شركة "ساينس" لماكس هوداك تبيع أجهزة وبرامج إلكترونية تسهّل على الباحثين سبر أغوار الدماغ

شركة تقنية تطور منتجاً قد يساعد على علاج إعاقات بالبصر والكلام

جهاز "ساي فاي" من شركة "ساينس" - بلومبرغ
جهاز "ساي فاي" من شركة "ساينس" - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

ازدهرت صناعة الغرسات الدماغية خلال العقد الماضي بعدما استثمرت شركات مثل "نيورالينك" (Neuralink) و"بريسيجن نيوروساينس" (Precision Neuroscience) و"سينكرون" (Synchron) عشرات ملايين الدولارات لتطوير أجهزة دقيقة تنقل المعلومات مباشرة من الأدمغة البشرية إلى كمبيوترات. 

لكن برغم التطور الهائل الذي حققته هذه الشركات الناشئة، ما يزال عدد من الشركات والباحثين الآخرين يعتمدون على تقنيات أقلّ تقدماً، محصورة بالمجال الأكاديمي والبحوث السريرية.

يسعى ماكس هوداك، وهو أحد مؤسسي "نيورالينك" لتقليص هذه الفجوة. فقد طوّرت شركته "ساينس كورب" (Science Corp) التي تتخذ في ألاميدا بولاية كاليفورنيا مقراً لها، عدة منتجات جديدة مصمّمة لتقليص الكلفة والوقت الذي يستغرقه التطوير داخل المختبرات البحثية والشركات الناشئة الساعية لسبر الدماغ.

وهو يأمل أن تسهم هذه الأدوات في تسريع البحوث المتعلقة بالدماغ، ما يساعد في اكتشاف علاجات لبعض الأمراض التي تسبب إعاقات للبشر. قال: "نهدف لأن تصبح صناعة واجهات تفاعل الدماغ مع الحاسوب أكبر بمئة مرة ممّا هي عليه."

هوداك برفقة فيشنو ساسيكومار وماكس روثمان، العضوين في فريق العلوم الإلكترونية لدى شركة
هوداك برفقة فيشنو ساسيكومار وماكس روثمان، عضوا فريق العلوم الإلكترونية لدى "ساينس كورب"

تستند استراتجية هوداك إلى تقنية السبر لشركة "ساينس"، وهي مجموعة رقائق وأجهزة تحمل علامة "أكسون" (Axon) التجارية، وهي تتيح الاتصال بآلاف الخلايا العصبية والتسجيل منها وتحفيزها في آن معاً. يعمل نظام السبر مع حاسوب محمول يسمى "ساي فاي" (SciFi)، وهو يجمع البيانات ويحللها، إلى جانب برنامج "نكسوس" (Nexus) الذي يُستخدم لإجراء تجارب متزامنة عبر عدد من المسابر.

تستهدف هذه المعدات في المرحلة الأولى العلماء الذين يجرون البحوث التأسيسية والباحثين الذين يجرون دراسات على الحيوانات. وتخطط "ساينس" مع مرور الوقت لإطلاق مجموعة أوسع من المنتجات، بينها ما يتلاءم بشكل أفضل مع الشركات الناشئة التي تجري دراسات على البشر. قال هوداك: "ما يزال العلماء يستخدمون تقنيات من الثمانينات... سنساعدهم على الانتقال إلى 2024 مع هذه المجموعة الأولى من المنتجات، وسنستمر في صقل هذه التقنية ثمّ نطبقها على البشر".

ابتكارات واستثمارات ضخمة

أجرى هوداك أول تجارب له على الدماغ داخل غرفته في مهجع جامعة "ديوك"، فبنى بنفسه جهازاً قادراً على تحفيز مجموعة من الخلايا العصبية لدى الفئران. وفي 2016، أسس شركة "نيورالينك" الناشئة المتخصصة بالغرسات الدماغية التي يدعمها إيلون ماسك، وترأسها قبل أن يغادرها ليؤسس شركة "ساينس" في 2021. 

