الجيل القادم من سفن الحاويات قد يجعل "ايفر غيفن" تبدو كالقزم

مستقبلاً سفن الشحن البحري ستصبح أكبر حجماً عن كل ما نعرفه حالياً. - المصدر: بلومبرغ
مستقبلاً سفن الشحن البحري ستصبح أكبر حجماً عن كل ما نعرفه حالياً. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

إذا كنت تعتقد أنَّ السبب الرئيسي وراء الإغلاق الأخير لقناة السويس هو أنَّ سفن الحاويات أصبحت كبيرة جداً، فاستعد للمستقبل. فمن المتوقَّع أن تبدو سفينة "ايفر غيفن"، وكأنَّها لعبة أطفال في حوض الاستحمام بالمقارنة مع الأجيال القليلة القادمة من سفن الشحن.

كانت "ايفر غيفن" تعدُّ واحدة من أكبر سفن الشحن في العالم، عندما تمَّ تدشينها في عام 2018؛ فهي كبيرة بما يكفي لحمل 20 ألف و124 وحدة مكافئة لعشرين قدماً (TEU). وهي وحدة لقياس كمية البضائع في حاويات الشحن.

كانت أول سفينة تكسر حاجز الـ20 ألف حاوية، وقد وجدت في البحر قبل إطلاق "ايفر غيفن" بأقل من عام فقط. وجادلت إحدى الدراسات الشهيرة التي أجريت في عام 1999 باستحالة بناء سفينة تزيد حمولتها عن 18 ألف حاوية، خاصة أنَّ هذه الدراسة كُتبت في وقت كانت أكبر السفن تحمل ما يقل عن 8 آلاف حاوية.

وأصبحت سفينة "إيفر غيفن"، التي عادت لتطفو مرة أخرى، تحتل الآن بوضوح الدرجة الثانية من سفن الشحن الضخمة. فهناك ما يقرب من 100 سفينة تزداد حمولتها عن 20 ألف حاوية مكافئة في البحار أو في طور الإنشاء. كما أنَّ السفن الأكبر التي يجري تجميعها في أحواض بناء السفن الصينية والكورية الجنوبية تبلغ سعتها في الغالب حوالي 24 ألف حاوية مكافئة.

وفي الوقت نفسه، تأتي ربع السعة التي تنقلها شركة "ميرسك"، وهي أكبر مشغِّل خط حاويات في العالم، على متن سفن تزيد سعتها عن 17500 حاوية.

"><figcaption style="font-style: normal; text-align: right; direction: rtl;

هل تمثل القنوات المائية الضحلة عائقاً؟

ولا يُحتمل أن تكون أزمة "افر غيفن" نهاية هذه المشاكل، فقد سجَّلت شركة "هودونغ-تشونغهوا" الصينية لبناء السفن (Hudong-Zhonghua) بالفعل تصاميم لسفينة بسعة 25 ألف حاوية مكافئة، وأصبح من الشائع نسبياً التكهن بإبحار سفينة ضخمة تحمل 30 ألف حاوية مكافئة في المحيطات قبل نهاية هذا العقد.

ربما تسبِّب مثل هذه الهياكل الضخمة مشاكل كبيرة بشكل لا يمكن مقارنته بحادث "إيفر غيفن". ففي روتردام، ينبغي لأكبر السفن أن تصل عند ذروة المدِّ لإعطائها التصريح اللازم لعبور القناة، وفقاً لدراسة أجراها نام كيو بارك، من "جامعة تونغميونغ" (Tongmyong) في كوريا الجنوبية في عام 2019. وكتب بارك أنَّ السفن الكبيرة لن تتمكَّن قريباً من الرسو في شنغهاي، وبوسان، وهونغ كونغ حتى عند ارتفاع المد، وذلك إن لم يتم زيادة عمق القنوات بشكل أكثر.

وهناك مشاكل مماثلة مع البنية التحتية على اليابسة. وتعدُّ الموانئ الحديثة ذات كفاءة مذهلة في التفريغ، إذ يمكن إدارة وتفريغ سفينة محمَّلة بالكامل سعتها 20 ألف حاوية مكافئة في غضون يومين. لكنَّ الوقت الذي يمكن أن تقضيه السفن من أجل الرسو على رصيف الميناء يمكن أن يؤثِّر بشكل كبير على خط الحاويات.

وقد يكون من الضروري بناء أرصفة أطول لاستيعاب السفن الكبيرة، والرافعات التي قد تصل إلى الأسطح الأوسع نطاقاً، وساحات تحميل أكبر لتستوعب عشرات الآلاف من الحاويات، ومحطات السكك الحديدية، والطرق الأسرع لنقل البضائع إلى وجهتها التالية.

الجدير بالذكر أنَّ حجم السفن الحالية أصبح بالفعل يتناسب مع ممرات الشحن الرئيسية، لكنَّ "ايفر غيفن" تعدُّ ضخمة للغاية للمرور عبر قناة بنما التي تطلب رفع السفن فوق السلسلة الجبلية ذات البوابات الضخمة للسماح بمرورها.

وبما أنَّ عمق قناة السويس يصل إلى 24 متراً، فإنَّها تتمتَّع بقدرة أكبر، لأنَّ عمقها

لا يقل عن مضيقي ملقا وسنغافورة، لذا فإنَّ زيادة عمقها لاستيعاب السفن الأكبر لن يساعد كثيراً، وذلك لأنَّ القيود المفروضة على التجارة بين الشرق والغرب لا تتعلَّق في هذه المرحلة بالهندسة، بل بالجيولوجيا.

ويمتد غاطس سفينة "ايفر غيفن" إلى 15.7 متراً تحت خط المياه. لذا، من الناحية النظرية لا ينبغي لها مواجهة مشكلة في المرور عبر أيٍّ من تلك القنوات التي تتطلَّب عادةً ارتفاع السفن 3.5 متر عن القاع. ومن ناحية أخرى، فإنَّ سفن الجيل القادم التي يبلغ غاطسها 20 متراً ستكون معرَّضة باستمرار لخطر الاصطدام بسطح الأرض.

كيف تمكَّنت سفن الحاويات من تحدي التوقعات بأن حجمها سيصل للحد الأقصى؟

يرجع جزء كبير من ذلك الأمر إلى أنَّ ما يوفِّره الحجم الكبير مقنع للغاية، إذ تستخدم السفن الكبيرة وقوداً أكثر. لكن بالنسبة لعدد الحاويات المكدسة أعلاها، فهي أكثر كفاءة بكثير. كما أنَّها قادرة أيضاً على إدارة عدد أكبر من الحاويات في آن واحد، وخدمة مجموعة أكبر من منافذ التغذية، مما يضمن قدرتها على تحمُّل تكاليفها الرأسمالية الهائلة بشكل أسرع.

ومع ذلك، هناك دلائل قليلة على أنَّ هذا الأمر على وشك التغيير، فاللوائح الجديدة للمنظمة البحرية الدولية -التي أعلنت العام الماضي لمنع استهلاك زيت الوقود الكثيف الكبريت- تعني أنَّ السفن الحالية تستخدم وقوداً أكثر تكلفة. وهو الأمر الذي يفرض مزيداً من الضغط على المهندسين البحريين للتوصل إلى تصاميم أكثر كفاءة.

وعلاوة على ذلك، فإنَّ المنظمة البحرية الدولية لديها الآن خطط لخفض الانبعاثات الكربونية عن مستويات عام 2008، لتصل نسبة الخفض إلى 40% في عام 2030، و70% بحلول عام 2050. وحتى مع التحوُّل لاستخدام الغاز الطبيعي المسال الأرخص، والأقل تلويثاً كوقود رئيسي لسفن الحاويات، فإنَّ هذا يعني المزيد من التحسينات الجذرية في الكفاءة، ناهيك عن تقنيات الدفع التي لم توجد بعد. وحتى الآن، فإنَّ أفضل طريقة لتقليص استهلاك الوقود، وخفض الانبعاثات هي زيادة حجم السفن.

ومن الصعب معرفة كيفية تعامل الصناعة مع هذا الأمر، فربما يمكن تجريف قنوات السويس، وملقا، وسنغافورة لاستيعاب سفن أكبر حجماً، وربما تجد أحواض بناء السفن طرقاً لجعل القنوات الموجودة متناسبة مع تلك السفن من خلال ضغط السفن بمقدار بضع بوصات إضافية.

وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإنَّ الطرق البديلة حول رأس الرجاء الصالح، وعبر مضيقي سوندا، ولومبوك، الأعمق بين جزر إندونيسيا، قد تكون الوحيدة القابلة للتطبيق من أجل استيعاب مثل هذه السفن الضخمة. وإذا حدث ذلك، يجب أن تكون أحجام السفن كبيرة بشكل قابل لتعويض وقت الإبحار الأطول.

وفي السنوات الماضية، شهد العالم ارتفاع سعة سفن الحاويات من 10 ألف حاوية مكافئة إلى 24 ألف حاوية مكافئة، لذا لا ينبغي أن يشكل لكم الأمر صدمة، إذا رأيتم سفينة تستوعب 50 ألف حاوية تسير في البحار في المستقبل.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة