تواجه روسيا تحديات كبيرة في تأمين عدد كافٍ من السفن المصممة للإبحار في المياه الجليدية لدعم مشروعها العملاق "الممر البحري الشمالي"، نظراً لافتقارها القدرة على بناء الأسطول اللازم بمفردها، وفقاً لتصريحات نائب رئيس الوزراء الروسي يوري تروتنيف.
وأوضح تروتنيف، الذي يمثل أيضاً الكرملين في منطقة الشرق الأقصى الروسي، خلال اجتماع حكومي عُقد هذا الأسبوع لمناقشة تطوير القطب الشمالي، أن أحواض بناء السفن الروسية يمكنها بناء 16 سفينة شحن قطبية إضافية فقط بحلول عام 2030، فيما تحتاج البلاد إلى ما لا يقل عن 70 سفينة.
تروتنيف أشار إلى أن ارتفاع تكاليف الاقتراض للمشاريع المحلية لبناء كاسحات الجليد يؤدي إلى ارتفاع الرسوم التي تفرضها روسيا على مرافقة السفن عبر الممر، مما يقلل من قدرتها على المنافسة في السوق العالمية.
وأضاف أن هذه التحديات تعرقل طموحات روسيا في القطب الشمالي، وذلك في وقت "تزداد فيه رغبة العديد من الدول في الاستفادة من النقل السلس عبر هذا الممر".
تحديات وعقوبات تعيق الطموحات
الممر البحري الشمالي يمتد على مسافة 5,600 كيلومتر بمحاذاة الساحل الروسي بين النرويج وألاسكا، ويوفر مساراً أقصر للشحن إلى آسيا من قناة السويس. ومع سهولة الإبحار عبر المياه الجليدية بسبب التغيرات المناخية، تواصل روسيا تنفيذ خطتها لتعزيز حجم البضائع المنقولة عبر الممر إلى 220 مليون طن سنوياً بحلول عام 2035، وذلك بفضل مشاريع النفط والغاز الجديدة.
ومع ذلك، فإن العقوبات الغربية التي فُرضت عقب الحرب الروسية الأوكرانية أخرت عملية تطوير المشاريع الجديدة في القطب الشمالي وقيدت وصول البلاد إلى أحواض بناء السفن الأجنبية، مما يحد من قدرتها على التصدير عبر البحر، خاصة خلال الشتاء حين لا تتمكن السفن التقليدية من عبور الممر الجليدي.
نتيجة لذلك، تتوقع روسيا الآن أن يصل إجمالي الشحنات عبر الممر البحري الشمالي في العام الحالي إلى حوالي 40 مليون طن فقط، أي نصف الهدف الأصلي.
السفن تعزز نمو الشحنات
من جانبه، قال فيكتور كوريلوف، كبير محللي أسواق النفط لدى شركة الاستشارات "ريستاد إنرجي"، إن "نمو الشحنات يعتمد على توافر كاسحات الجليد وتقدم المشاريع في القطب الشمالي".
تشير تقديرات شركة الاستشارات "ياكوف آند بارتنرز" (Yakov and Partners) ومقرها موسكو إلى أن روسيا تمتلك نحو 100 سفينة قادرة على نقل الشحنات عبر الممر البحري الشمالي. ومع ذلك، فإن 27 فقط من هذه السفن، بما فيها 15 ناقلة للغاز الطبيعي المسال و7 ناقلات نفط و5 سفن حاويات، تأتي من فئة "آرك 6" (Arc6) أو "آرك 7" (Arc7)، التي تسمح بالإبحار على مدار العام عبر جليد الشتاء السميك، بحسب فالديس بليافينش، الخبير في مركز التحليل التابع لشركة "ياكوف آند بارتنرز".
مشاريع رئيسية تصطدم بعقبات
كانت الخطة الأصلية لتطوير القطب الشمالي تعتمد على مشروعين رئيسيين، وهما "فوستوك أويل" (Vostok Oil) التابع لشركة "روسنفت" (Rosneft) ومنشأة "أركتيك إل إن جي 2" (Arctic LNG 2) التي تقودها شركة "نوفاتيك" (Novatek). وكان من المفترض أن يساهما في تعزيز الشحنات عبر الممر حتى عام 2035.
إلا أن العقوبات حالت دون تسليم "أركتيك إل إن جي 2" كاسحات الجليد التي ُطلبت من كوريا الجنوبية. وأطلق حوض بناء السفن الروسي "زفيزدا" (Zvezda) ثلاث ناقلات غاز طبيعي مسال على الأقل من أصل 15 ناقلة تابعة للمشروع، لكن واحدة فقط منها جاهزة للاختبارات البحرية. وكان من المفترض أن يوفر "زفيزدا" الناقلة الأولى لمنشأة "أركتيك إل إن جي 2" في مارس الماضي.
أما بالنسبة لمشروع "فوستوك أويل" التابع لـ"روسنفت"، فكان من المتوقع أن يضيف شحنات جديدة حجمها 30 مليون طن إلى الممر البحري الشمالي هذا العام، لكن إنتاج النفط في المشروع لا يزال في مرحلة الاختبار.
وقال ميخائيل غريفورييف، مدير شركة الاستشارات "جيكون" (Gecon) وخبير مدعو لدى لجنة مجلس الدولة الروسي المعني بتطوير القطب الشمالي، إن "شبكة الشحن البري لمشروع (فوستوك أويل) لم تُستكمل بعد، كما أن بناء الأسطول لم يبدأ بعد".
لم ترد كل من "روسنفت" و"زفيزدا" و"نوفاتيك" و"أركتيك إل إن جي 2" على طلبات "بلومبرغ" للتعليق على تقدم مشاريعها وخططها لتوسيع أسطول كاسحات الجليد.