بعد عام ونصف على بداية الجائحة، بدأت شركات عديدة استعداداتها لاحتمال العودة إلى بعض مظاهر الحياة الطبيعية. غير أن هناك شركات أخرى لا يمكنها العودة إلى هذه الحياة، لأنها تحولت تماماً في عام 2020 إلى حل بعض أنواع المشكلات المرتبطة بالوباء.
تواجه هذه الشركات الناشئة في عصر كوفيد حالياً احتمالات التمحور مرة أخرى، إذ تتلاشى الأزمة الحادة، ويلوح متحوّر "دلتا" في الأفق، ويدخل العالم الذي يواجه تحديات فيروس كورونا مرحلته التالية.
إليك ثلاث قصص من هذه الشركات:
"تايبل 22" (Table22)
في وقت مبكر من العام الماضي، شيدت الشركة الناشئة التي يملكها سام برنشتاين، والتي توظف 50 شخصاً، ما كان يُعتقد أنه عمل تجاري قوي من شأنه مساعدة طلاب الجامعات على إيجاد سكن للإيجار، إلى أن تفشى وباء كوفيد في العالم.
يقول برنشتاين: "عادت أعمالنا إلى نقطة الصفر مع عدم وضوح الرؤية" بشأن الوقت الذي سيستغرقه الوضع الجديد. من هذا المنطلق، خفض برنشتاين عدد موظفيه بنسبة 80%، وظهر مع بقية الفريق بعد شهرين باسم "تايبل 22" (Table22)، وهي شركة تساعد المطاعم على بيع لوازم الطهي في المنزل أو أغراض البقالة والمؤن والمشروبات المتخصصة.
كانت المطاعم تحب الأعمال التجارية التي يمكن التنبؤ بها، وهوامش الربح الكبيرة نسبياً، وقد جمع برنشتاين 7 ملايين دولار من المستثمرين المغامرين في ديسمبر.
مع عودة تناول الطعام في الأماكن المغلقة، أصبحت المطاعم مشغولة فجأة بالعملاء الذين يتوقون إلى الاحتفال بقدرتهم على قضاء الأمسيات في الأماكن العامة. وجدت المطاعم نفسها بحاجة إلى موظفين لمساعدتها على مواكبة اندفاعة الأعمال الجديدة.
يقول برنشتاين: "كل مطعم نتحدث إليه يكون مشغولاً بشدة ولديه كثير من الطلبات المتراكمة". هذا الأمر ترك عملاءه عالقين بين محاولة تقديم وجبات طعام في المطعم، والمحافظة على أعمالهم التي تضم مجموعات الوجبات. ورغم أن عدداً قليلاً من العملاء لم يعودوا يلجؤون إلى "تيبل 22" تماماً، فإن هذا الأمر يعني أحياناً أن الحاجة إلى خدماتها قد تراجعت.
على سبيل المثال، كان المطعم الإيطالي "فرانكيز 457 سبونتينو" (Frankies 457 Spuntino)، وهو أحد المطاعم المفضلة في بروكلين بنيويورك، يبيع مجموعات متقنة من خلال شركة "تايبل 22" إلى جانب قائمته الخاصة. وهذه المجموعات تضمنت المكونات الغذائية اللازمة لوجبة عشاء مكونة من ثلاثة أطباق تكفي من أربعة إلى ستة أشخاص، وهو ما كان يلزم قياسه في المطبخ مقدماً. وحالياً، يتجه مطعم "فرانكيز" إلى استخدام مكونات المعكرونة، إذ يتناسب هذا الجزء مع خدمة الأشخاص الذين يدخلون المطعم، كما يقول برنشتاين.
"كيراتيف" (Curative)
بدأت شركة "كيراتيف" (Curative) أعمالها في يناير 2020 بهدف تحسين النتائج الصحية للمرضى المصابين بتسمم الدم، وهو استجابة الجسم القصوى للعدوى، لكن في غضون أسابيع وجّه مديرو الشركة أنظارهم إلى ما بدا أنه تحدٍّ طبيّ أكثر إلحاحاً، وهو توفير اختبارات كوفيد-19. وارتفع عدد الموظفين في الشركة التي تتخذ من سان ديماس بكاليفورنيا مقراً لها، من سبعة موظفين إلى 7000 موظف خلال العام التالي.
يقول فريد تيرنر، الرئيس التنفيذي لشركة "كيراتيف": "انتهى بنا الأمر ببناء معامل نموذجية كاملة، إذ نعمل على تدريب وإحضار مجموعات مكونة من 50 شخصاً في آن واحد وتدريبهم لمدة أسبوع".
كانت "كيراتيف" تُجهز مزيداً من الاختبارات بشكل أسرع مما يمكن لنظام برمجيات المختبر الذي اشتراه من مورد خارجي التعامل معه. وعن ذلك يقول تيرنر: "كان لدينا أشخاص يجلسون على الأرض ولا يفعلون شيئاً، لأن البرنامج لم يكن يعمل، ولم نتمكن من مسح العينة".
رداً على ذلك، عملت "كيراتيف" على بناء برنامجها الخاص. فعندما كانت إمدادات المسحات ضيقة، أعادت استخدام المسحات المخصصة لصناعة الإلكترونيات (فهي معقمة بنفس القدر). وخلال عملية نشر مليون مجموعة اختبارات على مستوى الولاية في دور التمريض والبيوت الجماعية في فلوريدا، نفدت من "كيراتيف" أجهزة الماسحات الضوئية للباركود. وكذلك أبلغت شركة "يونايتد بارسيل سيرفيس" (United Parcel Service)، التي كانت توزع مجموعاتها الخاصة بالاختبار، الشركة أن شاحناتها نفدت، وبالتالي عينت "كيراتيف" سعاة خاصين بها.
وأضافت "كيراتيف" توزيع اللقاح إلى مجموعة خدماتها في أواخر عام 2020، ثم توقف كل شيء. ويقول تيرنر: "كوفيد يفاجئنا دائماً، فقد تحول في غضون أيام من زيادة 10% في الحجم كل يوم إلى الانخفاض". فخلال يناير، أنتجت الشركة ما يصل إلى 5 ملايين مجموعة اختبارات كوفيد، ثم توقفت عن الإنتاج، ولم تعمل سوى من خلال هذه الإمدادات فقط في يوليو.
تعليقاً على الأمر، قال تيرنر: "في لحظات معينة يكون لديك أفضل منتج مناسب للسوق على الإطلاق، ثم في اللحظات التالية لديك 7 ملايين مجموعة في المستودع ولا أحد يريدها". ويقول أيضاً إنه لا يشعر بالقلق لجهة البحث عن اتجاه جديد، لكنه في غضون ذلك خُفض عدد العاملين في "كيراتيف" إلى نحو 4500 عامل.
"ويلكم" (Welcome)
في يناير 2020، بدأ روبرتو أورتيز وشركاؤه المؤسسون العمل في مسرّعة الأعمال "واي كومبيناتور" (Y Combinator) في وادي السيليكون بخطة لشركة ناشئة ساعدت المطاعم على إدارة عمليات الشراء بالجملة.
كان كوفيد بالفعل يجعل الفكرة تبدو هشة في أحد أيام الأحد من أوائل مارس 2020، عندما سمع موظف ضوضاء في مكتب "إير بي إن بي" (Airbnb) بسان فرانسيسكو، الذي كانوا يستخدمونه مؤقتاً. فقد توجّه هذا الموظف إلى الفناء الخلفي، ولاحظ أن النيران مشتعلة في المكان بأكمله، وكان كل فرد قد أخذ جميع أغراضه وركض، وبالتالي لم يُصَب أحد بأذى. لكن عندما عادوا إلى المكتب ورأوا بطاقات العمل المطبوعة للتو مغطاة بالرماد على طاولة غرفة الطعام، بدا الأمر واضحاً بأن الوقت قد حان للانتقال والمضي قدماً.
تفرق أورتيز وفريق العمل وانتشروا في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وحاولوا تحديد خطواتهم التالية عبر موقع الاجتماعات الافتراضية "زووم". وفي نهاية المطاف قرروا حل مشكلة واضحة، وهي كيفية جعل التجمعات الافتراضية أقل إرهاقاً.
ومن هذا المنطلق أصبحت هناك منصة "ويلكم" (Welcome) التي تساعد الشركات على تنظيم التجمعات المثمرة عبر الإنترنت.
ومما لا شك فيه أن عمليات البيع كانت سهلة العام الماضي، خلال أسوأ عمليات الإغلاق الوبائي، لكن الجميع كان يعرف أن هذا الوضع لن يدوم. وفي هذه المرحلة لا أحد متحمس على الإطلاق لحضور اجتماعات عبر برنامج "زووم". لكن لا يبدو أن العمل عن بُعد قد انتهى، ولذلك تعمل منصة "ويلكم" على تحويل تقنياتها للتعامل مع الاجتماعات الداخلية وقاعات الشركات والتوجيهات للقوى العاملة عن بُعد والهجينة.
تُخبر الشركة عملاءها بأنها تساعدهم على تعزيز ثقافة الشركة القوية حتى عندما لا يوجدون معاً على أرض الواقع. إنها حاجة يدركها أورتيز بشكل مباشر، نظراً إلى أنه يعيش الآن في بورتوريكو مع عائلته بعيداً عن زملائه.
وفي ما يتعلق بموظفيه البالغ عددهم 60 موظفاً، يقول أورتيز: "لقد مررنا بمعارك وحرائق، لكنني لم أشترِ لك قَط فنجان قهوة، ولم نذهب في نزهة مشي والتحدث مطلقاً. هناك شيء مفقود لم يوجد حل له من أجل هذا الأمر".
خلاصة القول أن شركات التكنولوجيا الصغيرة أنقذت نفسها من خلال التحول السريع نحو التركيز على تخطيط الأحداث عن بُعد أو خدمات التوصيل للمطاعم أو اختبارات كوفيد.