الاتفاق يحتاج لموافقة الاتحاد الأوروبي وهي عملية يُتوقع أن تكون طويلة وغير مؤكدة

بعد ربع قرن مفاوضات.. هل ينطلق اتفاق التجارة بين أوروبا وأميركا الجنوبية قريباً؟

من اليسار: رئيس الأرجنتين خافيير ميلي، ورئيس أوروغواي لويس لاكالي بو، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس البرازيل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، ورئيس باراغواي سانتياغو بينيا، خلال قمة قادة 'ميركوسور' في مونتيفيديو، أوروغواي، في 6 ديسمبر 2024 - بلومبرغ
من اليسار: رئيس الأرجنتين خافيير ميلي، ورئيس أوروغواي لويس لاكالي بو، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس البرازيل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، ورئيس باراغواي سانتياغو بينيا، خلال قمة قادة 'ميركوسور' في مونتيفيديو، أوروغواي، في 6 ديسمبر 2024 - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

أمضى الاتحاد الأوروبي ودول أميركا الجنوبية أكثر من 25 عاماً في محاولات للتوصل إلى اتفاق بشأن التجارة الحرة. واكتسبت هذه المفاوضات زخماً جديداً هذا العام، مع تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، أكبر شريكين تجاريين في العالم، ما دفع العديد من المناطق للبحث عن شراكات تجارية جديدة لتقليل التأثيرات السلبية المتوقعة.

في 6 ديسمبر، توصل الطرفان إلى اتفاق نهائي يهدف إلى إزالة العديد من الرسوم الجمركية والعوائق التجارية الأخرى، ما يمنح الشركات في أوروبا ودول كتلة ميركوسور التجارية في أميركا الجنوبية، والتي تضم الأرجنتين والبرازيل وباراغواي وأوروغواي، وصولاً أكبر إلى أكثر من 700 مليون مستهلك في المنطقتين.

لا يزال الاتفاق بحاجة إلى موافقة الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد الأوروبي، وهي عملية يُتوقع أن تمتد لفترة طويلة وغير مؤكدة. يأتي ذلك وسط معارضة شديدة من المزارعين في دول مثل فرنسا وبولندا الذين يخشون أن تؤدي الواردات الرخيصة القادمة من أميركا الجنوبية إلى الإضرار بسبل عيشهم.

ما الذي ساهم في تسريع المفاوضات بشأن الاتفاق التجاري؟

يمكن أن يساعد تعزيز العلاقات التجارية العالمية الاتحاد الأوروبي في تخفيف التأثيرات المحتملة على صادراته، خاصة إذا قرر دونالد ترمب رفع الرسوم الجمركية على السلع الأجنبية خلال ولايته الثانية كرئيس للولايات المتحدة. ومع تهديد الصين بالرد على سياساته الحمائية، قد يجد الاتحاد الأوروبي نفسه عرضة لتراجع أوسع في التجارة العالمية، حتى إذا لم يفرض أي حواجز تجارية جديدة.

بصرف النظر عن مسألة الرسوم الجمركية، أصبح التوصل إلى اتفاق تجاري مع تكتل ميركوسور أمراً مُلحاً بالنسبة للاتحاد الأوروبي، مع توسع طموح الصين في التجارة والاستثمار في أميركا الجنوبية، ما قد يهدد المصالح الاقتصادية الأوروبية في المنطقة.

في هذا السياق، قامت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بزيارة أوروغواي لإنهاء المفاوضات، قبل أن تبدأ في السعي للحصول على دعم من دول زراعية رئيسية مثل فرنسا وبولندا.

عارضت هذه الدول الاتفاق في السابق خشية أن تغمر أسواقها المحلية بواردات غذائية رخيصة تقلل من تنافسية المنتجات المصنعة محلياً. لكن قادة فرنسا مشغولون حالياً بالاضطرابات السياسية المستمرة منذ الانتخابات التشريعية غير الحاسمة في يوليو. أما الحكومة الألمانية، فقد دعمت مؤخراً اتفاقية التجارة مع ميركوسور كوسيلة للوصول إلى أسواق جديدة لبيع السيارات في ظل تعثر هذه الصناعة لديها.

بإبرام هذا الاتفاق، ربما تراهن فون دير لاين على أن فرنسا لن تحصل على دعم كافٍ من دول مثل إيطاليا لعرقلة الاتفاق. فإيقافه يتطلب معارضة ما لا يقل عن أربع دول تمثل 35% على الأقل من سكان الاتحاد الأوروبي.

ما تفاصيل اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي وميركوسور؟

سيحصل الاتحاد الأوروبي على إعفاء جمركي على واردات البرازيل من العديد من المواد الخام مثل النيكل والنحاس والألمنيوم والجرمانيوم والغاليوم، وهي مواد ضرورية لدعم تحول أوروبا إلى تقنيات صديقة للبيئة مثل السيارات الكهربائية، وفطام اقتصاداتها عن الوقود الأحفوري.

كذلك سيُرفع معظم الرسوم الجمركية على السلع المصنعة في النهاية، وإن كان هذا قد يستغرق عقوداً في حالة واردات السيارات الأوروبية إلى تكتل ميركوسور. وستكون هناك زيادات في حصص استيراد الاتحاد الأوروبي، مع تخفيض أو إلغاء الرسوم الجمركية على منتجات مثل اللحوم والدواجن والسكر وفول الصويا.

يهدف الاتفاق أيضاً إلى تعزيز الامتثال لقوانين العمل وضمان احترام الدول لتعهداتها المتعلقة بالمناخ. كما يتضمن "آلية لإعادة التوازن" لمساعدة دول ميركوسور في مواجهة أي تدابير من الاتحاد الأوروبي قد تؤثر سلباً على اتفاقية التجارة. مع ذلك، أعربت حكومات أميركا الجنوبية عن مخاوفها من أن تواجه شركاتها عقوبات بسبب سياسات الاتحاد الأوروبي الجديدة، بما في ذلك ضريبة حدود الكربون، وقانون مكافحة إزالة الغابات.

متى سيدخل الاتفاق حيز التنفيذ؟

قد يستغرق تنفيذ الاتفاق أعواماً، بناءً على التجارب السابقة. فعلى سبيل المثال، انتهت مفاوضات الاتفاق التجاري بين الاتحاد الأوروبي وكندا في أغسطس 2014، لكنه دخل حيز التنفيذ بشكل مؤقت فقط في عام 2017، ولا تزال بعض دول الاتحاد الأوروبي لم تصادق عليه حتى الآن.

يتطلب الاتفاق الجديد بين الاتحاد الأوروبي وميركوسور ترجمة نصه إلى جميع لغات الاتحاد الأوروبي، والخضوع لمراجعة قانونية، ثم تصديق الدول الأعضاء والبرلمان الأوروبي عليه. ومن المتوقع أن يتطلب جزء صغير من الاتفاق، غير المتعلق بالتجارة، موافقة البرلمانات الوطنية، إضافة إلى تصديق برلمانات دول أميركا الجنوبية.

اتفاقية الاتحاد الأوروبي وتكتل ميركوسور ستخلق سوقاً تضم 780 مليون مستهلك حال اتمامها
اتفاقية الاتحاد الأوروبي وتكتل ميركوسور ستخلق سوقاً تضم 780 مليون مستهلك حال اتمامها

لماذا يشعر المزارعون الأوروبيون بالقلق إزاء اتفاق التجارة؟

يخشى المزارعون الأوروبيون أن يؤدي ارتفاع تكلفة إنتاج الغذاء داخل الاتحاد الأوروبي، والذي يعود جزئياً إلى صغر حجم المزارع وارتفاع تكاليف الطاقة والمدخلات الأخرى، بجانب متطلبات البيئة والسلامة والصحة الأكثر صرامة، إلى وضعهم في موقف ضعيف للمنافسة من حيث الأسعار أمام الواردات القادمة من أميركا الجنوبية.

كما أن غياب أنظمة صارمة في دول أميركا الجنوبية لمراقبة سلاسل التوريد يفاقم مخاوفهم؛ حيث يشعرون بعدم وجود ضمانات بأن المنتجات الزراعية المصدرة إلى الاتحاد الأوروبي تلبي المعايير المطلوبة، مثل ضمان خلو لحوم الأبقار من هرمونات النمو.

شهدت فرنسا خلال الشهرين الماضيين احتجاجات واسعة من المزارعين ضد اتفاقية ميركوسور، معتبرين أنها تمثل خطراً على قدرتهم التنافسية. في نوفمبر الماضي، رفض البرلمان الفرنسي بأغلبية ساحقة الاتفاقية. وقالت وزيرة الزراعة السابقة آني جينيفارد إن مسودة الاتفاق لا توفر ضمانات للمنافسة العادلة بالنسبة للمزارعين الفرنسيين.

كيف يسعى الاتحاد الأوروبي لإقناع المشككين؟

يحاول الاتحاد الأوروبي تسليط الضوء على المزايا التي قد يتمتع بها بعض منتجي الأغذية والمشروبات هناك، حيث ستُخفض الرسوم الجمركية على صادرات النبيذ الأوروبي إلى دول ميركوسور من 27% إلى الصفر، وسيستفيد منتجو الجبن أيضاً من الاتفاقية.

كما ستسهم التدابير البيئية الجديدة التي أقرها الاتحاد الأوروبي، مثل قانون مكافحة إزالة الغابات، في تقليص بعض واردات السلع القادمة من أميركا الجنوبية مثل لحوم البقر والقهوة والكاكاو، إذ سيحتاج منتجو هذه المنطقة إلى وقت للامتثال للقواعد الأوروبية الجديدة.

أكدت المفوضية الأوروبية التزامها بعدم تعريض أي قطاع زراعي داخل الاتحاد للخطر نتيجة اتفاقية التجارة، وأعلنت عن خطط لإنشاء صندوق احتياطي بقيمة مليار يورو لتعويض المزارعين عن أي خسائر محتملة.

إضافة إلى ذلك، تعتزم أورسولا فون دير لاين تقديم قروض بقيمة 3 مليارات يورو من البنك الأوروبي للاستثمار خلال الأعوام الثلاثة المقبلة لدعم المزارع الصغيرة والمتوسطة. كما خففت المفوضية الأوروبية قواعد الدعم الحكومي للقطاع الزراعي، ما سمح للدول الأعضاء بزيادة سقف الإعانات المقدمة للمزارعين دون الحاجة إلى موافقة مسبقة من المفوضية إلى 50 ألف يورو على مدى ثلاثة أعوام، بدلاً من الحد السابق البالغ 25 ألف يورو.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك