طوّر براندون تسينغ، العنصر السابق في قوة العمليات الخاصة في البحرية الأمريكية (SEAL) الذي خدم في أفغانستان ومناطق انتشار أخرى، فكرة شركته الناشئة "شيلد للذكاء الاصطناعي"، بهدف حلّ مشكلة محددة كان يواجهها مع زملائه في الميدان. تمثلت إحدى أخطر المهام الموكلة إلى القوات البرية الأمريكية في الشرق الأوسط في الدخول إلى المباني دون التأكد من وجود مقاتلين مسلحين فيها أم لا. لذلك، بَنَتْ شركة "شيلد" التي أنشأها تسينغ في عام 2015 أساطيل من طائرات "درون" صغيرة ذاتية القيادة، لتدخل هذه المباني أولاً، ثم ترسل صوراً وخرائط من هناك إلى الجنود المنتظرين على مقربة من المكان.
ابتكارات عسكرية
استخدم الجيش الأمريكي تكنولوجيا "شيلد" في كلّ من أفغانستان، والعراق، وسوريا. واليوم يفتح الانسحاب الأمريكي من أفغانستان الباب أمام حقبة جديدة بالنسبة إلى الجيش الأمريكي، وأيضاً بالنسبة إلى شركة "شيلد"، فقد انكبّت الشركة خلال الجزء الأكبر من العام الحالي على العمل من أجل الاستحواذ على ابتكارات تكنولوجية جديدة وتقديم عروض للمسؤولين والمستثمرين في المجال، تركز على مستقبل ما بعد الشرق الأوسط. ويشمل ذلك احتمال اندلاع نزاعات مع الصين أو روسيا، حسب ما أفاد به تسينغ وموظفون آخرون رفيعو المستوى في الشركة.
استثمارات ضخمة
في الـرابع والعشرين من أغسطس، كشفت "شيلد" أنها جمعت 210 ملايين دولار من مستثمرين، كان بينهم شركة "ديسربتيف تكنولوجي أدفايزرز" (Disruptive)، التي قدرت قيمة "شيلد" بنحو 1.25 مليار دولار، ما يجعلها واحدة من شركات اليونيكورن القليلة التي تتعامل مع القطاع العسكري. وأعلنت الشركة أنها تقترب من إبرام استثمار إضافي قوامه ديون وأسهم بقيمة 90 مليون دولار خلال الأسابيع القليلة المقبلة ("بلومبرغ بيتا"، ذراع الاستثمار المجازف التابعة لـ"بلومبرغ"، استثمرت في جولات التمويل الأولى في "شيلد").
حسب مؤسسة "تيك إنكوايري" المتخصصة برصد العقود العسكرية، حصلت "شيلد" على عقود عسكرية بقيمة 17 مليون دولار في عام 2020. وعلى الرغم من أن ذلك العام يعدّ الأفضل بالنسبة إلى الشركة حتى الآن، فإنّ المبلغ لا يشكل سوى جزء بسيط جداً من ميزانية البنتاغون الضخمة التي تتجاوز عادة 700 مليار دولار.
وكانت "شيلد" قد أنشأت في وقت سابق هذا العام قسماً مختصاً بالعلاقات الحكومية الداخلية، وعيّنت لإدارته عضو مجموعة ضغط سابقاً، من شركة "بالانتير تكنولوجيز"، بالإضافة إلى موظف سابق في الكونغرس.
وقد أنفقت الشركة 430 ألف دولار حتى الآن في عام 2021، وهي المرّة الأولى التي تقوم فيها الشركة بحملات ضغط مباشرة، منذ تأسيسها قبل ستّ سنوات.
ما بعد أفغانستان
كان لتأثير سقوط أفغانستان في يد طالبان في أغسطس وقع صعب على الشركة الناشئة. فهي تضم 200 موظف، معظمهم من قدامى المحاربين، وعديد منهم حاولوا في الأيام الماضية بشتّى الطرق تأمين المساعدات لأصدقائهم العالقين هناك. يقول تسنيغ، المؤسس والشريك في الشركة ورئيسها التنفيذي:
"الحزن هو الشعور الذي يسيطر على مشاعرنا حالياً".
أمضى المديرون التنفيذيون في "شيلد" نهاية شهر أغسطس في مقرّ الشركة في سان دييغو، حيث عُقد أول الاجتماعات الفعلية مع قادة شركتين كانت "شيلد" قد استحوذت عليهما خلال الصيف، إحداهما تحمل اسم "مارتن يو إي في" وهي تصنّع طائرات "درون" يصل وزن الواحدة منها إلى 125 رطلاً (الرطل = 00,45 كيلوغرام)، من الممكن إطلاقها من فوق شاحنة "بيك أب"، وتستطيع أن تطير لمدة 11 ساعة. أمّا الشركة الأخرى فهي "هيرون سيستيمز"، وهي تطور برامج إلكترونية مصممة للتحكم بالطائرات الحربية.
