تعهد الرئيس جو بايدن بعصرٍ من "المنافسة الشديدة" مع جمهورية الصين الشعبية. يعني هذا بالنسبة إلى الولايات المتحدة، أن تكون قادرة على تحدي بكين من أجل السيطرة على التجارة العالمية، وصياغة قواعد التجارة والتكنولوجيا، وإن اضطر الأمر، أن تكون قادرة على القتال والفوز في حرب مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم. ويبقى السؤال هو كيف ستوجّه واشنطن الجيش الأمريكي الجرار، الذي يصل تعداده إلى حوالي مليوني جندي وضابط موزعين على ستة فروع، بعيداً عن الشرق الأوسط والإرهاب، للتركيز على منطقة جديدة وتهديدات مختلفة، بعد 20 عاماً من هجمات 11 سبتمبر وغزو أفغانستان الذي أعقب ذلك.
أطلق وزير الدفاع لويد أوستن الثالث على الصين لقب "تحدي السرعة" – وهو تعبير تستخدمه الصناعة العسكرية للإشارة إلى المنافس الرئيسي. في يونيو، أصدر أوستن أمراً توجيهياً يهدف إلى إعادة توجيه وزارة الدفاع نحو منافسة بكين بشكل أفضل. وردّد ذلك صدى إشارات إلى وجود هذا المحور في ظل الإدارتين الرئاسيتين السابقتين.
مع ذلك، غالباً ما تكون واشنطن أفضل في التعبير عن الطموحات الكبرى من متابعتها. ينطبق هذا بشكل خاص على البنتاغون، البيروقراطية الأكبر في العالم. العقدان الأخيران من الحرب في الشرق الأوسط، صاغا أولويات الجيش الأمريكي، وتجذرت عادات الإنفاق بعمق في سياسات الكونغرس. حتى داخل المبنى، يحذّر المسؤولون من "الفجوة بين القول والفعل" عندما يتعلق الأمر بمواجهة الصين. تستمر هذه الفجوة، رغم أن سحب بايدن للقوات من أفغانستان، قد يؤثر أكثر من تصرفات الرئيسين السابقين باراك أوباما ودونالد ترمب لتحقيق ميل موعود منذ فترة طويلة نحو آسيا.
يبدو أعضاء الكونغرس المعنيون صريحين بشأن هذه المشكلة. فقد أشار النائب مايك غالاغر، وهو جمهوري من ولاية ويسكونسن وعضو في لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، إلى تهديدات محتملة تتراوح من غزو صيني لتايوان إلى الطائرات من دون طيار الصينية الصنع التي يواصل البنتاغون شراءها، رغم مخاوف من تسليم أسرار الأمن القومي إلى بكين. يقول غالاغر: "إذا كنا سنفوز بالقرن الحادي والعشرين، يجب على البنتاغون أن يسلك المسار الصحيح ويتخذ القرارات الصعبة اللازمة لهزيمة الحزب الشيوعي الصيني".
الاستثمار في التقنيات غير التقليدية
يحتاج الجيش الأمريكي إلى تركيز تموضعه ولوجستياته في المحيط الهادئ، والاستثمار في التقنيات التي تهدف إلى تجنب الحروب البرية الكارثية، وتجنب التوغلات الصينية: الأدوات الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي، والأقمار الصناعية، والرقائق الدقيقة، والأسلحة المستقلة والتي تتجاوز سرعة الصوت. إن مدى جودة وسرعة دمج التقنيات غير التقليدية "سيحدد ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة وحلفائها صياغة قواعد الطريق في المستقبل"، وفقاً لميشيل فلورنوي وكيلة وزارة الدفاع السابقة للسياسة. وتضيف فلورنوي، التي خدمت في إدارتي أوباما وكلينتون، أن تلك القواعد "سيكون لها تأثير كبير على نظام التجارة وسلاسل التوريد وتدفقات الأموال"، وليس على الجيش فحسب.
يصبح التحدي أكثر إلحاحاً يوماً بعد يوم. فعلى مدى عقدين من الزمن، كانت بكين تعمل على تطوير قدرات الصواريخ الاعتراضية، والتي تهدد الآن التفوق العسكري الأمريكي في المحيط الهادئ. إنها تحرز تقدماً كبيراً في حاملة الطائرات الثالثة والمنصات الجديدة لإطلاق الصواريخ في صحرائها الغربية، وتشير بعض التقارير إلى أنها بدأت بالفعل تشغيل رحلات جوية عسكرية من الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي. في عام 2020، توغلت الطائرات الحربية الصينية في الجزء الجنوبي من منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية، وذلك خلال 87 يوماً – أي أكثر من السنوات الخمس السابقة مجتمعة، وقد تجاوزت هذا الرقم بالفعل هذا العام.
أثبتت بعض فروع الجيش أنها أكثر مرونة من غيرها. يقوم سلاح مشاة البحرية بالتخلي عن دباباته بالكامل وإعطاء الأولوية للوحدات الصغيرة المتفرقة، القادرة على العمل في سلاسل جزر المحيط الهادئ. يقول روبرت وورك، نائب وزير الدفاع السابق في عهد أوباما: "لقد أمسك جنود المارينز بالثور من قرنيه". لقد وضعوا خطة للتنافس مع الصين وهزيمتها إن تطلب الأمر ذلك، وقاموا بذلك ضمن الصف الأول حيث تم تكليفهم به - لن يطلبوا أموالاً إضافية. في رأيي، لقد قادوا الإدارة بالطريقة التي ينبغي التعامل بها مع التوقعات المالية الجديدة".
في المقابل، يواجه الجيش تحدياً صعباً. فبعد عقدين من التركيز على مكافحة التمرد وحرب الصحراء، يجب أن يثبت أن لديه قوة برية كبيرة ذات صلة بمسرح المحيطين الهندي والهادئ، حيث كانت للقدرات البرمائية والجوية والبحرية الأسبقية تقليدياً. يشتري مخططو الجيش عدداً أقل من طائرات الهليكوبتر "أباتشي" (Apache) و"بلاك هوك" (Black Hawk) و"تشينوك" (Chinook)، ويتجهون لشراء الطائرات العمودية المتقدمة التي يمكن أن تطير أسرع مرتين وأبعد مرتين من مروحياتها العملاقة، وكل ذلك مع التركيز على مساحات شاسعة من منطقة المحيط الهادئ.
تحديات القوات البحرية والجوية
تعد القوات الجوية والبحرية أكثر ملاءمة للمنطقة، لكنها أيضاً تواجه تحديات: تكافح البحرية للمحافظة على أسطولها، وهي لديها سجل حافل عندما يتعلق الأمر ببناء فئات جديدة من السفن مثل الحاملات من فئة "فورد" (Ford). من جانبها، كانت القوات الجوية تعتمد على المقاتلة الشبح "إف 35 جوينت سترايك فايتر" (F-35 Joint Strike Fighter) وطائرة التزود بالوقود الجديدة، وكلاهما عانى من تأخيرات كبيرة، ومشكلات تكنولوجية، وزيادات في التكلفة.
ثم هناك عائق وزارة الدفاع الأوضح، ألا وهو المال. ستكون الميزانية المقترحة للسنة التي تبدأ في الأول من أكتوبر أكثر بـنسبة 1.6% من الميزانية البالغة 704 مليارات دولار التي أقرت لهذا العام – وهو انخفاض بحوالي 0.4% في القيمة الحقيقية المعدلة للتضخم. قال أوستن إنه يعتقد بأن الميزانية العسكرية كافية لمواجهة التحدي المتمثل في الصين "الحازمة بشكل متزايد"، لكن الجمهوريين وصفوها بأنها غير كافية.
من الآن فصاعداً، سيصبح الحصول على المال أكثر صعوبة. تشير توقعات مكتب الإدارة والميزانية الحالية بشأن الإنفاق إلى زيادة بنسبة 2% على أساس سنوي حتى عام 2026 و1% في الأعوام التالية، وهذا -كما يقول وورك- "لا يغطي حتى التضخم".
يترك هذا البنتاغون أمام بعض الخيارات الصعبة. أصبحت مبادرة الردع في المحيط الهادئ البالغ حجمها 5.1 مليار دولار، والتي تأسست في العام الماضي لضمان تخصيص الموارد المناسبة للمنطقة، رمزاً لكفاح الوزارة من أجل التكيف. قال المشرعون من كلا الحزبين إن التمويل يقوم فقط باحتساب مزدوج لمشتريات الأسلحة المخطط لها بالفعل، وإنه لا يركز بشكل كافٍ على الدفاع الصاروخي، والتدريب مع الحلفاء، والعمليات في المنطقة.
لقد جرى إعداد المشتريات العسكرية للتحرك ببطء وتحفظ، للمحافظة على البرامج القديمة، الكبيرة والمعقدة، مثل شراء حاملات الطائرات في الموعد المحدد وفي حدود الميزانية. قد لا يعمل هذا بشكل جيد في المستقبل. تقول فلورنوي: "عادةً ما تقضي سنوات في الخطوط الأمامية في تحديد متطلباتك ووضع حجر أساس لها، ثم تقضي سنوات في هذه العملية المتتالية والمتسلسلة. إذا نظرت إلى العديد من القدرات التي نتحدث عنها، سواء كانت الذكاء الاصطناعي أو الشبكات الممكّنة بالبرمجيات، فهذه تقنيات ناشئة تم تطويرها خلال عملية تطوير رشيقة مع دورات تطوير سريعة".
الكونغرس وبرامج الأسلحة
إلى جانب شدّ الحزام والقصور الذاتي داخل البنتاغون، هناك حاجز آخر هو أولويات الكونغرس. تواجه المقايضات معارضة في الكونغرس دوماً، حيث يدين المشرعون بالفضل لبرامج الأسلحة، بغض النظر عن عمرها: إنها تعني القواعد العسكرية والتصنيع الماهر والوظائف في المناطق المحلية.
إذا نظرنا إلى تاريخ طائرات الدعم الجوي القريب من طراز "إيه -10" (A-10) في ولاية أريزونا، سنجد أن السيناتور الديمقراطي مارك كيلي يكافح لإبقاء الطائرات خارج المقبرة كما فعل سلفاه الجمهوريان مارثا مكسالي وجون ماكين. تعد توسون المعقل السياسي لطائرة "إيه – 10" (A-10)، حيث تعمل قاعدة "دافيس مونثان" (Davis-Monthan) الجوية كقاعدة تدريب رئيسية لطياري الدعم الجوي القريب. وبالتالي، ستكون لأي تخفيضات في الأسطول آثار مضاعفة كبيرة على الاقتصاد المحلي. قدم كيلي، إضافة إلى السيناتور الديمقراطي الآخر للولاية، كيرستن سينيما، والعديد من ممثلي أريزونا مشروع قرار في مجلس الشيوخ ومجلس النواب الأمريكيين، يعلن أن طائرة "إيه 10" (A-10) هي "عنصر حاسم في الأمن القومي الأمريكي".
يمكن أن تنقلب خطط الوزير أوستن رأساً على عقب بسبب ما أطلق عليه سلفه دونالد رامسفيلد لقب "المجهول المجهول" –أي الأحداث التخريبية التي تضرب دون سابق إنذار. قبل أكثر من عقدين من الزمان، أطلق الرئيس جورج دبليو بوش على الصين لقب "المنافس الإستراتيجي"، فقط ليقضي معظم فترة رئاسته في التركيز على الحروب عبر الشرق الأوسط الكبير. الآن، مع مغادرة القوات الأمريكية لأفغانستان، فإن ظهور تهديد إرهابي من ذلك البلد، يترك الباب مفتوحاً أمام احتمال جرّ الولايات المتحدة مرة أخرى إلى الداخل.
لقد اختبر المخضرمون في واشنطن كل ذلك من قبل. يقول السيناتور جاك ريد، الديمقراطي من ولاية رود آيلاند والذي يرأس لجنة القوات المسلحة: "كانت هناك محاولة للتركيز على المحيط الهادئ على مدى سنوات عدة، منذ إدارة الرئيس أوباما. لكن الوضع في أفغانستان، والوضع في العراق، ولديك الآن مشكلات مع هايتي – كل ذلك يجعل من الصعب عملياً التركيز بسرعة على المحيط الهادئ. يقول ريد عن مسؤولي البنتاغون التابع لبايدن: "إنهم يتحركون، لكنني أعتقد بأنهم سيقولون بأنفسهم إن بإمكانهم التحرك بشكل أسرع",
البعض الآخر أكثر تفاؤلاً، ويشيرون إلى أن الولايات المتحدة، على عكس الصين، ليست بحاجة إلى الذهاب إلى الحرب بمفردها. يقول آدم سميث عضو مجلس النواب عن ولاية واشنطن، ورئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب: "لا يمكن أن يكون تركيزنا على بناء جيش لنتمكن من كسب الحرب القادمة مع الصين. يجب أن ينصب تركيزنا على كيفية بناء مجموعة إقليمية من الشراكات، لردع الصين بشكل أفضل عن الأشياء التي لا نريد أن تفعلها".