ركزت "ساينس" معظم أعمالها في البداية على الغرسات البصرية التي تزرع تحت الشبكية لمساعدة المصابين بأمراض، مثل التنكس البقعي واعتلال الشبكية الصباغي، على الإبصار. وتجري حالياً تجارب سريرية باستخدام هذه التقنية وما تزال تعتبرها نشاطاً محورياً. إلا أن هوداك رصد فرصة سانحة للاستفادة من بعض المنتجات التي طورتها "ساينس" من أجل أعمالها الخاصة وإتاحتها لشركات أخرى من القطاع.

ركن مختبر في شركة 'ساينس'
ركن مختبر في شركة "ساينس" - بلومبرغ

بدأ العلماء بغرس الأجهزة الإلكترونية في أدمغة الحيوانات والبشر قبل عقود، لكنهم لا يزالون في كثير من الأحيان يصنعون معداتهم وبرامجهم الإلكترونية من الصفر. أما الأجهزة شائعة الاستخدام حالياً فهي غالباً ما تستند إلى تقنيات مضى عليها أمد طويل، ولم تلحق بركب منحنيات التكلفة والأداء السائدة في مجالات الإلكترونيات والحوسبة الأخرى. مع ذلك، تمكنت عدة شركات ناشئة في مجال الغرسات الدماغية من تجاوز بعض هذه القيود في السنوات الماضية بفضل الابتكار والاستثمارات الضخمة. 

على سبيل المثال، صنعت "نيورالينك" غرسة تتيح التواصل لاسلكياً وتتسع داخل فتحة بحجم عملة معدنية في جمجمة المريض دون أن تبرزها، وهذا تقدم كبير مقارنة بالأجهزة الشائعة التي تتطلب تركيب معدات كبيرة مربعة الشكل على رؤوس الحيوانات والبشر، متصلة سلكياً بأنظمة معالجة بيانات بحجم فرن مايكرويف. 

مكّنت هذه الابتكارات أشخاصاً مشلولين من ممارسة أعمال وبعض الألعاب الإلكترونية عبر الإنترنت من خلال تحريك المؤشر على شاشات الكمبيوتر بواسطة أفكارهم. كما يمكن لهذه الغرسات أن تحوّل الإشارات العصبية إلى كلمات، فتتيح لمن يعانون أمراضاً مثل التصلب الجانبي الضموري أن يحولوا أفكاراً يرغبون بقولها إلى رسائل تظهر على شاشة الكمبيوتر.

قطع إلكترونية لا تزال قيد البناء تستخدم لصنع مسابير
قطع إلكترونية قيد البناء تستخدم في صنع مسابر "أكسون"- بلومبرغ

انخفاض الكلفة

عملت "ساينس" على تطوير مستوى الأدوات التقليدية في مجال علوم الدماغ لتبلغ مستوى المنتجات الإلكترونية الاستهلاكية. تأتي مسابر "أكسون" مع رقائق متخصصة تتيح لأجهزة الكمبيوتر فهم الإشارات التناظرية التي ينتجها الدماغ من خلال تحويلها إلى إشارات رقمية، كما يمكنها التعامل مع كميات أكبر بكثير من البيانات مقارنة بالأجهزة العادية. أما نظام الحوسبة "ساي فاي"، الذي يشبه هاتفاً ذكياً بحجم كفّ اليد، فيجمع البيانات من عدة مسابر ويعالجها ويرسلها عبر الواي فاي إلى أجهزة الكمبيوتر.

جهاز إلكتروني مزوّد بشاشة
شخص يحمل جهاز "ساي فاي"

تبدأ أسعار المسابر من 500 دولارا للمسبر الواحد، بينما يبلغ سعر وحدة "ساي فاي" ألف دولار. قال سومنر نورمان، الرئيس التنفيذي لشركة "فورست نيوروتك" (Forest Neurotech) التي تستخدم الموجات فوق الصوتية لتقييم صحة الدماغ، إن السعر الإجمالي للمنتجَين معاً يقلّ عن عُشر تكلفة المعدات التقليدية. أضاف: "تصنيع مسبار ونظام حوسبة متطورين بتكلفة معقولة يكاد يكون مستحيلاً حالياً، خاصة في ظل ميزانيات معظم المختبرات والشركات الناشئة الصغيرة"، إلا أن شركة هوداك "تحاول تغيير هذا الواقع".

إلى جانب الأجهزة، تأمل "ساينس" أن يستخدم عملاءها برنامج "نكسوس" (Nexus) وبروتوكول البيانات المرافق له "سينابس" (Synapse) لإعداد التطبيقات بدل أن يحاولوا كتابة برمجياتهم بأنفسهم. 

قال هوداك: "لقد كتبت هذا البرنامج سبع مرات في حياتي لصالح عدة مختبرات وشركات مختلفة... بدل البرمجيات التقليدية التي يكتبها طلاب الدراسات العليا وحاملو درجة الدكتوراه حديثاً، أردنا تقديم برنامج حديث يلائم أغراض القطاع ويتميز بالسرعة وقابلية التوسع لمعالجة مئات التيرابايت من البيانات التي يتطلبها التعامل مع كل هذه الأجهزة".

حاجة لمزيد من العمل

تدير ماكنزي ماثيس مختبراً للأبحاث الدماغية في المعهد الاتحادي السويسري للتقنية، حيث تقضي وقتاً طويلاً في إجراء اختبارات على الفئران، وقد أعربت عن حماستها لما ستحصل عليه من نتائج من مراقبة الحيوانات وهي تتحرك داخل أقفاصها دون حاجة لربطها بأنظمة حوسبة. قالت: "القدرة على تسجيل ديناميكيات الدماغ لدى الحيوانات خلال الحركة سيكون أمراً ثورياً". وأشارت إلى أن الأنظمة اللاسلكية المتوفرة حالياً تستطيع تسجيل "عدد محدود جداً من الخلايا العصبية في وقت واحد"، بينما أجهزة "ساينس" قادرة على تسجيل مئات الخلايا العصبية دفعة واحدة.

إلا أن كلّاً من نورمان وماثيس حذّرا من أنه ما يزال أمام "ساينس" عمل كثير، مثل إقناع الباحثين بتبني منتجاتها والتعامل مع الإجراءات التنظيمية. إذ يتوقع نورمان أن تلقى هذه المنتجات في الدرجة الأولى إعجاب الباحثين الساعين لجمع القدر الأكبر الممكن من البيانات بأقصى سرعة ممكنة، وليس الشركات الناشئة التي ترغب في صنع أجهزتها وبرامجها الخاصة. وهو يستبعد أن تؤدي منتجات "ساينس" لظهور منافس لـ"نيورالينك" في المستقبل القريب. قال: "إذا أرادت شركة ناشئة تطوير هذه التقنية لتحويلها إلى منتج يستخدم لأغراض سريرية، فسيتعين عليها القيام بكمّ هائل من العمل لتحقيق ذلك".

أقرّ هوداك بأنه تساءل في البداية عن جدوى تطوير هذه المنتجات من الناحية التجارية. فلم يكن متأكداً أنه ستتوفر صناعة كبيرة بما يكفي لتبرير العبء والتكاليف المرتبطة بإنتاج هذه الأجهزة على نطاق واسع.

لكنه اقتنع مع مضي الوقت بأن البحوث والتقنيات المتعلقة بالدماغ على وشك دخول حقبة جديدة، يمكن فيها لشركة "ساينس" توفير أجهزة تساعد في علاج حالات مثل الشلل والتصلب الجانبي الضموري بالإضافة إلى الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والفصام.

قال: "دعوني أوضح، أنا لا أدّعي أن لدينا ما يشفي حالياً... لكنني أعتقد أن هذا الأمر سيكون أكبر بكثير مما يعتقده كثير من الناس".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك