شكّل سقوط حكم عائلة الأسد في سوريا نهاية الأسبوع الماضي، صدمة ربما كان بالإمكان توقعها. يشرح بول والس من بلومبرغ اليوم كيف أضعفت سنوات من الحرب الأهلية الحكومة واقتصاد البلاد.
قبل أسبوعين فقط، بدت سوريا مستقرة، والرئيس بشار الأسد مطمئناً. صحيح أن البلاد كانت غارقة في حرب أهلية مستمرة منذ 13 عاماً، لكن الصراع كان في حالة جمود. فالأسد يسيطر على العاصمة دمشق ومدينة حلب، ثاني أكبر مدن سوريا، معتمداً على دعم روسيا وإيران. في المقابل، كانت أقوى الجماعات المتمردة التي تتحدى حكمه الديكتاتوري محصورة في جيب صغير شمال غرب البلاد.
تآكل مؤسسات الدولة
لكن الزحف السريع لمقاتلي هيئة تحرير الشام قلب كل الموازين. فقد فرّ جنود الأسد أمام القوات المتقدمة، وفي كثير من الأحيان ألقوا بأسلحتهم دون قتال. وتمكن المتمردون من السيطرة على مدينة تلو الأخرى في غضون أيام قليلة، حتى وصلوا إلى العاصمة دمشق، فيما كان الأسد في طريقه إلى موسكو.
يكشف ما جرى عن مدى التآكل الذي أصاب مؤسسات الدولة السورية بعد سنوات من الحرب وأكثر من نصف قرن من حكم بشار الأسد ووالده حافظ. وقالت داليا فهمي، مديرة قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في جامعة لونغ أيلند "هذه نهاية حقبة في العالم العربي، ربما هي واحدة من أهم اللحظات منذ الحرب العالمية الثانية وإنشاء دولة إسرائيل عام 1948".
عمّت الاحتفالات في شوارع دمشق والمدن السورية الأخرى فور إعلان سقوط الأسد، وشارك السوريون في مدن العالم التي لجأوا إليها هرباً من ويلات الحرب أجواء الفرح هذه. حتى أن كثيرين بدأوا التخطيط للعودة إلى وطنهم، أملاً في المساهمة بإعادة بناء دولتهم واقتصادها المنهار.
وفقاً لوكالات الأمم المتحدة، أودت الحرب بحياة ما يصل إلى 500 ألف شخص، وأجبرت أكثر من 10 ملايين على النزوح داخل سوريا وخارجها. كما انهار الاقتصاد السوري، حيث تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنحو 90% خلال العقد الأول من الحرب، بحسب البنك الدولي. ومع تركز إنتاج النفط في مناطق سيطرة الثوار، لم يعد الأسد قادراً على الاعتماد على هذا القطاع من أجل دعم موازنته. وفي ظل هذه الأزمة، أصبحت سوريا واحدة من أكبر الدول إنتاجاً للمخدرات واتجاراً بها.
ترقب المستقبل
بعد كل هذا التهجير والدمار، تسيطر المخاوف بشأن ما سيحمله المستقبل. فلا يزال من غير الواضح من سيتولى الحكم في سوريا، خاصة أن ما لا يقل عن ستة تنظيمات مختلفة، بما فيها تنظيم الدولة الإسلامية، تسيطر على مناطق متفرقة من البلاد.
في الوقت الراهن، تُعد هيئة تحرير الشام القوة الأكثر نفوذاً على الأرض. هذه المنظمة الإسلامية السنية، التي كانت مرتبطة بتنظيم القاعدة حتى عام 2016، تزعم اليوم أنها تخلت عن جذورها الإرهابية، متعهدة بعدم التمييز ضد أي شخص بناءً على انتمائه الديني أو العرقي أو الجنسي. ومع ذلك، لا تزال الشكوك تحيط بهذه الادعاءات، ولا تزال الهيئة مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والعديد من الدول الأخرى.
أكبر الخاسرين هما روسيا وإيران، اللتان دعمتا الأسد بالعديد والعتاد، ما مكّنه من الصمود طوال هذه المدة. ولكن مع انشغال موسكو بحربها في أوكرانيا، والضربات التي تعرضت لها الميليشيات التابعة لإيران، وعلى رأسها حزب الله في لبنان، خلال صراعها مع إسرائيل، لم تتمكن أي من الدولتين من تقديم الدعم للأسد هذه المرة. واليوم، يواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطر فقدان قاعدته البحرية الوحيدة في البحر الأبيض المتوسط. ومن المرجح أن إيران لن تعود قادرة على نقل الأسلحة والجنود إلى حلفائها الذين يقاتلون إسرائيل.
ورغم أن إسرائيل ليست صديقة للأسد، وفي الظروف العادية كانت سترحب بسقوطه، إلا أنها أرسلت قوات لتعزيز حدودها. وأعرب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن قلقه مما قد يحدث في المستقبل.
في غضون ذلك، تراقب الولايات المتحدة والقوى الأوروبية ما يحدث عن كثب، رغم أنها لا تستطيع التدخل بشكل فعّال حتى يبدأ الضباب بالانقشاع. من جانبه، كان الرئيس المنتخب دونالد ترمب واضحاً في موقفه، حيث أعلن أنه يريد أن تبقى الولايات المتحدة جانباً. وقال في تعليق عبر وسائل التواصل الاجتماعي "هذه ليست معركتنا، لا تتدخلوا!".