يتفق المرشحان على ضرورة التعامل مع الصين ولكن معالجتهما قد تختلف جذرياً

الصين.. الملف الوحيد الذي يتفق عليه ترمب وهاريس

شاشة تعرض بثاً إخبارياً مباشراً للرئيس الصيني شي جين بينغ في المؤتمر الوطني لنواب الشعب الصيني في بكين، الصين، يوم الجمعة 5 مارس 2021 - المصدر: بلومبرغ
شاشة تعرض بثاً إخبارياً مباشراً للرئيس الصيني شي جين بينغ في المؤتمر الوطني لنواب الشعب الصيني في بكين، الصين، يوم الجمعة 5 مارس 2021 - المصدر: بلومبرغ
حسن يحيى
المصدر:

الشرق

ينتظر العالم بأسره نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية لمعرفة من سيكون رئيس أكبر اقتصاد في العالم. ولكن البلد الوحيد الذي ليس متحمساً لمعرفة هذه النتيجة هو الصين، ففي المحصلة لا يوجد إجماع على شيء في أميركا كالإجماع على الموقف من بكين. 

لم ينكر دونالد ترمب عزمه إعادة فرض موجة التعريفات الجمركية التي بدأها في ولايته الأولى، إذ أعلن أنه سيلجأ إلى فرض رسوم تتراوح بين 10% و60% على البضائع المستوردة من الصين. من جهتها، فإن منافسته كامالا هاريس قالت في تصريح صحفي العام الماضي، إن "سياستنا الأميركية غير مرتبطة بالانفصال (عن الصين)، بل بتقليل المخاطر، والفهم أيضاً".

ويرى خبراء تحدثت معهم "الشرق" أن الإطار العام للسياسة الأميركية تجاه الصين لن يتغير كثيراً، ولكن حدة وطريقة تنفيذ هذا الإطار هو ما سيختلف فعلياً. 

التعريفات الجمركية

رأى جيمس فانديرلو، رئيس "أو إيه سي غروب" (OEC Group) التي تتخذ في ميلووكي مقراً، وتعمل منذ 4 عقود في مجال تسهيل استيراد المنتجات، في تصريحات لـ"الشرق"، أن إدارة ترمب ستتمحور حول فكرة السياسات الحمائية، التي تحاول إعادة بنية التصنيع التحتية إلى الولايات المتحدة، متوقعاً رؤية المزيد من التعريفات الجمركية، ليس فقط على الصين، بل على دول أخرى أيضاً، وهو أمر أثاره أيضاً ترمب. 

من جهتها، رجحت المحامية ورئيسة شركة "سكاراب رايزينغ" المتخصصة بتقديم الاستشارات الاستراتيجية وتحليل المخاطر الجيوسياسية إيرينا تسوكرمان في تصريحات لـ"الشرق"، أن مواصلة ترمب الحرب التجارية مع الصين، ستؤدي إلى زيادة التكلفة بالنسبة للمستهلكين الأميركيين، وخصوصاً إذا ما فرضت بكين رسوماً انتقامية على البضائع الأميركية. 

ورغم هذا التوجه الذي لم ينكره ترمب بل جاهر به في عدة خطابات، فإن الرسوم الجمركية لن تحل مشكلة هيمنة الصين على الأسواق الأميركية، برأي تسوكرمان، وخاصة في المجالات الرئيسية مثل الطائرات المسيرة، أو إمدادات المعادن النادرة، أو حتى السلع المتنوعة منخفضة الجودة، نظراً لأن "الصين تغمر الأسواق الأميركية حرفياً بمثل هذه المنتجات، وأن المستهلك لديه بدائل أقل"، مشيرةً إلى أن الأسعار المرتفعة لن تؤدي بالضرورة إلى خيارات أكبر، خاصة إذا فرض ترمب تعريفات جمركية مماثلة على جميع السلع الأجنبية الأخرى. 

روبرت كاشاتريان، الرئيس التنفيذي لشركة "فريت رايت غلوبال لوجيستيكس" (Freight Right Global Logistics)، لم يذهب بعيداً عن هذه الفكرة في حديثه لـ"الشرق"، ولكنه رجح أن يقوم ترمب بتنفيذ تدابير صارمة لمنع نقل التكنولوجيا إلى الصين، كما سيلجأ إلى زيادة الرسوم الجمركية على واردات التكنولوجيا، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى "انفصال اقتصادي كبير" بين أكبر اقتصادين في العالم.

لم يتطرق كاشاتريان بشكل مباشر إلى آثار الرسوم الجمركية على الاقتصاد الأميركي، ولكنه لفت إلى أن بيانات مجلس الأعمال الأميركي الصيني تشير إلى أن الحرب التجارية التي أطلقها ترمب في ولايته الأولى أسفرت عن فقدان 245 ألف وظيفة أميركية. 

إدارة هاريس 

يعتقد فانديرلو بأن نهج إدارة هاريس لن يكون مختلفاً كثيراً عن نهج الإدارة الحالية في ما يخص تعاملها مع الصين، مستنداً إلى كونها نائبة الرئيس الحالية، وإلى وجود بعض الدعم من الحزبين بشأن الموقف من الصين.

وبينما لا يتوقع فانديرلو اختفاء هذه التعريفات في ظل إدارة هاريس، فمن المحتمل ألا يتم فرض الكثير من التعريفات الجمركية الإضافية على الصين.

أما تسوكرمان، فرجحت أن تواصل إدارة هاريس سياسة تقييد التقنيات الحرجة، وتشديد ضوابط التصدير والاستيراد على التقنيات المتعلقة بإنتاج أشباه الموصلات، بالإضافة إلى محاولة فك هيمنة بكين على المعادن النادرة عبر الدفع نحو التعدين المحلي وزيادة الوصول الأجنبي إلى هذه العناصر من خلال اتفاقيات التجارة وشراء المناجم والترتيبات العامة والخاصة مع الدول الأفريقية والهند.

ومع ذلك، فإن الحد من وصول الصين إلى التقنيات الحرجة يعني أيضاً "القضاء على الثغرات القائمة مثل التصدير عبر دول ثالثة، وليس من الواضح ما إذا كان فريق هاريس سيكون لديه الوسائل اللازمة للقيام بذلك"، وفق تسوكرمان التي أشارت أيضاً إلى أن واشنطن تحت قيادة هاريس ستواصل التركيز على تطوير التقنيات الرائدة، مثل تكنولوجيا الدفاع والفضاء التجارية، بهدف مواجهة الاضطرابات المحتملة مع الصين.

وخلصت إلى أنه، وبغض النظر عمن يربح الانتخابات، فلن يكون هناك تقارب كبير بين الصين والولايات المتحدة، بسبب الاختلاف السياسي الذي لا يمكن التوفيق بينه، والقلق الحزبي الأميركي المتزايد بشأن الأمن والنشاط الاقتصادي للصين.

التكنولوجيا وجه آخر للحرب التجارية

اشتدت المنافسة التكنولوجية بين الصين والولايات المتحدة بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية، ووفقاً لمعهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي، فإن الصين باتت تتصدر في 55 من أصل 64 مجالاً تكنولوجياً رئيسياً، ارتفاعاً من 3 مجالات فقط في 2007.

ديف ناغ (Dev Nag)، الرئيس التنفيذي لشركة "كويري بال" (QueryPal) المتخصصة باستخدام الذكاء الاصطناعي في عملية أتمتة تذاكر المساعدة، رأى أن ترمب وهاريس سيتشاركان السعي إلى استراتيجيات للحفاظ على التفوق التكنولوجي الأميركي. ولكنه نبه إلى وجود نتائج تترتب عن هذا السعي من شأنها أن تؤثر على طبيعة تركيب الاقتصاد ككل. 

اعتبر ناغ أن إدارة ترمب قد تضاعف استراتيجية "الفصل"، بهدف تقليل اعتماد الولايات المتحدة على التكنولوجيا الصينية وسلاسل التوريد. هذه الاستراتيجية قد تتضمن توسيع ضوابط التصدير، وفرض قيود على الاستثمار، والضغط على الحلفاء لاستبعاد الشركات الصينية من البنية التحتية الحيوية، كما قد يسعى ترمب إلى توسيع لائحة الكيانات المراقبة التي تضم بالفعل أكثر من 260 شركة صينية.

أما هاريس، فعلى الرغم من أنها أعربت عن قلقها بشأن الأمن القومي، إلا أنها قد تلجأ إلى اتباع نهج أكثر دقة مع الصين، مع التركيز المحتمل على قطاعات محددة عالية المخاطر، والحفاظ على التعاون العلمي في مجالات مثل أبحاث تغير المناخ وفق ناغ الذي اعتبر أنها قد تتراجع عن بعض التعريفات مع الحفاظ على تعريفات أخرى، وسط تركيز على بناء المرونة في سلاسل التوريد الحيوية بدلاً من الانفصال الكامل. 

تأثيرات على سلاسل التوريد

يرى ناغ أن النهجين سيؤثران بشكل كبير على سلاسل التوريد العالمية، مما قد يؤدي إلى تسريع اتجاه "دعم الأصدقاء"، أي نقل الإنتاج إلى دول حليفة، ما قد يؤدي إلى زيادة الاستثمار في دول مثل فيتنام والهند والمكسيك، والتي شهدت بالفعل نمواً في التصنيع، فعلى سبيل المثال، تضاعفت صادرات فيتنام من الإلكترونيات ثلاث مرات تقريباً بين عامي 2016 و2022.

يتفق فانديرلو بأن الانتخابات الأميركية ستؤثر على سلاسل الإمداد، معتبراً أيضاً أن الفترة المقبلة ستشهد زيادة في التصنيع في جنوب شرق آسيا والمكسيك، مشيراً إلى أن فوز ترمب وتنفيذه تعهداته، سيعني "تعجيل انفصال قطاعات معينة" عن الصين.

ولكنه لفت في هذا السياق، إلى أن التصنيع في الصين سيظل فعالاً، مع تركيز سياستها على الداخل مثل الإسكان والعقارات التجارية والمخاوف الديموغرافية. 

وأضاف أن إحدى أعظم نقاط قوة الصين تتمثل في قدرتها على الانتقال إلى دول أو قارات أخرى من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر، وإضافة قدرات التصنيع في أماكن في جميع أنحاء آسيا وأميركا الجنوبية والمكسيك وأفريقيا والشرق الأوسط، معتبراً أن الصينيين أثبتوا أنهم "شركاء مفيدون نسبياً في هذه البلدان"، وأن الصين قادرة على "نشر استثماراتها بفعالية في أي مكان وكل مكان تريده"، مضيفاً: "لذا فإن توسع الصين في هذه الأسواق الناشئة، يجب أن يكون أكثر أهمية من مجرد التقدم التكنولوجي للصين".

نبّه فانديرلو إلى أن الصين بدأت بالفعل في نشر البنية التحتية الأساسية في دول أخرى استعداداً للتعريفات المرتقبة، معتبراً أنه سيكون من الصعب قياس الرابح والخاسر من هذه المعادلة، و"لكنها ستؤثر حكماً في سلاسل التوريد في السنوات المقبلة".

تسوكرمان لفتت من جهتها، إلى أن التعريفات الجمركية قد تؤدي إلى حرب تجارية مع الصين، والتي قد يكون لها تداعيات على البلدان الأصغر، وعلى سلاسل التوريد التي قد تتأثر بارتفاع الأسعار. 

وعلاوة على ذلك، قد تهاجم الصين من خلال فرض المزيد من القيود على المواد الخام، وبالتالي تقويض صناعات بأكملها، مثل صناعة الدفاع، الانتقال الأخضر، البناء، وغيرها، سواء في الولايات المتحدة أو في بلدان أخرى، وفقاً لتسوكرمان.

الصين أم الهند؟

رغم أن التنين الصيني لا يزال متزعماً قارة آسيا، إلا أن هناك عملاقاً آخر في طور النشوء من شأنه أن يمثل تحدياً لبكين، خصوصاً إذا ما حظي بدعم أميركي واضح. 

ترى تسوكرمان أن الصين لا تزال المستثمر الأول في الاقتصادات الآسيوية المحلية، مع اعتماد بعض الاقتصادات بشكل أساسي على بكين، أو اضطرارها إلى الاختيار بين الصين والولايات المتحدة.

وأضافت أن زيادة الاعتماد على الهند التي قد يُنظر إليها بمرور الوقت على أنها منافسة للصين في الاستثمارات الاقتصادية، قد يغير المعادلة، ويؤدي إلى المزيد من الخيارات، ويضع ضغوطاً اقتصادية على الصين التي ستضطر إلى إنفاق المزيد من الموارد الاقتصادية لتحقيق نفس التأثير، وقد يؤدي إلى سباق اقتصادي جديد في آسيا. 

