أدى طرح لقاحات كوفيد-19 إلى اختزال أسماء العلامات التجارية لصانعي الأدوية، الذي يحدث عادة لأسماء المنتجات الاستهلاكية العادية، إذ يتحدَّث الناس اليوم عن حصولهم على "فايزر"، و"موديرنا"، و"جونسون آند جونسون"، و"أسترا"، كحديثهم عن شرائهم ورق "الكلينكس"، أو بوظة "البوبستكلز". وتمتلك شركات الأدوية هذه عقوداً لتسليم المليارات من الجرعات، حتى يبدو أنَّها لم تترك مجالاً لأيِّ شركات وافدة جديدة. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا ما تزال العشرات من الشركات المتفائلة تعمل على تحضير اللقاح أيضاً؟
الإجابة ببساطة؛ صحيح أنَّ الروَّاد الأوائل سيحققون أرباحاً هائلة، إلا أنَّ المشكلة كبيرة بما يكفي - والتحديات المستمرة شاقة بما يكفي أيضاً- لإفساح المجال أمام عدد قليل من الشركات الأخرى، على الأقل لدخول المضمار.
فعلى سبيل المثال، ارتبطت اللقاحات من شركتي "جونسون آند جونسون" و"أسترازينيكا" اللتين دخلتا السوق بقوة بجلطات دموية نادرة، مما أدى إلى إبطاء استخدام هذين اللقاحين، في حين أنَّ متطلَّبات المحافظة على لقاحات الحمض النووي الريبي من "فايزر-بيونتيك"، و"موديرنا" مكلفة، وتحتاج إلى ظروف تخزين خاصة، مما يعني أنَّ الحكومات في الأماكن الفقيرة سوف تبحث عن بديل أرخص، وأكثر سهولة في الشحن. كما يفتح ظهور نسخ متحوِّرة جديدة من الفيروس الباب أمام لقاحات جديدة تستهدفها.
11 لقاحاً جديداً
تقول "سوميه سواميناثان"، كبيرة علماء منظمة الصحة العالمية: "صحيح نحن مسرورون باللقاحات التي لدينا، ونحن محظوظون جداً لأنَّه اتضح أنَّ هذه اللقاحات تتمتَّع بمثل هذه الفعالية العالية وبنسبة أمان جيدة، إلا أنَّه يمكننا أن نقوم بتحسينها أكثر".
وقد تمَّ إعطاء الضوء الأخضر لأحد عشر لقاحاً من بلدان، مثل: الصين، وروسيا، والهند للاستخدام في بلدان مختلفة، بناءً على ما أفادت به شركة البحوث "إيرفينيتي". وتقول منظمة الصحة العالمية، إنَّ هناك 93 لقاحاً حول العالم في مرحلة التجارب السريرية على البشر، فضلاً عن 184 لقاحاً إضافياً في مرحلة الدراسات المخبرية. وعلى الرغم من أنَّه لن يكون هناك طلب بحجم هذه الأرقام، إلا أنَّ مجموعة من الوافدين الجدد لديهم فرص قوية في سوق من المحتمل أن تقترب مبيعاته من 50 مليار دولار هذا العام وحده.
تجارب متأنية
تعمل شركة "كيور فاك" الألمانية الصغيرة التي تعاونت مع شركة تصنيع السيارات "تسلا" لصنع "طابعات" للأدوية المحمولة، على تطوير لقاح يعتمد على الحمض النووي الريبي الذي من شأنه تحويل خلايا الجسم إلى مصانع لقاحات صغيرة، مثلما فعلت شركتا "فايزر-بيونتيك"، و"موديرنا". إلا أنَّ شركة "كيور فاك" عملت بشكل متأنٍّ، فقد أجرت تجارب على الحيوانات، وهي تعمل على صنع نسخة مستقرة يمكن تخزينها على درجات حرارة الثلاجة، على عكس التجميد العميق المطلوب للجيل الأول من لقطات الحمض النووي الريبي. ومن المقرر أن تظهر نتائج التجارب السريرية قريباً، التي إن كانت إيجابية، فستسمح أوروبا باستخدامها بحلول شهر يونيو، كما قالت شركة "كيور فاك". كما أنَّ الشركة تعمل مع شركة الأدوية العملاقة في المملكة المتحدة "غلاكسو سميث كلاين"على لقاح الجيل التالي الذي من شأنه أن يحمي من سلالات متعددة من الفيروس.
صعوبة تطوير اللقاحات
هناك أيضاً شركة "نوفافاكس"، الشركة الأمريكية المتخصصة في تطوير لقاحات، التي تعمل في هذا المجال منذ أكثر من ثلاثة عقود، إلا أنَّها لم تطرح منتجاً في السوق بعد. وكانت الشركة قد أخبرت المستثمرين أنَّها قد تحصل على تصريح من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بحلول شهر مايو، كما أنَّ الرئيس جو بايدن قام بذكرها في احتفال بالبيت الأبيض في شهر إبريل. وهناك أسباب قوية للاعتقاد بأنَّ الشركة سوف تنجح. فقد نشرت الشركة بالفعل بيانات بريطانية تظهر فعالية بنسبة 89.7% ضد أعراض كوفيد-19، وهي تنتظر نتائج دراسة أكبر في الولايات المتحدة. وقال "ستانلي إرك"، الرئيس التنفيذي لشركة "نوفافاكس" للمستثمرين: " لدينا منتج من الواضح أنَّه يتصدَّر قائمة اللقاحات".
كما من المتوقَّع أن يتمَّ أيضاً إنتاج لقاح مشترك بين شركتي "غلاكسو"، و"سانوفي" قبل نهاية العام. فقد تمَّ تأجيل هذا اللقاح العام الماضي بعد النتائج المخيبة في اختباراته على كبار السن، التي أظهرت كيف يمكن أن يكون تطوير اللقاح صعباً. ومع ذلك؛ فإنَّ نتائج التجارب الجيدة مع نسخة أقوى من المنتج سوف تُدخل الفريق في المنافسة. ويعتمد لقاحهم على الحمض النووي المؤتلف، وهي التقنية التي تستخدمها شركة "سانوفي" في لقاحات الإنفلونزا. كما تعمل شركة "سانوفي" على لقاح يعتمد على الحمض النووي الريبي مع شريك آخر، الذي يمكن أن يصبح متاحاً بحلول الربيع المقبل. قال توماس تريومف، رئيس وحدة اللقاحات في شركة "سانوفي"، للمستثمرين في شهر إبريل: "نحن نتعلَّم شيئاً جديداً كل يوم. وهو ما ينطبق على جميع أنواع اللقاحات المختلفة. وسوف نواصل التعلم".
حبوب ولصقات
لا يترك هذا كله مساحة كبيرة لأيٍّ وافدين جدد في وقت لاحق، إلا أنَّ شركات عديدة تصرُّ على أنَّه ما يزال بإمكانها تقديم شيء فريد من نوعه. ويسعى بعضهم إلى صنع لقاحات أثبتت فعاليتها للفئات المعرضة للخطر مثل مرضى السرطان، في حين يقوم آخرون بتطوير حبوب، التي يمكن أن تسرِّع من برامج التحصين، أو منتجات مشابهة للصقة النيكوتين التي يمكن أن تقدِّم اللقاح بتكلفة زهيدة، وتقيس الاستجابة المناعية للشخص. تقول شركة "فالنيفا" الفرنسية، التي تستخدم نسخة غير مفعلة من الفيروس، إنَّ نهجها قد يؤدي إلى تعزيز جيد يحمي من المتغيرات التي يمكن ألا تستجيب للقاحات الأكثر استهدافاً. وتعمل شركة "ألتيميون" في ولاية ماريلاند، على تطوير رذاذ للأنف، الذي تقول عنه، إنَّه سيكون أكثر فعالية من الحقن؛ لأنَّه سيتمُّ توصيل اللقاح مباشرة إلى الجهاز التنفسي. وقال الرئيس التنفيذي فيبين غارغ في مكالمة أرباحها: "إذا استوطن كوفيد-19 وأصبح مزمناً، فسنحتاج إلى تعزيزات سنوية. لذلك لا يهم حقاً ما كان نوع اللقاح الذي تلقَّاه الناس في البداية".
ما يزال العالم ينتظر حلم لقاح كوفيد-19، أي جرعة واحدة غير مكلفة، وفعَّالة للغاية، وسهلة التوصيل، ولا توجد وراءها أيَّة مخاوف تتعلَّق بالسلامة. يقول "رافيندرا غوبتا"، أستاذ علم الأحياء الدقيقة الإكلينيكي في معهد جامعة كامبريدج لعلم المناعة العلاجية والأمراض المعدية، إنَّه مع استمرار عدم وضوح طريقنا للخروج من الجائحة في ظل انتشار النسخ المتحوِّرة، وترنُّح بلدان مثل الهند تحت وطأة الإصابات المسجلة العالية، فإنَّه من الذكاء مواصلة العمل على مجموعة واسعة من التقنيات. يقول غوبتا: "لا نعرف حقاً ما الذي سيكون أكثر فاعلية على المدى الطويل. وكلما توفَّرت لدينا خيارات أكثر، كان ذلك أفضل".