إلى بائع كتب... سيكون البائع أفضل من أي خوارزمية إلكترونية تنصحك بكتاب آخر قد يعجبك".