تقوم خطة "شيلد" على إدماج نظامها مع أنظمة هاتين الشركتين. ويمكن أن ينتج عن ذلك نظام ذكاء اصطناعي واحد، يمكنه التحكم بعدة مركبات ضخمة ذاتية القيادة أو شبه ذاتية القيادة بحجم طائرة، يعمل جميعها معاً في ظروف تكتيكية معقدة، وفقاً للمديرين التنفيذيين في "شيلد".
لكن حتى الآن، لا يشمل أي من خطط الشركة ما يمكن وصفه بـ"الأسلحة المستقلة". وفي هذا الإطا يقول تسينغ إنه لا يمانع صنع الأسلحة، إلا أن "شيلد" لا تركز على هذا الأمر حالياً.
هل لأفغانستان نصيب من مشروع "الحزام والطريق" الصيني؟
برمجيات الحروب
يقرّ المسؤولون العسكريون بالمزايا التي تقدمها البرامج الإلكترونية في المعارك، إلا أنهم لم يمنحوها ثقتهم الكاملة بعد، حسب بريت غولدسين، الرئيس السابق لوحدة خدمة الدفاع الرقمي في البنتاغون، الذي يقول: "ستضطر الشركات إلى القيام بخيارات صعبة حول الأمور التي تحقق النجاح، والأمور التي لا تنجح. وبالأخص، يجب أن تتحلّى هذه الشركات بالصراحة والشفافية حيال الأنظمة والخوارزميات التي لا تعمل بشكل دقيق". ويضيف:
"إذا أخطأت برمجيات تطبيق الصور من "أبل"، وتعرفت على صورة كلب مثلاً بالخطأً بدلاً من صورة أخرى، فإن هذه ليست بالمشكلة الكبيرة. لكن في حال أخطاء التطبيقات العسكرية فإن ذلك يمكن أن يتسبب بفقدان الأرواح".
سبق لشركة "هيرون سيستمز" أن شاركت في مناورات من تنظيم وزارة الدفاع الأمريكية، صُممت خصيصاً لزيادة هذه الثقة. وكانت الشركة في الصيف الماضي قد فازت في منافسة إلكترونية من تنظيم وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية (DARPA)، التي تعدّ ذراع البحوث والتطوير الرئيسية التابعة للحكومة.
خلال المنافسة، هزم برنامج الذكاء الاصطناعي المطوّر من "هيرون" طياراً بشرياً يقود مقاتلة "إف 16" في خمس منافسات محاكاة. كما هزم برامج من تصميم شركات أخرى، مثل "لوكهيد مارتن".
العنصر البشري هو الأساس
قال ممثلون عن وكالة "DARPA" إن مثل هذه الأنظمة التي طورتها "هيرون" تهدف إلى مساعدة الطيارين البشر، لا أن تحلّ محلهم. فالدماغ الافتراضي الذي طورته "هيرون" يحتاج إلى وقت قبل أن يصبح قابلاً للاستخدام في أي أمر مشابه للقتال في الحياة الحقيقية. وكانت "هيرون" قد فازت في المسابقة، التي أُجريت بالكامل على شكل محاكاة قائمة على البرامج الإلكترونية، من خلال قيامها بمناورات قد تكون لها نتائج كارثية لو نفذت في الأجواء الحقيقية، مثل التحليق على مسافة قريبة جداً من الخصم، أو الهجوم بطرق يمكن أن تدمر الطائرتين معاً، وذلك حسب بريت دارسي، مؤسس مجموعة "هيرون" للتطوير.
ومنذ المنافسة، بدأت "هيرون" تجري اختبارات على طائرات "درون" حقيقية في ولاية نورث كارولاينا.
كذلك يقول دارسي إنه قبل "شيلد" كان إقناع البنتاغون بدراسة إدخال نظام "هيرون" في الطائرات القتالية أمراً صعباً جداً، ولكن بسبب أن شركة "شيلد" قد سبق وأثبتت جدارتها في أفغانستان، فإنها باتت اليوم تمتلك الموارد التي تؤثر في الإنفاق الحكومي، إذ يمكنها أن تلعب على وتر الخوف الواضح لدى المسؤولين الأمريكيين، من احتمال التخلف في السباق التكنولوجي مع الصين.
وبالفعل، في عام 2018 قال وزير الدفاع الأمريكي حينها، جيم ماتيس، إن الانتقال من محاربة الإرهاب إلى التنافس مع القوى العالمية يعني "نهوض الولايات المتحدة من فترة من الركود الاستراتيجي".
وحسب دارسي فإن الذكاء الاصطناعي هو عنوان سباق التسلح الجديد. وقال: "كنا نجذف بقوة استعداداً للأمواج، حتى نتمكن من القفز بألواح تزلجنا والانطلاق عليها"، وأضاف: "إن الموجة آتية".