في عام 1983، اشترى إيروين بيرينز، أوَّل سيارة "بوغاتي". في حينها، سحرته السيارة بكل تفاصيلها، من زخرفة المينا الملونة، ومعدن الفضة المتين المستخدم في الشارة بيضاوية الشكل، التي تدلُّ على اسم الشركة، بالإضافة إلى المحرك ذي الأسطوانات الثماني.
تحدَّث معنا بيرينز، البالغ من العمر 60 عاماً مؤخراً عبر الهاتف من منزله في بلجيكا، واصفاً علاقته بـ"بوغاتي" بالمرض، وقال: "أنا مدمن على بوغاتي".
يرأس بيرينز مجموعة "بيرينز" المتخصصة ببيع وصيانة السيارات، وسبق له أن امتلك 11 سيارة من الشركة الفرنسية البالغ عمرها 112 سنة، بينها سيارة "فيرون" طراز عام 2007 بقوة 1200 حصان بسعر 1.1 مليون دولار، وسيارة بوغاتي "طراز 52" أصلية.
لكنَّ السيارة التي ابتاعها مؤخراً كانت أقل قوة من السيارات السابقة، وأصغر حجماً أيضاً. إذ يبلغ حجمها ثلاثة أرباع سيارة السباق من الطراز "35" مكشوفة السقف.
نسخ مصغرة حجماً وسعراً
تعدُّ سيارة "بوغاتي بيبي II" هي نسخة مصغَّرة مصنوعة يدوياً من قبل شركة "ليتل كار" في أوكسفوردشاير، في إنجلترا. ويرتكز تصميمها إلى مسح رقمي دقيق للسيارة الأصلية من الطراز "35" التي كانت قد أُنتجت لمناسبة سباق "غراند بري" الفرنسي في عام 1924.
تتمتَّع سيارة "35" الفائزة بسباقات مهمة، مثل "تارغا فلوريو" في صقلية وبطولات "غراند بري" العالمية بمحرِّك ذي ثماني أسطوانات، وبمقعدين فقط. وتأتي مع عدادات دائرية الشكل، بالإضافة إلى عجلات مصنوعة من مزيج معدني.
تمَّ صنع أقل من 400 سيارة من هذا النوع، ويصل سعر النسخة الأفضل فيها اليوم إلى 3 ملايين دولار. وبالطبع، يملك بيرينز واحدةً منها في مرآبه تعود لعام 1926.
تأسست "ليتل كار" في عام 2019 كشركة متخصصة بصنع نسخ مطابقة، ولكنَّها مصغَّرة عن السيارات الأيقونية. وحين نقول مصغَّرة، فذلك يشمل السعر أيضاً، إذ يتراوح سعر هذه المركبات الصغيرة بين 37 ألف و80 ألف دولار، حسب مدى التعديلات المطلوبة.
تتشارك هذه النسخ المصغَّرة الكثير من التفاصيل الميكانيكية مع السيارات الأصلية، مثل مقدِّمة السيارة، وتقنيات امتصاص الصدمات، إلا أنَّها تعمل على بطاريات الليثيوم، والمحرِّكات الإلكترونية.
يضمُّ مصنع سيارات "ليتل كار" 25 موظفاً، يبنون هذه المركبات المبتكرة في ورشة قديمة كانت تابعة للقوات الجوية الملكية، تقع على بعد 70 ميلاً من مدينة لندن. وقد تمَّ حتى الآن بيع 90% من الدفعة الأولى من سيارات "بيبي II"، وتسليم ثلاثين سيارة منها.
للبالغين فقط
بالإضافة إلى العناصر التي جذبت الجامعين في السيارة الأصلية، مثل المقود بالأضلاع الأربعة والمقاعد الجلدية؛ فإنَّ النسخة المصغَّرة بقوة 13 حصاناً، تحتوي على بعض الترقيات العصرية الموجودة في السيارات الحديثة ذات الحجم العادي، مثل مخفف الصدمات القابلة للتعديل، ووضعيات القوة المتعددة، ومصابيح أمامية (LED)، ومحرِّك كهربائي.
يسهم نظام المكابح المتجدد من "بريمبو" في إطالة عمر البطارية، إذا قدت السيارة ضمن حدود عقارك، أو في ساحة منزلك الخارجية (من غير القانوني قيادتها في الشارع). وهي مزوَّدة بـ"مفتاح سرعة" خاص يطلق العنان لكامل قوة البطارية البالغة 10 كيلوواط، ويعزز محدد السرعة البالغ 30 ميلاً في الساعة، الذي يكون عند وضعيات قوة أدنى في الحالات العادية، تماماً كما توجد مفاتيح خاصة تمنح سيارة "بوغاتي شيرون" العصرية قوة وسرعة إضافيتين. ويقول بيرينز، إنَّ "هذه ليست سيارة للأطفال، بل للبالغين".
تزخر السوق اليوم بالسيارات المصغَّرة الموجهة للأطفال، من سيارة "تسلا" البالغ سعرها 600 دولار للأطفال دون السنوات العشر، إلى مكعبات الليغو على شكل "بوغاتي شيرون" التي يكاد تركيبها يحتاج إلى شهادة جامعية. حتى أنَّ بعضها يذكِّر بسيارات "غو كارت" المضحكة التي يقودها أعضاء منظمة "شرينرز" في الاستعراضات المحلية ليبعثوا البهجة في قلوب الأطفال.
إلا أنَّ مؤسس "ليتل كار" المهندس الميكانيكي البريطاني بن هيدلي، والعضو السابق في فريق التزلج الأولمبي لبلاده، يملك أسباباً أكثر نضجاً لتقديم نسخته من السيارات الصغيرة. ويقول هيدلي البالغ من العمر 44 سنة: "نريد من الجيل الجديد أن يرغب بهذه السيارات".
مصدر وحي السيارات الكلاسيكية
يضيف هيدلي، أنَّه بالنسبة إلى 40% من زبائنه الذين يملكون سيارة "بوغاتي" حقيقية سواء كلاسيكية أو عصرية (أو الاثنتين معاً)، فإنَّ هذه السيارة المصغَّرة تقدِّم لهم حلاً وسطاً بين التوتر الناجم عن قيادة السيارة الأصلية التي تعدُّ قطعةً نادرة غير قابلة للاستبدال، ومن أغلى السيارات في العالم، وبين عدم التمتُّع بها على الإطلاق.
يقول هيدلي: "كان من المهم تقديم سيارات يمكن للناس أن يستمتعوا بها بدون أن يقلقوا"، مشيراً إلى أنَّ سياراته موجَّهة للأشخاص ابتداءً من عمر 14 عاماً. ويضيف أنَّ "الكثير من السيارات الجميلة من الماضي قيمتها كبيرة بشكل لا يتيح لك أن تقودها كلّ يوم. وإذا كنت تملك سيارة "أستون مارتن دي بي 5"، وقدتها في جولة لمسافة ألف ميل، فإنَّ ذلك سيقتطع 50 ألف دولار من سعرها".
يقدَّر متوسط سعر سيارة "دي بي 5" التي قادها جيمس بوند في فيلم "غولد فينغر" بأكثر من مليون دولار، ولهذا السبب شكَّلت مصدر وحي للسيارة الكلاسيكية المصغَّرة التالية التي تعتزم شركة هيدلي طرحها في السوق. فبعد ثمانية وخمسين عاماً على طرح السيارة الأصلية، تطلُّ "دي بي 5 جونيور" بحجم يبلغ 66% من حجم السيارة الأصلية، مع دفع خلفي، وقدرة كهربائية، وأوضاع قيادة متعددة وسرعة قصوى تصل إلى 50 ميلاً في الساعة.
ومن المقرر أن يبدأ إنتاج هذه السيارات في نهاية عام 2021، على أن يتمَّ صنع 1059 وحدة، تبدأ أسعارها من 35 ألف جنيه إسترليني (48 ألفاً و600 دولار).
تلبية طلب المُصنعين الأصليين
تعتزم الشركة طرح ستَّة أنواع سيارات مصغَّرة في السوق في خلال السنوات المقبلة، في حين يُتوقَّع أن تكشف عن شراكتين جديدتين مع شركات سيارات فاخرة في وقت لاحق هذا العام، بحسب هيدلي. وتمَّت صناعة كل النسخ المصغَّرة بالتعاون مع المصنع الأصلي للسيارة الذي تمَّت محاكاته. وكانت "بوغاتي" قد تواصلت مع هيدلي في عام 2018 لصناعة "بيبي II" فيما كان يعمل في مجال مشابه، إذ يصمم سيارات "جونيور" مصغَّرة حسب الطلب.
