تتزايد مصاعب بريطانيا الاقتصادية بما يطغى على نشوة انتهاء الإغلاقات التي فرضها وباء كورونا لتضع صانعي السياسة في مواجهة تحدي توازنات دقيقة لإدارتها.
تعاني الأسر لزيادات موجعة في الأسعار، حيث تصطدم أزمة الطاقة المتفاقمة مع نقص العمالة والسلع نتيجة الخروج من الاتحاد الأوروبي والوباء. يضغط هذا على ميزانيات الأسر فيما تقلص وزارة الخزانة مساعدات من عطلتهم الأزمة عن العمل.
أدت هذه الظواهر لتوقف التعافي تقريباً، وتعقيد حسابات محافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي بشأن موعد تقليص حزم التحفيز، وخلقت صعوبات أمام وزير الخزانة ريشي سوناك، الذي تولى مهامه في اقتصاد يتخلف عن بقية مجموعة السبع.
قالت يائيل سيلفين، كبيرة اقتصاديي "كيه بي إم جي - يو كيه": "نشهد ظهور المزيد من نقاط الضعف في فترة التعافي... لدينا مشكلات في سلاسل التوريد، ويمكن أن نشهد ارتفاعاً في البطالة على المدى القصير كذلك".
التضخم يتخطى الهدف
ارتفعت أسعار المستهلك 3.2% في أغسطس، وهي نسبة تتعدى هدف بنك إنجلترا البالغ 2%، ما سيُجبر بيلي على كتابة خطاب إلى سونيك ليوضح فيه التباين.
يتوقع البنك المركزي أن يصل التضخم إلى 4% بحلول نهاية العام، قبل تراجعه باتجاه الهدف. قال المستهلكون في استبيان حديث إنهم يتوقعون انحرافاً تصاعدياً في التضخم، وهو تصوّر يجب على بنك إنجلترا أن يتحقق منه لمنع ارتفاع الأسعار من التأثير على مطالب الأجور.
قال جورج باكلي، كبير الاقتصاديين لبريطانيا ومنطقة اليورو لدى "نومورا": "إنهم حقاً يحتاجون لمعرفة ما إذا كانت بعض المخاطر التصاعدية للتضخم متوسط الأجل نتيجة لما نراه حالياً، ستواجه عبر بعض المخاطر السلبية".
تباطؤ النمو
تعثر الانتعاش الاقتصادي البريطاني في يوليو ليسجل أضعف أداء منذ ذروة الإغلاق في بداية العام.
- منعت صعوبة توظيف العمال في الوظائف الشاغرة الشركات من التوسع بعد تخفيف قواعد الإغلاق وأجبرتها على زيادة الأجور
- أدت مشكلات سلسلة التوريد إلى إفراغ رفوف المتاجر وعرقلت الإنتاج عبر القطاعات الاقتصادية
- ارتفعت إصابات كوفيد-19 بما يكفي لدفع الحكومة للتحذير من احتمال تشديد القيود في الشتاء، ما وجه ضربة للميثاقية
تهدد هذه المشكلات أرجحية تحقيق الاقتصاد لنمو يقارب 3% في الربع الثالث كما يتوقع بنك إنجلترا، كما سيحد تباطؤ النمو من العوائد الضريبية للخزانة ويقلل سرعة استيعاب الشركات للعمال العاطلين عن العمل حتى الآن.
كتب ألان مونكس، الخبير الاقتصادي لدى "جيه بي مورغان تشيس آند كو" في مذكرة: "ستكون لجنة السياسة النقدية قادرة على الاستشهاد بترنح النمو الأخير كمبرر للاستمرار" بشراء الأصول.
تقليص الدعم الحكومي
توقف وزارة الخزانة الأسبوع المقبل برنامج الإجازة الذي دفع 80% من أجور الموظفين الذين أُغلقت أماكن عملهم أثناء الإغلاق الناجم عن الوباء. سيعرّض ذلك الأمر 1.6 مليون فرد يتلقون الإعانة لخطر الانضمام إلى صفوف العاطلين عن العمل.
في نفس الوقت، تنهي وزارة الخزانة الزيادة المؤقتة في مدفوعات الرعاية الائتمانية الشاملة، وهي عبارة عن 20 جنيهاً (27.30 دولاراً) أسبوعياً، أي ما يشكّل 20% من دخل 1.6 مليون شخص آخر، وفقاً لمعهد المالية العامة. سيرفع سوناك الضرائب إلى أعلى مستوى على الإطلاق، بدءاً من أبريل لتمويل الرعاية الصحية والاجتماعية.
تعمل كل تلك الإجراءات سوياً على تحويل القرار المالي من اتجاه تعزيز الاقتصاد ليصبح تهدئته فيما يعاني عمال قطاعات متعددة للعثور على وظائف.
يقول محلل بلومبرغ إيكونوميكس دان هانسون: "تحديد توقيت الزيادة الأولى سيعتمد على كيفية استجابة سوق العمل لانتهاء برنامج الإجازة هذا الشهر. إذا صدقت توقعات بنك إنجلترا وظل معدل البطالة بمفهومه الواسع ثابتاً، فمن المحتمل أن تثبت صحة توقعات السوق برفع الفائدة في النصف الأول من 2022. قد يأتي ذلك أبكر، ربما في فبراير إن فشلت مجموعة العمال المستفيدين من برنامج الإجازة في تخفيف عدم توافق الطلب والعرض واستمرار الضغط التصاعدي لنمو الأجور”.
ارتفاع تكلفة الطاقة
يتجه سوق الغاز الطبيعي الأوروبي إلى ذروة الطلب في فصل الشتاء بسبب نقص الإمدادات. أدى حريق الطريق الرئيسي لواردات الكهرباء من فرنسا إلى تضاعف سعر الجملة للكهرباء في الشهور الثلاثة الماضية، بالتالي لصعود أسعار التدفئة المنزلية واحتياجات صناعة الوقود.
تُحذّر مصانع الصلب والأسمدة الأكثر حساسية تجاه أسعار الطاقة من اضطرارها إلى تقليص الإنتاج، وتعمل المرافق على زيادة التكلفة التي يدفعها المستهلكون، ما سيؤدي لرفع التضخم بدءاً من أكتوبر، ومجدداً في ابريل عندما تقوم الجهة التنظيمية "أوفغيم" (Ofgem) بمراجعة الرسوم الجمركية.
كتب سانجاي راجا، الاقتصادي لدى "دويتشه بنك" في مذكرة: "إن زيادة ثالثة على التوالي في سقف أسعار (أوفغيم) قد يصعب على بنك انكلترا تقبّله.... من ناحية، تباطأ النمو بشكل ملحوظ. ومن ناحية أخرى، أصبح الحديث العام عن التضخم أكثر تشدداً".
مالية عامة مضطربة
يؤدي ارتفاع التضخم لتعقيد جهود سوناك نحو سد فجوة المالية العامة. كلفت فوائد الديون وزارة الخزانة ما يناهز 19 مليار جنيه استرليني (26 مليار دولار) في الشهور الثلاثة الأخيرة نتيجة ارتباط كثير من السندات الحكومية بمؤشر أسعار التجزئة.
من المتوقع أيضاً أن يرتفع متوسط مؤشر أسعار التجزئة لقياس التضخم بنسبة 4.3% في السنة المالية المنتهية في مارس، وفقاً لأحدث استطلاع لخبراء الاقتصاد أجرته بلومبرغ، وقد يضيف ذلك حوالي 8 مليارات جنيه للإنفاق الحكومي.
تخفيف قواعد الهجرة
نتيجة لذلك، انخفض عدد العمال وازداد الضغط على الأجور فيما طالبت مجموعات الأعمال من الحكومة تخفيف قواعد الهجرة لتتمكّن من توظيف عمال أساسيين في قطاعات مثل النقل بالشاحنات والصحة. يقول الوزراء أنه يتعين على الشركات الدفع أكثر لتدريب العاملين العاطلين عن العمل أو المشمولين ببرنامج الإجازة.