المطالبة بمنع التأجير قصير الأمد سهلة لكن الأجدى أن تحسّن المدن من تنظيم هذا القطاع بدل حظره

كيف يرضي مؤجرو "Airbnb" جيرانهم؟

صورة تعبيرية - بلومبرغ
صورة تعبيرية - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

لنستهل بتعريف المشكلة: إن سألت أي شخص يقيم في مدينة تستقطب سياحاً من حول العالم ستجده يتذمر من أمرين: ارتفاع الإيجارات وكثرة السياح.

إن إلقاء جزء من اللوم على منصات مثل "إير بي إن بي" (Airbnb) و"فربو" (Vrbo) وغيرها من المواقع التي تسهّل تأجير المنازل لفترات قصيرة أمر سهل وله ما يبرره في البيانات المتاحة. ويتهم النقاد هذه المنصات بأنها تسببت بانخفاض معروض المساكن وبأنها ملأت الأحياء الجذابة بصخب السياح المتعطشين للاحتفال، وذلك جعل المحال التجارية التي تستهدف هذه الفئة من الزوار تزيح ما سواها من المؤسسات الصغيرة، فتزيد بذلك مصاعب الحياة اليومية التي يواجهها السكان المحليون.  

كانت النتيجة أن سعت بعض المدن لمعالجة هذه الظاهرة عبر تقييد التأجير قصير الأمد، فيما حظرته مدن أخرى كليةً. تلزم برشلونة على سبيل المثال المالكين بالحصول على ترخيص سياحي لتأجير عقاراتهم لآجال تقل عن 31 يوماً. وكانت سلطات المدينة أعلنت هذا العام أنها ستتوقف عن إصدار التراخيص الجديدة ولن تجدد الصادر منها إلى ما بعد نوفمبر 2028. وقد حذت عدة مدن حذوها ومن ذلك كان تصويت في سبتمبر لسكان المنطقة السادسة من بودابست بفارق ضئيل لإقرار حظر شامل على التأجير قصير الأجل اعتباراً من 2026.

لكن هذه الحظورات تأتي كعقوبة على بعض من سكان المدينة وزوّارها، ومنهم من يؤجّرون عقاراتهم لفترات قصيرة فيما يسعون جاهدين للالتزام بالقوانين والتصرف بطريقة مسؤولة، وأيضاً الزوار الذين يحترمون هذه القوانين. هل يمكن إذاً التوصل إلى حل وسط يحافظ على منافع الإيجارات قصيرة الأجل دون التسبب بمزيد من التكاليف أو بمزيد من الإزعاج للسكان الدائمين؟

شعار
شعار إير بي إن بي على شاشة هاتف ذكي وخلفه صفحة موقع يعرض عقارات للتأجير قصير الأجل - غيتي إيمجز

حجج الدفاع

تستقطب "إير بي إن بي" والمنصات المشابهة أصحاب العقارات نظراً لارتفاع الأرباح التي تدرّها الإيجارات اليومية مقارنة بتلك الشهرية. إلا أن منتقديها يحذّرون من أن تفشي ظاهرة الإيجارات قصيرة الأجل يحد من عدد العقارات المتوفرة للإيجار لفترات طويلة، فترتفع الأسعار، ما يجبر السكان غير القادرين على تحمل هذه التكاليف على المغادرة.

وكانت دراسة صادرة عن مكتب مراقب الحسابات في نيويورك عام 2018 أظهرت أنه كلما ارتفع عدد العقارات المؤجرة لفترات قصيرة في منطقة معينة بنسبة 1%، ترتفع تكلفة الاتستئجار في الحي نفسه بنسبة 1.6%. وخلصت الدراسة إلى أن الزيادة في استخدام "إير بي إن بي" ومنافسيها أسهم في 9.2% من إجمالي زيادات الإيجارات السنوية في المدينة بين 2009 و2016.

