يتأهب قطاع النقل لسنة متقلبة أخرى من الاضطرابات في سلاسل التوريد، التي تمتد من البحارة الذين يرفضون العودة على متن السفن، إلى سائقي الشاحنات، ممن يفوق قلقهم من إغلاق الحدود المرتبط بكوفيد تأثير إغراء زيادة الأجور.
مع تزايد الإصابات بسلالة "أوميكرون" وتشديد الحكومات للقيود، لا تستطيع شركات الخدمات اللوجستية في جميع أنحاء العالم، بدءاً من المؤسسات العالمية العملاقة وحتى الشركات الصغيرة، العثور على عدد كافٍ من الموظفين.
وفقاً للاتحاد الدولي للنقل البري، بات حوالي خُمس الوظائف المهنية لقيادة الشاحنات شاغرة، على الرغم من أن العديد من أرباب العمل يعرضون أجوراً أعلى. وتدق بعض شركات قطاع الشحن أيضاً ناقوس الخطر حول آفاق التوظيف المستقبلية.
عام آخر من المعاناة
قال سايمون هيني، المحلل في شركة "دريوري" (Drewry) للاستشارات البحثية البحرية: "تتشكل 2022 لتكون عاماً آخر من الاضطرابات الشديدة، في ظل نقص الإمدادات، والتكلفة الباهظة المفروضة على مالكي الشحنات". وأضاف: "مرة أخرى، الفيروس هو المسؤول عن كل هذا". وتوقع هيني مرور 12 شهراً أخرى من العمل المضني، والقيود المرتبطة بالإجراءات الصحية.
مع تفشي متغير "أوميكرون" الفيروسي، يتحمل العمال الذين يسلمون البضائع على متن السفن والشاحنات العبء الأكبر من مشكلات البنية التحتية لسلسلة التوريد، والتي ماتزال تغرق في الفوضى.
اضطراب سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار الشحن قد يمتدّان حتى 2023
تقول الشركات، إن بعض الأشخاص يرفضون عقود العمل، بينما يبحث آخرون عن عمل في مجال آخر، في ظل متطلبات الأسابيع الطويلة من الحجر الصحي، إلى جانب الطبيعة غير المستقرة لعبور الحدود، والمخاوف من الإصابة بالمرض.
في رومانيا، يرفض العديد من سائقي الشاحنات وظائف طويلة المدى في أجزاء أخرى من أوروبا، حيث تعرضوا لمضايقات من الاختناقات المرورية التي امتدت لـ 30 ميلاً (ما يعادل 48 كيلومتراً) العام الماضي، والانتظار ما يصل إلى 18 ساعة على حدود دول الاتحاد الأوروبي.
الاقتصاد العالمي في رسوم بيانية: اختناقات منافذ التوريد تحلّق بالأسعار
وفقاً لأليكس كونستانتينيسكو، الرئيس التنفيذي لشركة "أليكس إنترناشيونال ترانسبورت 94"، التي تُشغل 130 شاحنة لنقل المنتجات الصيدلانية والغذائية في جميع أنحاء القارة، "يزداد الوضع تأزماً في البلدان التي يرتفع فيها عدد الإصابات بشكل خاص".
قال كونستانتينيسكو إنهم واجهوا نقصاً في عدد السائقين قبل انتشار الوباء، لكن أزمة العمالة في صناعة النقل بالشاحنات أكثر احتداماً الآن. واضطرت شركته لرفع الأجور 30% تقريباً خلال السنوات الثلاث الماضية.
مخاوف الحجر الصحي
قال كونستانتينيسكو، الذي أسس الشركة منذ 27 عاماً، "العمل لساعات طويلة على الطريق، والنوم في كابينة السيارة، بجانب احتمالية أن يكون الأشخاص الذين تتعامل معهم مصابين بالفيروس.. كل هذا يجعل قيادة الشاحنات مهنة غير جذابة بشكل كبير الآن". وأضاف: "نظرت خلفي ولا أستطيع رؤية أي جيل جديد من السائقين.. لقد قلص الوباء جاذبية هذا العمل بشدة".
أكبر ميناء حاويات في أوروبا يتوقع استمرار صعوبات الشحن العالمية حتى 2022
وفقاً لبيانات من رابطة اللوجستيات في المملكة المتحدة، تراجع عدد سائقي مركبات البضائع الثقيلة في البلاد بنسبة 23%، أو ما يعادل 72 ألف شخص تقريباً، خلال الربع الثاني مقارنة بعام 2019. وفي الصين، تسبب الخوف من الحجر الصحي الصارم بسبب إستراتيجية "صفر – كوفيد" الحكومية في نفور السائقين.
خلال الأسبوع الماضي فقط، دخلت مدينة شيان الغربية بأكملها، التي يبلغ عدد سكانها 13 مليون نسمة، في إغلاق مفاجئ بعد ظهور 127 حالة.