ونبّهت إلى أنه في الوقت الحالي، لا تزال الصين في وضع أفضل بكثير للهيمنة على الأسواق المحلية بسبب عقود من الخبرة، والسهولة التنظيمية، لكن المساعدة الأميركية قد تسمح للهند بتجاوز هذه القضايا وفتح الأبواب أمام زيادة النفوذ الأميركي في آسيا، وتحويل ميزان القوى والتأثير السياسي والتجاري والثقافي المحلي نحو الغرب، أو على الأقل بعيداً عن الصين. 

ورجحت أن تُبقي هاريس الأمور كما هي حالياً، وتتقرب من دول آسيا الوسطى، مع تعزيز العلاقات مع دول مثل اليابان والهند، في حين أن ترمب سيركز على اللاعبين الآسيويين الأكثر ازدهاراً واستقلالية، وسيتطلع إلى زيادة الوجود الأميركي في دول مثل إندونيسيا، وذلك من خلال التجارة والاستثمارات. 

تصادم بين أميركا والهند

ولكن تسوكرمان لم تنف إمكانية حدوث تصادم بين الهند والولايات المتحدة بغض النظر عن هوية الرئيس، ففي حالة ترمب قد تشكل التعريفات الجمركية والهجرة وتأشيرات العمل بعضاً من الملفات الشائكة بين البلدين، في حين قد تصطدم هاريس مع الهند في ملفات عدة منها العلاقات الهندية الروسية سواء من خلال شراء الطاقة أو الأسلحة.

من جهته، رأى فانديرلو أن الهند ستظل شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة وبقية العالم، بغض النظر عمن سيفوز في هذه الانتخابات. وأضاف أن الشراكة ستكون أضعف قليلاً خلال فترة ترمب بسبب أجندته المتمثلة في "أميركا أولاً"، ولكن الهند "كانت من أكبر المستفيدين من اتجاه فك الارتباط بالصين". وتوقع أن يكون هناك المزيد من التعاون الاقتصادي مع الغرب بسبب موقعها الاستراتيجي، بالإضافة إلى قدرتها على الحصول على الموارد الطبيعية من جيرانها، مثل أستراليا، وذلك في حال استطاعت حل أزماتها الداخلية.

ويضيف أنه من نواح كثيرة، تواجه الصين والهند مشكلات متعاكسة. إذ تتمتع الصين بدرجة عالية من الاستثمار الرأسمالي ويمكنها نشره، ولكن لديها مشكلات متأصلة من وجهة نظر ديموغرافية. من ناحية أخرى، لا تعاني الهند من نفس المشكلة الديموغرافية، ولكن هناك نقص في الاستثمار الرأسمالي، وفي البنية الأساسية والممرات المائية الداخلية، مما قد يعيق المنطقة إلى حد كبير من الوصول إلى إمكاناتها الكاملة.

وبينما أصبحت الهند أكبر دولة من حيث عدد السكان، هناك العديد من المخاوف بشأن البنية التحتية والتهديدات الجيوسياسية، مثل المشكلات الأخيرة بين كندا والهند والتي قد تتسارع وتؤدي إلى انخفاض الاستقرار، فضلاً عن منطقة كشمير والحدود مع باكستان. 

أما كاشتاريان، فأشار إلى أن إدارة ترمب قد تؤكد على دور الهند كقوة موازنة للصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مما قد يؤدي إلى زيادة المساعدات العسكرية. ومن المتوقع أيضاً أن تدعم هاريس موقف الهند، ولكنها قد تركز بشكل أكبر على الحلول الدبلوماسية والمشاركة متعددة الأطراف.

ولفت إلى وجود بعض الاختلاف في تعاطي الإدارة المقبلة مع الهند، ففي عهد ترامب، قد يكون هناك تركيز أقل على معالجة احتياجات الهند من الطاقة بسبب تركيز إدارته على إنتاج الطاقة المحلية، في المقابل، قد تدافع هاريس عن شراكات الطاقة المستدامة، مع معالجة الطلب المتزايد على الطاقة في الهند على خلفية علاقاتها مع روسيا.

تصنيفات

قصص قد تهمك