للحد من ذلك، أقرت عدة مدن منها بينها نيويورك قيوداً على الإيجارات قصيرة الأمد، ولكن الخلل استمر على مستوى التنفيذ. وأظهرت دراسة للاتفاقيات المتوفرة للعامة في 2017 أن منصات مثل "إير بي إن بي" وغيرها نادراً ما تقدم عناوين العقارات بدقة لسلطات المدن التي تراقب المخالفات. وحتى عند إثبات ارتكاب مخالفة، فإن المؤجرين غالباً ما يفلتون من العقاب. وبحسب دراسة تعود إلى 2022، فإن مدينة لوس أنجلوس لم تغرّم ولم توجه رسائل تحذيرية إلا لأصحاب ثلث الإعلانات غير المشروعة التي اكتشفتها المدينة في ذلك العام. 

 

قد تتقبل البلديات الإيجارات قصيرة الأمد إن وجدت مبرراً اقتصادياً بيّناً. إلا أن دراسات أعدها "مركز السياسات الاقتصادية" وجدت أن هذا النوع من الإيجارات يهدد إيرادات البلديات المحلية، بما أن السجلات الضريبية والجباية التي تستهدف العقارات المؤجرة لفترات قصيرة ليست شاملة بقدر تلك المفروضة على الفنادق. ويعود ذلك بجزء منه إلى أن بعض الاتفاقيات المحلية تُسند المسؤولية في هذا المجال إلى منصات التأجير نفسها، ما يجعل النظام أقل كفاءة.

تبرز أيضاً المخاوف من كون المسافرين الذي يستأجرون شققاً على المدى القصير أكثر عرضة لعلميات الاحتيال والمخاطر الأخرى مقارنة مع نزلاء الفنادق. وهناك أيضاً مسألة الإزعاج. فقد قررت برشلونة حظر "إير بي إن بي" بعد تظاهرات واسعة في المدينة نددت بسلوكيات السياح المزعجة، مثل الضجيج الذي يحدثه المستأجرون المؤقتون حتى ساعات متأخرة من الليل.

نظراً لكل هذه العوامل مجتمعة، لا عجب أن يدرس كثير من مسؤولي المدن فرض حظر شامل بدل الاكتفاء بتشديد القوانين.

حجج مضادة

من ناحية أخرى، ربما ليس من العدل تحميل "إير بي إن بي" كامل المسؤولية عن أزمات سكن لم تكن سبباً في كثير منها. مثلاً، عندما يتطلب توفير ما يكفي من المساكن من دولة مثل المملكة المتحدة بناء مدينة أخرى بحجم لندن، يصبح واضحاً أن المشكلة ناجمة عن عدم كفاية بناء المنازل، وليس عن السياحة.

كما بدأت تظهر بعض المؤشرات على أن القيود المفروضة على الإيجارات قصيرة الأمد لم تحقق الهدف المنشود المتمثل بخفض كلفة الإيجارات طويلة الأجل، والسبب لا يقتصر على ضعف تطبيق القوانين. في سبتمبر 2023، حظرت مدينة نيويورك تأجير شقق كاملة لمدة أقل من 30 يوماً (ولم يشمل الحظر تأجير الغرف الإضافية في منازل يشغلها أصحابها). وبعد سنة على قرار الحظر، أصبحت الشقق التي كانت تُؤجر لفترات قصيرة تُؤجر لفترات متوسطة الأمد وتتجاوز 30 يوماً، وهي سوق أقل تنظيماً. أما الانخفاض الطفيف الذي سُجل في أسعار الإيجارات فيُعزى إلى عوامل أخرى.

في هذا الإطار، قال ثيو ييدينسكي، نائب رئيس "إير بي إن بي" لشؤون السياسات العامة في بيان: "كما رأينا في مدينة نيويورك، فإن حظر الإيجارات قصيرة الأجل لا يخفف من تحديات الإسكان"، معتبراً أن مثل هذه الخطوات "تصبّ فقط في مصلحة سلاسل الفنادق الكبرى التي سرعان ما تزيد أسعارها... لطالما رحبت (إير بي إن بي) بالقوانين الناظمة المنطقية التي توازن ما بين احتياجات المجتمعات المحلية وقدرة السكان على كسب إيرادات إضافية".

لا بد من الإشارة إلى أن العقارات المدرجة على "إير بي إن بي" ليست جميعها مناسبة أو قابلة للتأجير على المدى الطويل. إذ إن الشقق في المنتجعات الشاطئية أو منتجعات الرياضات الشتوية مثلاً لطالما كانت مخصصة للتأجير الموسمي. علاوة على ذلك، حتى إذا كانت معظم الشقق المؤجرة لقضاء العطلات يديرها مضيفون لديهم عدة شقق أخرى مدرجة على المنصة، فإن الحظر الشامل يعاقب أيضاً المالكين الذي لا يدرجون إلا عقاراً واحداً ويعتمدون على المنصة لزيادة دخلهم.

الأرضية المشتركة

في حين لم تنجح أي مدينة بعد في معالجة مشكلة الإيجارات قصيرة الأمد بشكل حاسم، بإمكان معظمها أن تحسّن ما تتخذه من تدابير ناظمة. فيمكنها مثلاً أن تحرص على أن يسجل المضيفون عقاراتهم بواسطة نظام ترخيص يساعد على تقديم الخدمة بأمان أكثر ويسهّل جباية الضرائب.

تقول سلطات بعض المدن إن التطبيق المتكامل للقوانين يحتاج إلى قاعدة بيانات أكثر تطوراً، تتيح بمجرد النقر على إعلان لأحد العقارات المعروضة للإيجار على المنصة تحديد عنوانه ومالكه وتبيان كم مرة أجّر العقار عبر أي من المنصات.

بدأت "إير بي إن بي" مؤخراً تتعاون عن كثب مع السلطات المحلية في المدن لمعالجة هذه المخاوف، ساعيةً لتحقيق قدر أكبر من الشفافية. على سبيل المثال، أطلقت الشركة بوابة "إير بي إن بي سيتي" في 2020 لتسهيل التحقق من تراخيص العقارات المدرجة.

كما تنخرط "إير بي إن بي" في مشاريع مثل مجلس إسكان "إير بي إن بي" الذي يسوّق لمساكن بأسعار ميسّرة في المجتمعات الحضرية. قال ييدينسكي في بيانه: "نجحنا بالتعاون مع الحكومات حول العالم من أجل تطبيق إجراءات ناظمة متناسبة فيما يخصّ التأجير المحلي قصير الأمد، ونعتقد أن على الحكومات معالجة احتياجات أحيائها كل على حدة من أجل التنظيم بفعالية أكبر".

من ناحية أخرى، يرى مسؤولون في بعض المدن أن منصة "إير بي إن بي" كان لها أثر إيجابي وأن القيود الحالية فعّالة. على سبيل المثال، قال روي موريرا، عمدة بورتو وهي ثاني أكبر مدينة في البرتغال والوجهة السياحية الرئيسية فيها، إن القيود الأخيرة التي قلّصت عدد العقارات المسموح بتأجيرها عبر "إير بي إن بي" في بعض الشوارع الأكثر جاذبية، كانت مفيدة، إذ أسهمت في تأجير مزيد من الشقق خارج وسط المدينة، وساعد ذلك على إنعاش بعض الأحياء اقتصادياً بعدما كانت تعاني تدهوراً، ولولا ذلك كانت لتواجه صعوبة في إيجاد التمويل.

باختصار

المقال يناقش تأثير الإيجارات قصيرة الأمد التي تديرها منصات مثل "إير بي إن بي" على المدن الكبرى. حيث يشتكي السكان من ارتفاع الإيجارات وكثرة السياح، ويُلقى باللوم جزئياً على هذه المنصات التي تقلل من معروض المساكن للإيجار طويل الأمد وتزيد من التكاليف.

العديد من المدن، مثل برشلونة ونيويورك، فرضت قيوداً على الإيجارات قصيرة الأجل في محاولة لمواجهة هذه المشاكل، لكن التنفيذ غالباً ما يكون ضعيفاً. هناك جدل حول مدى نجاح هذه القيود في خفض أسعار الإيجارات، حيث يشير البعض إلى أن الحل الحقيقي يكمن في بناء المزيد من المساكن وليس في حظر هذه الإيجارات.

في المقابل، يرى المدافعون عن "إير بي إن بي" أنها تتيح لسكان المدن فرصة لزيادة دخلهم، وأنه من الممكن تنظيم هذه المنصات بشكل أكثر فعالية عبر فرض تراخيص وضوابط شفافة.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك