كان الأسبوع الماضي مصيرياً فيما يتعلق بفهمنا لتأثيرات انبعاثات الغازات الدفيئة، حيث أصدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، يوم الاثنين، تقريرها حول العلوم الفيزيائية لظاهرة الاحتباس الحراري، والذي أظهر الصلة بين حرق الوقود الأحفوري والفيضانات وموجات الحرّ وحرائق الغابات التي شهدناها هذا الصيف.
لقد أوضح التقرير أن الأحداث المتطرفة المدمّرة، مثل الحر والجفاف والأعاصير، تتفاقم بالفعل بسبب تغير المناخ الذي يتسبب به الإنسان. لم تكن النتائج مفاجئة لأولئك الذين يتابعون علوم المناخ عن كثب، لكن ثقل التقرير، الذي يلخّص عمل آلاف الأكاديميين، سيغيّر النقاش الأوسع نطاقاً بشأن ظاهرة الاحتباس الحراري لسنوات قادمة.
إن ما نعترف به الآن، دون شك، من كون ارتفاع درجات الحرارة العالمية يسبب طقساً أكثر قسوة، إنما يؤكد أهمية كل العمل الذي يتم إنجازه لتقييم التكاليف المالية لتغير المناخ. كما يُعدّ بمثابة تذكير بأن المحللين الماليين وصانعي السياسات والاقتصاديين، لا يمكنهم حتى تصور مدى وتأثير احترار الكوكب بشكل كامل.
تتميز الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بتحفظها في التقييمات التي تصدرها، وتزمتها في طريقة وصفها لوضع أبحاثها، لاسيما في صياغة الملخص الخاص بصانعي السياسات، والذي ينبغي أن توقعه كل حكومة ممثلة في الأمم المتحدة. وكان لافتاً كيف تطورت الثقة بلغة الهيئة، في ما يتعلق بالربط بين مفردات، مثل: عالم أكثر احتراراً، فيضانات قاتلة، وموجات حرّ.
وعليه، يعد سبب هذا الوضوح أمراً مثيراً للانتباه، إذ يرجع ذلك جزئياً إلى التقدم في المعرفة العلمية. لكن مع تزايد قسوة الكوارث المناخية، أمكن ربطها أيضاً بالتأثير البشري بشكل أوضح.
ماذا يعني هذا اليقين الجديد للمستثمرين الذين يحاولون التحوّط ضد مخاطر المناخ؟
أسهمت الشركات المتخصصة في التحليل والبيانات وإدارة المخاطر المالية والاستشارات، بجزء كبير من فهم عالم الأعمال للتغيرات المناخية. ومن ثم، فإنها صدفة محمودة أن يتم الربط بين الكوارث الطبيعية وتغير المناخ بصورة متزايدة، في الوقت ذاته الذي يتعرض فيه معظم القطاع المالي، بل وعالم الشركات على نطاق أوسع، لضغوط من أجل القيام بالمزيد للتصدي لظاهرة الاحتباس الحراري. ومن المرجح أن تعزز العلاقة الأوثق بين الظواهر الطبيعية المتطرفة وتغير المناخ، فضلاً عن الاهتمام المتزايد "بدراسات إسناد الأحداث" التي تربط الأمرين بشكل مباشر، الحماسة لتقديم خدمات "نمذجة" مخاطر المناخ.
سيكون هذا هو الحال على الرغم من أن التقدم في أبحاث علوم المناخ لن يؤدي بالضرورة إلى تحسين أنماط التنبؤات الدقيقة التي تتوقعها الشركات والجهات التنظيمية، حيث يختلف تحديد بصمة الانبعاثات في الأحداث التي وقعت للتو، عن التنبؤ بأن نمط الأحداث المدمرة التي يسببها تغير المناخ بشكل قوي، قد تحدث في وقت معين في المستقبل.
في سياق متصل، أعلنت وكالة "موديز لخدمات المستثمرين" الأسبوع الماضي، أنها ستشتري شركة "ريسك مانجمنت سوليوشنز" (RMS)، لنمذجة مخاطر الكوارث. وعلى الرغم من أن نمذجة الكوارث تختلف عن نمذجة المناخ، إلا أن "موديز" كانت حريصة على الترويج لقدراتها في تحليل الظواهر المناخية، وكيف يمكن أن تساعد على تعزيز المجالات التجارية التي تأخذ العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة بعين الاعتبار.
لكن تأكيد الظواهر الطبيعية المتطرفة كأثر لتغير المناخ، ليس محل ترحيب من جانب شركات إعادة التأمين المتخصصة في تغطية الكوارث الطبيعية، حيث تقدر شركة "سويس ري" (Swiss Re) أن الخسائر المؤمن عليها جراء الكوارث تجاوزت 42 مليار دولار في النصف الأول من هذا العام، وذلك نتيجة عاصفة "يوري" الثلجية التي ضربت الولايات المتحدة، بالإضافة إلى زيادة العواصف الثلجية والفيضانات.
وبالمقارنة، يشكل النصف الأول من عام 2011 الفترة الوحيدة التي شهدت خسائر أكبر من تلك السالف ذكرها، إذ كان ذلك عندما ضربت الزلازل المدمرة بلدين ثريين، وهما اليابان ونيوزيلندا. لكن "سويس ري" توقعت بالفعل أن يزداد الأمر سوءاً، حيث أشارت قبل عام إلى أن الأخطار "الثانوية"، مثل حرائق الغابات والفيضانات، كانت مصدراً متزايداً للتعويضات، وأنها كانت حريصة على تقديرها.
ثلاثة أحداث
علينا أن نتذكّر أن هذه التقديرات، هي لخسائر مؤمن عليها فقط. ومن ثم، فإن مشكلات معيدي التأمين، وحتى عملائهم، لا تقارن بالمعاناة التي يتحملها أولئك الذين ليس لديهم تأمين أو لا يستطيعون تحمل تكلفته. وهذا يشمل الكثير من الدول الفقيرة حول العالم، وتقريباً أي شخص يتأثر بالحرارة الشديدة، وهو خطر لا تغطيه معظم السياسات.
كما إن بعض تأثيرات رفع درجة حرارة الغلاف الجوي عن طريق حرق الوقود الأحفوري، لن تظهر أبداً بشكل موثوق في أي نوع من نماذج المخاطر، ناهيك عن أن تكون قابلة للتأمين عليها.
ومن بين السمات الجديدة لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لهذا العام، تبرز مناقشة "الأحداث المركبة". وتشمل تلك الأحداث موجات الحرّ والجفاف المتزامنة، أو الفيضانات ذات الأسباب المتعددة مثل المدّ العاصفي الذي يقترن بفيضانات الأنهار، وهي تلك الأحدث المأساوية التي تحطم الأنظمة التي يعتمد عليها البشر وتنطوي على آثار مدمرة.
لم يتم ذكر الأحداث المركبة في الملخص العلمي الأخير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، على الرغم من أننا نعلم الآن أن من المحتمل حدوثها بالفعل. إحدى الدراسات التي أجريت عام 2018، وتم الاستشهاد بها في تقرير هذا العام، كانت قد تتبعت ثلاثة أحداث في عام 2010، حيث وجد الباحثون "دليلاً قوياً" على ارتباطها بديناميات الغلاف الجوي. فقد دفعت موجة الحرّ في روسيا البلاد إلى تقييد صادرات القمح، الأمر الذي ربما أسهم في عدم الاستقرار والثورة في مصر. كما أن موجة الحرّ الروسية تزامنت مع معاناة باكستان من فيضانات قياسية.
من المفيد بالطبع معرفة أن مثل هذه الكوارث مرتبطة بالدوافع الشائعة لتغير المناخ، لكن هذا المثال يوضح مدى صعوبة التنبؤ، بشكل واثق، بالكيفية التي ستتكشف بها آثار الظواهر المتطرفة. وحتى إذا كان من الممكن تقديرها بشكل أفضل، فليس من الواضح عدد المرات التي قد تساعد فيها هذه المعلومات على تجنّب الخسائر.