تعرقلت حركة الشحن في البحر الأحمر مع توقف حركة ناقلات النفط وتغيير مسار سفن الحاويات لتدور حول أفريقيا، حيث يهدد العنف المرتبط بالحرب بين إسرائيل وحماس، بتقويض الاستقرار الاقتصادي العالمي.
أعلنت شركتان أوروبيتان عملاقتان للنفط والغاز يوم الاثنين أن ناقلاتهما ستتجنب المياه الدولية قبالة سواحل اليمن، وهي نقطة لا يمكن تجنّبها من قبل السفن التي تستخدم قناة السويس في الانتقال ما بين أوروبا وآسيا. وبذلك، تنضم هاتان الشركتان إلى شركات شحن الحاويات الكبرى التي انسحبت من المنطقة الأسبوع الماضي، مع تكثيف المسلحين الحوثيين المدعومين من إيران هجماتهم دعماً لحماس.
قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بعد ظهر يوم الاثنين، إن أميركا وحلفاءها، بمن فيهم المملكة المتحدة وكندا وفرنسا وغيرها، اتفقوا على إنشاء قوة بحرية للتصدي لهجمات الحوثيين على السفن في المنطقة.
وأضاف في بيان أن "هذا تحدٍ دولي يتطلب تحركاً جماعياً".
قفزت أسعار الغاز الطبيعي الأوروبي بنسبة 13%، في أقوى إشارة حتى الآن منذ نشوب الحرب في غزة إلى تعطّل تدفقات الطاقة. وواصلت العقود الآجلة لخام برنت ارتفاعها اليوم الثلاثاء بعدما ارتفعت بنسبة 3.9% في الجلسة السابقة.
خطوات التصدي لتهديدات الحوثيين
كل الشركات، من "بي بي" إلى "إيه بي مولر ميرسك" وغيرها، والتي تنقل السلع الاستهلاكية وسلعاً مثل الفحم والذرة وإمدادات الطاقة تواجه رحلات أطول. وعلى الرغم من حالة الركود التي شهدتها خطوط الإمدادات العالمية لاستيعاب الضغوط الأخيرة على القدرات الاستيعابية، فإن الإغلاق المفاجئ لقناة السويس خلال 2021 أظهر مدى هشاشة شبكات الشحن عندما تتعطل الروابط الرئيسية.
يسعى المسؤولون الأميركيون جاهدين للتصدي للتهديدات التي تتعرض لها حركة التجارة العالمية، حيث يجتمع وزير الدفاع الأميركي مع وزراء آخرين اليوم الثلاثاء لمناقشة الخطوات التالية للتعامل مع المسلحين في اليمن. لكن الأمر معقد، إذ ليس هناك إجماع لدى الحلفاء الخليجيين في المنطة على مقاربة واحدة للمسألة.
قال جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي للصحفيين، إن المحادثات ستدور حول تعزيز "القوة البحرية الحالية التابعة للأسطول الخامس في البحرين". وأضاف: "ما نحاول فعله هو تعزيزها وترسيخها وتشغيلها بطرق ربما لم يُعمل بها قبل هذه الهجمات التي شنّها الحوثيون".
في غضون ذلك، استمرت الاضطرابات في المنطقة. فقد تعرضت ناقلة المواد الكيميائية والنفط "سوان أتلانتيك" (Swan Atlantic) أمس الاثنين، لهجوم بطائرة من دون طيار وصاروخ باليستي مضاد للسفن من المناطق اليمنية التي يسيطر عليها الحوثيون، وفقاً لما كتبته القيادة المركزية الأميركية على منصة "إكس". وطلبت السفينة المساعدة من سفينة حربية قريبة بعد تعرضها للهجوم. وبشكل منفصل، استُهدفت سفينة البضائع "كلارا" (M/V Clara) في اليوم ذاته، لكنها لم تبلغ عن أي أضرار، بحسب القيادة الأميركية.
تهديدات التجارة
تهدّد هذه الهجمات الممر التجاري الذي يمرّ من خلاله 12% تقريباً من التجارة البحرية العالمية، وهي تقع في وقت تشهد فيه حركة الملاحة في قناة بنما، وهي ممر مائي حيوي آخر يربط بين المحيطين (الأطلسي والهادئ)، قيوداً شديدة بسبب الجفاف. كما أنها تأتي في ظل استمرار حالة الحذر بين البنوك المركزية بشأن مخاطر التضخم.
قال تورستن سلوك، كبير الاقتصاديين لدى شركة "أبولو غلوبال مانجمنت": "حالة عدم اليقين المتزايدة في ما يتعلق بقناة السويس، وعودة الانتعاش إلى الاقتصاد العالمي في ظل التوجه نحو تيسير الظروف المالية، قد تتسببا في ارتفاع أسعار السلع خلال الأشهر المقبلة".
تشير بيانات جمعتها "بلومبرغ" إلى أن البحر الأحمر شهد دخول ومغادرة 56 سفينة تجارية يومي السبت والأحد، وهو ما يمثل انخفاضاً بنسبة 35% عن مستوى الحركة في بداية الشهر.
أعلنت شركة "بي بي" أنها "ستُبقي هذا التوقف الاحترازي قيد المراجعة المستمرة، رهناً بتطور الظروف في المنطقة". ولن تمر أي من سفنها، سواء كانت تملكها أو تستأجرها، عبر البحر الأحمر. بعد ساعات من صدور بيان "بي بي"، أصدرت شركة "إكوينور" (Equinor) النرويجية بياناً قالت فيه إنها ستعيد توجيه سفنها. وكذلك، حوّلت شركة "موزايك" (Mosaic)، وهي إحدى أكبر الشركات المصنعة للفوسفات والبوتاس في العالم، مسار إحدى سفنها المبحرة من المملكة العربية السعودية إلى نيو أورلينز في الولايات المتحدة.
جاءت هذه الخطوات في وقت اصطدمت فيه ناقلة نفط بـ"جسم مجهول" يوم الاثنين، وفقاً لمالك الناقلة. وقد باتت الهجمات الآن تقع بشكل شبه يومي.
في مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ، قال لارس بارستاد، الرئيس التنفيذي لوحدة الإدارة في مالكة ناقلات النفط "فرونت لاين" (Frontline)، إن "الأمور تصاعدت إلى حدّ لم نشهده من قبل.. إنها تشكل مصدر قلق كبير بشأن المخاطر".
الرابط مع إسرائيل
يستهدف الحوثيون المدعومون من إيران أي سفينة لها صلة بإسرائيل، كرد فعل على الحرب مع حركة حماس التي تصنفها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية. هذه الروابط بدت هشة بشكل متزايد في الأسبوع الماضي تقريباً، كما قالت الشركة المالكة للناقلة "سوان أتلانتيك" التي تعرضت لهجوم أمس الاثنين، والتي أكدت عدم وجود صلة بينها وبين إسرائيل.
قالت شركة "ريبر آند سون" (Rieber & Son) في بيان على موقعها الإلكتروني: "ليست هناك علاقة بين إسرائيل وملكية السفينة (النرويجية)، أو الإدارة الفنية (سنغافورة)، ولا أي أجزاء من السلسلة اللوجستية للشحنة المنقولة".
كانت الناقلة تنقل المواد الخام للوقود الحيوي إلى ريونيون (وهي جزيرة في المحيط الهندي) من البر الرئيسي لفرنسا عندما تعرضت للهجوم. وقالت "ريبر آند سون" إنه لم تقع إصابات، وإن السفينة تبحر باستخدام "الآلات الخاصة بها مع تشغيل جميع الأنظمة".
إعادة تقييم التأمين
يوم أمس الاثنين، أعلنت لجنة الحرب المشتركة، ومقرها لندن، والتي تقدم المشورة لشركات التأمين البحري التابعة لـ"لويدز" بشأن المخاطر، عن توسيع المنطقة في البحر الأحمر التي تعتبرها الأكثر خطورة في العالم. وهذا يعني أن مقدار الوقت الذي تحتاج إليه السفن للحصول على تغطية ضد مخاطر الحرب سيزداد. وارتفعت تكلفة هذا الغطاء التأميني بنحو 10 أضعاف منذ بدء الهجمات.
تعرضت ثلاث سفن حاويات لهجمات في غضون يوم واحد تقريباً نهاية الأسبوع الماضي، مما دفع مُلاك السفن، بمن فيهم الشركات الثلاث الكبرى "إم إس سي ميدترينيان شيبينغ" (MSC Mediterranean Shipping Co.SA) و"إيه بي مولر ميرسك" و"سي إم إيه سي جي إم" (CMA CGM)، إلى الإعلان عن خطط للابتعاد عن منطقة البحر الأحمر.
كما قالت شركة الحاويات الألمانية "هاباغ-لويد" (Hapag-Lloyd) أمس الاثنين، إنها سترسل عدة سفن حول جنوب أفريقيا بدلاً من المرور عبر قناة السويس. وأوضح المتحدث باسم الشركة أن هذه الخطط ستستمر حتى تصبح القناة والبحر الأحمر آمنين من جديد.
في الوقت ذاته، قال ريان بيترسن، مؤسس شركة الخدمات اللوجيستية "فليكسبورت" (Flexport)، في منشور على منصة "إكس"، إن 46 ناقلة حاويات حوّلت مسارها حول الطرف الجنوبي لأفريقيا بدلاً من المرور عبر البحر الأحمر، فيما تنتظر 78 ناقلة أخرى التعليمات.
ارتفاع تكاليف الشحن
تواصل أسعار شحن البضائع في حاويات تنتقل من آسيا إلى البحر الأبيض المتوسط الارتفاع بالفعل. وفي هذا السياق، أشار موقع "فريتوس دوت كوم" (Freightos.com)، وهي منصة حجز ودفع للشحن الدولي، إلى أن سعر الشحن على هذا الطريق المار عبر قناة السويس وصل يوم الأحد إلى 2,414 دولاراً للحاوية النمطية طول 40 قدماً، بارتفاع نسبته 62% عن مستواه بنهاية نوفمبر.
برزت قناة السويس أيضاً كممر هام لتجارة الغاز الطبيعي المسال العالمية خلال العامين الماضيين، مدعومة بحاجة أوروبا إلى الوقود فائق التبريد، كبديل رئيسي للغاز الطبيعي الروسي المنقول عبر الأنابيب. وزادت أهمية القناة خلال العام الجاري أيضاً مع اتخاذ الشحنات المتجهة إلى آسيا مسارات أطول، نظراً للازدحام في قناة بنما. كما غيرت سفن الغاز الطبيعي المسال مسارها، متخذة المسار الأطول والأكثر تكلفة عبر رأس الرجاء الصالح.
قال هينينغ غلويستاين، مدير مجموعة الأبحاث "أوراسيا" (Eurasia)، إن "هذا الوضع يعني ارتفاع تكاليف الشحن وبعض التأخير في التسليم على المدى القصير". وأضاف: "كل هذه التكاليف ستُمرر مباشرة إلى المستهلكين".