وأشار هيدلي إلى أنَّ شركات سيارات أخرى طلبت نسخاً مصغَّرة خاصة بها. فبالنسبة لصنَّاع السيارات، تتيح لهم هذه النسخ المصغَّرة الفرصة لبناء علاقة متينة مع السائقين المراهقين الميسورين، من أجل الربط ما بين السيارات والشعور بالمتعة، حتى إن كانوا ما يزالون في سنٍّ لا يخوِّلهم الحصول على رخصة قيادة.
يقول هيدلي، إنَّه ما إن يرى المُصنّع الأصلي مدى جودة المنتج، حتى يقتنع على الفور. ويضيف: "في حال سيارة أستون مارتن، شاهدوا الذي قمنا به مع بوغاتي بيبي، واقتنعوا بقدراتنا وبمستوى الجودة".
40 ميلاً في الساعة
تصل سرعة "بوغاتي بيبي II" إلى 31 ميلاً في الساعة بشحنة واحدة لبطاريتها التي تبلغ طاقتها 2.8 كيلوواط في الساعة، أو كما أثبت اختبار قيادتها مؤخَّراً في ميدان سباق "ويلو سبرينغز" الدولي في الصحراء قرب لوس أنجلوس. ويمكن أن تسير بهدوء لمدة ساعتين حول واحد من أقدم ميادين السباق في أمريكا. ركوب هذه السيارة سهل، اقفز داخلها، أدرها، وانطلق، ولكنَّ مغادرتها ليس بتلك السهولة.
كنت أظنُّ في البداية أنَّ هذه المركبة ما هي إلا سيارة "غو كارت" منمَّقة، واعتبرها دون مستواي، ولكن سيارة "بيبي II" شكَّلت مفاجأة سارة لي بفضل قيادتها الانسيابية، ومكابحها المستجيبة.
وقد وجدت نفسي أتشبث بالمقود، وأميل عند المنعطفات، مثل مجنونة أدرينالين، في حين كنت أقود على المسار المحدد محاولة كسر توقيتي السابق. وفق حساباتي، تصل السرعة القصوى لهذه السيارة إلى 40 ميلاً في الساعة، طبعاً ليست بقدرة "بوغاتي شيرون" التي كانت أول سيارة تحطِّم الرقم القياسي للسرعة، وتصل إلى 300 ميل في الساعة. ولكن مع سقفها المكشوف، وارتفاعها "إنشات" قليلة عن الأرض، يكفي ذلك لجعل حتى أكثر السائقين رصانة يبتسم على مدى الأسبوع. وأنا من بينهم.
جزء من تاريخ العلامة التجارية
على الرغم من الجودة العالية؛ فإنَّ عدد الزبائن المهتمين بمثل هذه السيارات ليس كبيراً. وهناك 90% من المبيعات تؤول إلى جامعي المقتنيات، ومحبِّي القيادة في إنجلترا، وفرنسا، وألمانيا، والولايات المتحدة، بحسب ما أفادت به الشركة. وبالنسبة لبعضٍ منهم، فإنَّ اقتناء هذه السيارات المصغرة هو لمجرد اللهو، إذ قال أحد الزبائن لهيدلي: "أريد أن أقود هذه السيارة حتى أجذب السيدات".
بالنسبة لآخرين، يتعلَّق الأمر بالعائلة. وبالعودة إلى بلجيكا، فإنَّ إيروين بيرينز، متحمِّس جداً ليتشارك سيارة "بوغاتي بيبي II" مع حفيده الأول، ويصفها بـ"المزيج المثالي" ما بين الأجيال. كما أنَّ التوقيت ممتاز، فابنه سيستقبل مولوده الأول في وقت لاحق هذا العام.
يقول بيرينز: "بالنسبة لي، هذا جزء من تاريخ العلامة التجارية". وتأتي سيارته باللون الأزرق الذي تستخدمه سيارات السباق الفرنسية، وكانت من ضمن أول خمس سيارات يتمُّ تسليمها. ويضيف: "إنَّها مزيج من القديم النقيّ، وهي سريعة وجميلة، ومزوَّدة بتكنولوجيا جديدة".
يعتزم بيرينز أن يتسابق بهذه السيارة في ساحة منزله ضد اثنين من أصدقائه كانا أيضاً قد طلبا مثل هذه السيارات. وإياكم أن تصفوها بـ"اللعبة"، فسيارة "بوغاتي بيبي II" أكبر من ذلك بكثير.