أثناء قيام "روكسي ميوزيك" Roxy Music بإطلاق ألبومها الثاني في عام 1972، شعر عازف آلة المزج الموسيقي الإلكترونية براين إينو، بأن ضغط استوديو التسجيل يدفع إبداعه إلى الفتور. ففي حالة الضغط، على حد قوله، "تميل إلى العودة للحلول القديمة، ولا تريد أن تخاطر في طريق لن يؤتي ثماره على الإطلاق، بل وتبقى في مكانك لأنك لست متحمساً لشيء".
لتهدئة أعصابه ولتذكير نفسه بأن الأخطاء يمكن أن تفتح فرصاً جديدة، التقط إينو بطاقة ملاحظات كتب فيها؛ "احترم خطأك وانظر إلى ما يحمله من نوايا خفية". وعلى مدار الشهور القليلة التالية، كتب إينو عبارات حكيمة على عشرات البطاقات الأخرى مثل "ثق في شخصيتك الآنية"، و"زيّن ثم زيّن".
في عام 1975، طبع إينو والرسام بيتر شميدت إصداراً محدوداً مكوناً من 500 مجموعة من البطاقات، تحت عنوان "الاستراتيجيات المائلة.. أكثر من مئة معضلة جديرة بالاهتمام"، لتحتوي كل مجموعة على 113 تعليما إرشاديا، يقوم الفنان برسمها عشوائياً عندما يفتر إبداعه. وطوال السبعينيات من القرن الماضي، قام الاثنان بابتكار ثلاثة إصدارات محدودة من مجموعة البطاقات، تم تعديلها طفيفاً قبل ترجمتها إلى الفرنسية واليابانية.
ويقول إينو إن الفكرة هدفت إلى مساعدة المستخدمين على وضع أنفسهم في مواقف غير مألوفة، مما يجبرهم على الانتباه والنظر إلى الموقف من منظور مختلف. وفي عام 1977، استخدم إينو وديفيد بوي البطاقات في الرسم، لتخطي حدود إبداعاتهما أثناء تسجيل ألبوم "هيروز إن برلين" Heroes in Berlin.
اليوم، اختلف الوضع. فأصبحت تلك البطاقات متاحة على نطاق أوسع، واستخدمها أمثال الشيف والكاتب الشهير إيان كناور، والشاعر سيمون أرميتاج. ويقول إينو إنه التقى ذات مرة بطبيب متخصص في جراحة المخ، ادّعى استخدامها في عمله، مضيفاً: "قلت له توقف عن ذلك، فلقد تم تصميمها للفنانين وليس للعلماء".
الوصول لمرحلة الإبداع
بدأت في السنوات الأخيرة المؤسسات تدرك أن الإبداع ليس مرهوناً فقط بفنان يحمل لوحة الرسم أو شاعر جاثم على دفتر ملاحظاته. فمن الخطأ الاعتقاد، وفقاً لقول الشريك المؤسس لمعهد كوبنهاغن للإبداع العصبي بالدر أونارهايم، أن بعض الأشخاص مبدعون والبعض الآخر ليس كذلك.
وينظر علماء الأعصاب إلى الإبداع على أنه مهارة معرفية تماماً مثل الرياضيات أو الذاكرة، التي يمكن تعلّمها وقياسها وتقويتها. ففي عصور ما قبل التاريخ، على حد قول أونارهايم، كان من المرجح أن يعيش رجل الكهف يوماً آخراً جديداً بسبب إيجاده طريقة لصد هجمة أسد أو تشتيت انتباهه بدلاً من الهروب مع بقية الحشد. يقول أونارهايم: "أنت تتفوق على الآخرين بفضل صنعك لأداة تخيف بها الأسد أو أي شيء آخر. لدى الشخص الذي يفكر بشكل مختلف عن البقية فرصة أفضل في النجاة".
بالمثل، يمكن للإبداع اليوم أن يمنح الناس ميزة تنافسية في أي مهنة بدءاً من مكافحة الحرائق إلى تجارة النفط، لأن التحدي، وفقاً لقول أونارهايم، يكمن في معرفة وقت الحاجة إلى الإبداع وكيفية القيام بذلك. ويتطلب الإبداع الكثير من الطاقة، كما صُمّم الدماغ للحفاظ عليها، خصوصاً في المواقف العصيبة، لذلك "سيتمكن العقل من إعادة استخدام نمط قديم، إذا استدعى الأمر ذلك. وفي الواقع، يتعلق الأمر بالنسبة لمعظم الناس، بمعرفة الوقت المناسب لدفع عقولهم بعيداً عن الطريقة العادية للتعامل مع الأشياء"، بحسب ما أوضحه أونارهايم.
عند البحث عن مصادر الإلهام، يبحث العديد من الأشخاص عن أفكار حول قضايا مشابهة لتلك التي افتتنوا بها منذ البداية. ويرى أونرهايم أن عبقرية الاستراتيجيات المائلة تكمن في اعتمادها على عنصر العشوائية لكسر القالب المعتاد. إنه نفس السبب الذي يؤدي بالناس غالباً إلى ابتكار أفضل ما لديهم أثناء الاستحمام أو في نزهة عبر الغابة بدلاً من الجلوس على المكاتب.
[object Promise]