بدت شركات التداول المستقلة التي تخدم عملاء أفراد كأنها من مفردات الماضي منذ زمن غير بعيد، قبيل استحكام الوباء في الولايات المتحدة.
باعت شركة السمسرة "أي*تريد" (E*Trade) كيانها لبنك "مورغان ستانلي" بعد أن ساءت سمعتها إبان طفرة شركات الإنترنت. كما دخلت "تشارلز شواب" (Charles Schwab) و"تي دي إمريتريد" (TD Ameritrade)، وهما اثنتان من أكبر شركات الوساطة، في صفقة للاندماج في نوفمبر 2019، لتكوّنا متجراً يضم كل شيء من التخطيط المالي إلى الصناديق المتداولة في البورصة.
إبان ذلك كانت ثمة طفرة جديدة في صنعة الوساطة على وشك أن تبدأ، شركة "روبن هود ماركتس" (Robinhood Markets)، التي تزعمت التداول دون عمولة، والآن هي تستعد لطرح أسهمها للاكتتاب العام لأول مرة يوم الخميس. يضع الطرح العام الأولي علامة تعجب على أكثر من عام من نشاط تداول فردي مزدهرة تخللته سلسلة غرائب، مثل قيام مستثمرين عاديين بشراء أسهم شركات مفلسة منها "هيرتز غلوبال هولدينغ" (Hertz Global Holdings)، واتحادهم عبر الإنترنت لرفع الرهانات على سعر أسهم الميم أمثال شركتي "غيم ستوب" (GameStop) ، و"إيه أم سي إنترتينمنت هولدينغز" (AMC Entertainment Holdings)، إضافة إلى تدافعهم على العملات المشفرة والخيارات. لم تكن "روبن هوود" المنصة الوحيدة لهكذا تداول، لكنها كانت مفعمة بالألوان وسهلة الاستخدام عبر تطبيق الهاتف الذكي، زد على ذلك نجاحها في جذب الشباب ونموها السريع للغاية ما جعلها جزءاً من روح عصر الإغلاق.
لعبة الاستثمار
بالنسبة لمنتقديها، ساعدت "روبن هود" في جعل الاستثمار يبدو كلعبة، ما دفع المبتدئين إلى المخاطرة. تقول الشركة إنها جعلت الاستثمار متاحاً لعدد أكبر من الأشخاص بمحظورات أقل، وإن المتداولين مفرطي النشاط هم شريحة صغيرة في قاعدة عملائها.
يكمل الاكتتاب العام قصة شركة "روبن هود"، حيث كان لديها تقديرياً نحو 22.5 مليون حساب ممول في نهاية يونيو، أي أكثر من ضعف مستوى العام السابق. وجنبت الشركة لأجل الاكتتاب العام ما يصل إلى 35٪ من أسهمها لصالح مستخدميها، في محاولة لإقناع عملاء تطبيق "روبن هود" بأنه يمكنهم أيضاً المشاركة في حظوظ الشركة. بغض النظر عما سيحدث بعد ذلك بالنسبة للسهم، فقد قامت "روبن هود" بتشكيل علامة لا تمحى على الصنعة والمستثمرين عبر ما يلي:
- جعلت الاستثمار مجانياً
إيضاحاً، لم تكن "روبن هود" أول من تخلى عن العمولات، حيث سبق أن قدمت منصة "زيكو دوت كوم" (Zecco.com) البائدة لعملائها 40 تدوال أسهم مجاني شهرياً عند بدايتها في 2006، لكنها قلصت من هذا الوعد في العام التالي. في المقابل، ما كان توقيت "روبن هود" ليكون أفضل، فحين أطلقت التداول عام 2015، كانت شركات السمسرة الأخرى تفرض 5 الى 10 دولارات مقابل المعاملة الواحدة. بينما لم تتقاضى "روبن هود" أي شيء، ولم تفرض أي حد أدنى للحساب. ميزات "روبن هود" الأخرى تصمنت منح العملاء سهماً مجانياً، وأظهرت لهم ما يشتريه أقرانهم لتعطي المبتدئين مدخلاً. وساعدت شعبية تطبيق "روبن هود" في دفع المنافسين إلى توصيل عمولاتهم للصفر. في هذه المرحلة، لا يدفع المستثمرون الأفراد مقابل إجراء صفقات الأسهم على أي منصة كبيرة.
مازالت شركات السمسرة قادرة على جني الأموال من الصفقات المجانية، حيث تقوم بتوجيه الطلبات خلف الكواليس حتى تنفذها شركات التداول التي تكسب المال من تباينات صغيرة في أسعار السوق. وتدفع هذه الشركات للوسطاء عبر توجيه الطلبات نحوهم. حصلت "روبن هوود" على ثلاثة أرباع إيراداتها من خلال هذه المدفوعات المعتمدة على المعاملات في عام 2020.
- أتاحت قضمات يسيرة
روّجت "روبن هوود" أيضاً لفكرة "كسور الأسهم" التي لم تخترعها. تسمح هذه الميزة للمستثمرين بشراء جزء من سهم بما يعادل دولار واحد تقريباً بدلاً من الاضطرار لدفع 3626 دولاراً لشراء سهم واحد في شركة "أمازون دوت كوم" (Amazon.com) على سبيل المثال. يدرك الوسطاء المخضرمون بشكل متزايد أهمية تلبية المتداولين الذين ليس لديهم كثيرمال. كشفت "فيدليتي إنفستمنتس" (Fidelity Investments)، على سبيل المثال، عن برنامج يسمح للمراهقين بتداول كسور الأسهم.
تحولت في خِضمّ ذلك أثناء الصنعة من معركة بين مقدمي الخدمة ذوي التكلفة العالية وأولئك المنخفضة أكلافهم إلى مبارزة بين نموذجين منخفضي التكلفة. قبل عصر الوساطة بدون رسوم، كان الاستثمار بالفعل يتحول إلى نموذج أرخص وأسهل. حيث جعلت مجموعة "فانغارد غروب" (Vanguard Group) من خفض التكاليف على صناديقها التي تتبع المؤشرات حملة خاصة بها، متيحة لأي شخص شراء جميع الأسهم التي يشملها مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" مع دفع جزء بسيط فقط من الرسوم التي كان يتقاضاها مديرو الأموال ووسطاء الأسهم من الطراز القديم. يعتبر نموذج "روبن هود" منخفض التكلفة شيئاً مختلفاً، حيث لا يلزم بالتنويع أو تتبع مؤشر ويتيح للمستثمرين الصغار ذاتيي التوجيه شراء وبيع أسهم فردية طيلة اليوم.
- روّجت التداول المخاطر
لا تبيع "روبن هود" التخطيط المالي أو حسابات التقاعد أو الصناديق المشتركة رغم أنها تعرض الصناديق المتداولة في البورصة المتاحة لكافة الوسطاء. قال الرئيس التنفيذي، فلاد تينيف، في مقابلة العام الماضي مع بلومبرغ بيزنس ويك، إنه يشهد استخدام كثير من عملاء "روبن هود" كسور الأسهم للقيام باستثمارات متكررة في السوق. مع ذلك، فالتطبيق مصمم أساساً لتداول الأسهم والعملات المشفرة والخيارات.
الأخير بين تلكم الثلاث جدير بالملاحظة، حيث تعد الخيارات أساساً وسيلة للمراهنة على سهم ذي رافعة مالية، ما يؤدي إلى تضخيم المكاسب والخسائر المحتملة على حد سواء. مجدداً، فإن كل شركات الوساطة تقريباً تعرض الخيارات وأفضل منصة للخيارات هي "تي دي إمريتريد". لكن ساعد تطبيق "روبن هود" في تسهيل الوصول إليها. تزامن نمو شركة الوساطة مع الازدهار في المنتديات الصاخبة عبر الإنترنت مثل "وول ستريت بيتس" (WallStreetBets)، حيث روّج المستخدمون فيه بشكل متزايد لاستراتيجيات خياراتهم الخاصة بشركة "غيم ستوب" وما شابهها.
يتذكر جوش وايت، الأستاذ المساعد في الشؤون المالية بجامعة فاندربيلت، كيف كان إنشاء إمكانيات الخيارات لدى بعض الوسطاء قبل وجود "روبن هود". فبعد تقديم الطلب، قد يتصل أحد الممثلين عبر الهاتف للمتابعة. لكن اليوم، يمكن أن تؤدي بضع نقرات إلى الموافقة على تداول الخيارات على "روبن هوود". ويقول وايت: "هذا أكثر شيء يقلقني... لقد سهلوا التأهيل بكل تأكيد".
اعتبر المنظمون أن هذا أسهل من اللازم في بعض الأحيان. وافقت شركة "روبن هود" على دفع غرامة تنظيمية تناهز 70 مليون دولار عن مجموعة مخالفات مزعومة منها تساهل الرقابة على أذونات تداول الخيارات، والتي كانت ترشح خلال نظام آلي، وفقاً لهيئة تنظيم الصناعة المالية. قالت متحدثة باسم "روبن هود" آنذاك، إن الشركة استثمرت في بناء فرق لدعم العملاء وللامتثال. بشكل منفصل، لا تزال الشركة تصارع تداعيات انتحار عميل ربما يكون قد أساء فهم ما ترتب عليه من مطلوبات في صفقة خيارات. اعتذر تينيف لعائلة الرجل، وأجرت "روبن هود" تغييرات على منصة الخيارات بما في ذلك تقديم الدعم عبر الهاتف لتلك المنتجات.
- آتت بوادي السيليكون إلى وول ستريت
أظهرت "روبن هود" أنه باستخدام تطبيق جيد التصميم، يمكنك بيع منتجات استثمارية لنفس المستهلكين من الشباب، وليس بالضرورة الأثرياء، الذين تخصصت شركات التكنولوجيا في السعي إليهم. تركز المؤسسات الناشئة الأخرى بما في ذلك شركات السمسرة "إي تورو" (EToro) و"ويلبول فاينانشيال" (Webull Financial) أنظارها الآن على سوق مماثلة. يبلغ متوسط عمر مستثمري "روبن هود" 31 عاماً، ويأتي حوالي 70٪ من الأصول تحت وصايتها من عملاء تتراوح أعمارهم بين 18 و40 عاماً. يعتمد داعمو "روبن هود" الآن على قدرتها على تحويل هؤلاء العملاء إلى مستثمرين على المدى الطويل.
قال تينيف في الحملة الترويجية للشركة، إن "روبن هود" منفتحة على فكرة تقديم حسابات للتقاعد على سبيل المثال. أما عن رغبة المستثمرين بمثل هذه المنتجات عبر تطبيق التداول فهو سؤال آخر. قال هيو تالنتس، وهو من كبار المشاركين في "سي جي 42" الاستشارية: "فتحت (روبن هود) لعددٍ هائلٍ من الأشخاص مدخلا على هذه الفئة... لكن هناك لحظة يتحول فيها المرء من داخل ليغدو شريكاً مالياً حقيقياً".