إجراءات وبائية صارمة
قال سالمون أيدان لي، رئيس قسم البوليسترات في شركة "وود ماكينزي" لاستشارات الطاقة: "لدى الصين إجراءات صارمة للغاية لاحتواء حالات التفشي، وهذا يجعل سائقي الشاحنات غير راغبين في الذهاب إلى بعض المناطق، التي قد يتم عزلهم فيها".
أضاف: "ساهمت هذه الإجراءات القاسية بشكل أكبر في مشاكل سلسلة التوريد، واضطر بعض مصانع البوليستر إلى الإغلاق".
الصين تغلق مدينة يسكنها 13 مليون شخص في حرب كورونا طويلة الأمد
يواجه قطاع الشحن البحري تحديات عمالية مماثلة. فبالرغم من تراجع أزمة تغيير الطاقم، التي حالت دون عودة البحارة إلى ديارهم واستبدالهم ببحارة جدد في معظم الحالات -حيث بقي أقل من 5% من البحارة على متن السفن بعد انتهاء عقودهم في منتصف نوفمبر، انخفاضاً من 9% في منتصف يوليو، وفقاً لمؤشر إعلان نبتون بشأن تغيير الطاقم- إلا أنه في الوقت الحالي لا تستطيع الشركات إغراء هؤلاء البحارة بالعودة للعمل.
اضطراب إمدادات العمالة
قالت شركة "ويسترن شيبنغ" (Western Shipping)، وهي شركة تشغيل ناقلات مقرها سنغافورة، إن حوالي 20% من البحارة العاملين لديها، البالغ عددهم حوالي 1000، لا يرغبون في العودة إلى السفن. وأكد حوالي 5% من البحارة في مجموعة "أنغلو – إيسترن يونيفان غروب" البالغ عددهم 30 ألفاً، منذ الشهر الماضي، عدم اهتمامهم بتجديد التعاقد.
دراسة: "كورونا" قد يستمر شهوراً بعد انتشاره في كل أعضاء الجسم
وفقاً لبلال أحمد، المدير الإداري لـ"ويسترن شيبينغ"، الذي يرأس أيضاً مجلس أرباب العمل البحري الدولي، يتعين على الشركة توظيف بحارة من شركات أخرى، وأن تقدم لهم مكافآت جيدة حتى تجذبهم إليها.
قال بيورن هوجغارد، الرئيس التنفيذي لشركة "أنغلو إيسترن يونيفان" المتخصصة في إدارة السفن، إن بعضاً ممن يأجلون عودتهم للعمل في البحر هم من كبار أفراد الطاقم، مثل الضباط ذوي الخبرة والمخضرمين أصحاب العقود الدائمة.
نقص متزايد
قال هوجغارد، الذي يتولى أيضاً رئاسة رابطة مالكي السفن في هونغ كونغ: "حتى قبل كوفيد، كان من الصعب العثور على الشخص المناسب، الذي يتمتع بالخبرة الملائمة والتدريب، للعمل على متن السفن". وأضاف: "اليوم، علينا تقديم تنازلات. وما يقلقني هو أننا لا نفعل أي شيء جيد في سبيل تأمين سلامة السفن".
قد يتفاقم النقص مع اشتراط أصحاب السفن والمستأجرين توظيف طاقم من الحاصلين على اللقاح فقط. ويزداد العجز في ظل احتياج مزيد من الجرعات المعززة للتصدي لـ"أوميكرون".
فيروس "أوميكرون" يهدد بمزيد من التأخير في محاولة تطعيم العالم
اعتباراً من منتصف نوفمبر الماضي حصل أقل من 30% فقط من البحارة الوافدين من الهند والفلبين على جرعات بالكامل، وهما اثنتان من أكبر الدول التي توفر البحارة، وفقاً لمؤشر إعلان نبتون.
طواقم مُحصنة
قال مارك أونيل، الرئيس التنفيذي لشركة "كولومبيا شيب مانجمنت": "لا يمكننا إجبار البحارة على الحصول على اللقاح، لكن يشترط العملاء توظيف طاقم حاصل على اللقاح بالكامل". وأضاف: "إن استمرار سفن الشحن الضخمة في العمل يشكل تحدياً كبيراً".
قال الرئيس التنفيذي لشركة "فيلهلمسن شيب مانجمنت" (Wilhelmsen Ship Management)، التي تدير مجموعة من حوالي 10 آلاف بحار، إن شركته منزعجة من اتجاه صغار الضباط لرفض العقود. لكن بالرغم من هذا، لم يؤثر ذلك على المعدل الإجمالي للاحتفاظ بالطاقم لدى الشركة حتى الآن. مع ذلك، قد تضطرب إمدادات العمالة من الضباط في المستقبل، ممن يحتاجون إلى سنوات من التدريب.
قال أحمد: "ستضطر حينها إلى توظيف أشخاص غير مؤهلين، وتقوم بتعيينهم بعد فترة تدريب أقصر، ثم ترقيتهم إلى مناصب تتطلب مزيداً من الخبرة". واختتم: "يمكن أن يؤدي ذلك إلى فواجع وحوادث أكثر خطورة على السفن، وحالات جنوح، وحتى زيادة التلوث... أخشى أننا نتجه نحو كارثة".