جنود سابقون في القوات البحرية والجيش الأميركي لديهم ما يبحث عنه أصحاب العمل من مهارات وانضباط

نقص عمالة مصانع المركبات الكهربائية في أميركا يستقطب المحاربين القدامى

صورة تعبيرية لتحول جندي إلى عامل تقني - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية لتحول جندي إلى عامل تقني - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تعيش الولايات المتحدة أعظم نشاط صناعي منذ أجيال، إلا أن نقصاً في العمالة الماهرة يؤثر عليه. وفيما تنكب المصانع والكليات التقنية على تدريب الموظفين للعمل في المصانع المختصة بالتقنيات الصديقة للبيئة التي نشأت على امتداد البلاد، برز المحاربون القدامى الأميركيون كمجموعة قادرة على تخفيف وطأة ندرة أصحاب المهارات.

لقد وجد جنود من مشاة البحرية ومهندسو إلكترونيات الطيران وتقنيو القوات البحرية سبق أن خدموا في مناطق الحروب مثل العراق وأفغانستان، فرصاً مهنية جديدة في مصانع المركبات الكهربائية والبطاريات والخلايا الشمسية، مكّنتهم من المزاوجة بين الانضباط العسكري التقليدي ومهارات جديدة اكتسبوها في ساحات القتال، مثل تشغيل الروبوتات والطائرات المسيرة. 

يشرف جايمي هول على توظيف آلاف العمال في مصنع جديد متخصص ببطاريات المركبات الكهربائية في كارولاينا الشمالية تابع لشركة "تويوتا موتور"، وبيّن أن المحاربين القدامى "يركزون على مهامهم ويتأقلمون بسهولة ولديهم أخلاقيات عمل عالية، كما أنهم قادرون على العمل تحت الضغط والتغلب على الصعاب... فهؤلاء الناس تلقوا كثيراً من التدريب وهم جاهزون لمثل هذه الأمور".

يقع المصنع على بعد نحو 110 كيلومترات شمال غرب "فورت ليبرتي"، القاعدة العسكرية الأكبر في الولايات المتحدة، وقد وظّف حتى الآن نحو 90 عسكرياً سابقاً.

مهارات تقنية وانضباط

تستقطب قطاعات المركبات الكهربائية والبطاريات المحاربين القدامى، في وقت تستعد الشركات لافتتاح عشرات المعامل في السنوات المقبلة، على الرغم من تباطؤ المبيعات في الولايات المتحدة.

في ولاية كنتاكي مثلاً، بدأت شركة "أسيند إليمنتس" (Ascend Elements) أعمال إنشاء مصنع بكلفة مليار دولار مخصص لمعالجة المواد المستخرجة من البطاريات المستنفذة من أجل إعادة استخدامها في بطاريات جديدة. ويشكل المحاربون القدامى نحو ثلث منسوبيه وعددهم 70 عاملاً وظفهم حتى اليوم، منهم كوري رادكليف الذي خدم لأكثر من ثلاث سنوات ضمن فريق الأنظمة الجوية المتخصصة بالمسيرات في مشاة البحرية الأميركية. 

اكتسب رادكليف، 36 عاماً، مجموعة من المهارات خلال عمله على المعدات العسكرية، وهو يستفيد منها اليوم في تأدية وظيفته الجديدة كمدير إنشاءات، مثلاً من أجل تحديد المواقع المناسبة لتركيب الآليات والتجهيزات في المصنع الذي يبعد نحو 30 كيلومتراً عن قاعدة "فورت كامبل" حيث كان يخدم سابقاً. قال: "يتعلق الأمر بطريقة ترابط الآلات ببعضها وتفاعلها وحلّ المشاكل باستمرار".

منافسة على استقطاب قدامى المحاربين

تشهد المنطقة الجغرافية التي أُطلق عليها تسمية "حزام البطاريات" الممتدة من ميشيغان إلى جنوب وشمال كارولاينا وأريزونا، طفرة أعمال بناء بفضل الحوافز التي قدمتها الحكومة الاتحادية لتسريع تخلي الولايات المتحدة عن الوقود الأحفوري.

إلا أن هذا القطاع يواجه نقصاً "كبيراً في اليد العاملة وفجوة في المهارات، بالأخص على صعيد المهندسين والفنيين وعمال التجميع، بحسب تقرير صادر عن "مركز بحوث السيارات"، المؤسسة غير الربحية الناشطة في القطاع. بالمقابل، يتقاعد نحو 200 ألف جندي سنوياً من الجيش، متوسط أعمارهم لا يتخطى 27 عاماً، بحسب أرقام وزارة العمل الأميركية.

خدم روبرت هاوي لثلاث سنوات في قوات البحرية اكتسب خلالها معارف تقنية يستفيد منها اليوم في عمله في مصنع ألواح شمسية في جورجيا تملكه شركة "كيو سيلز" (Qcells) التابعة لـ"هانوها سولوشنز" (Hanwha Solutions).

شملت خدمة هاوي العسكرية تحليل البيانات عن المحيطات وأحوال الطقس التي تجمعها الأقمار الاصطناعية وأجهزة السونار. أمّا عمله اليوم فيقوم على كشف الأعطال التي تعتري الآليات المتطورة على امتداد معمل مساحته أكبر من 20 ملعب كرة قدم. 

لم يواجه الجنود والجنديات في أميركا تاريخياً صعوبة في العثور على وظائف بعد تقاعدهم من القوات المسلحة وعودتهم إلى الحياة المدنية. أظهرت بيانات مكتب إحصاءات العمل أن نحو 70% من المحاربين القدامى يعملون لدى القطاع الخاص، فيما يعمل حوالي الربع في وظائف حكومية.

توقع استطلاع صادر عن "مركز بحوث السيارات"، أن يرتفع التوظيف في قطاع البطاريات بأكثر من الخمس خلال الفترة بين 2023 و2026، على الرغم من تراجع الطلب على المركبات الكهربائية.

إلا أن أصحاب المصانع يتنافسون مع الشركات المتعاقدة مع القوات المسلحة في استقطاب قدامى المحاربين، بسبب انكباب الولايات المتحدة على تحديث أساطيل دباباتها وغواصاتها وطائراتها، بحسب تيم بيست، مدير شركة التوظيف "ريكروت ميليتيري" (RecruitMilitary) في فيرجينيا.

وظيفة وطنية

يعمل الضابط المتقاعد روب هيل مديراً في شركة صناعة البطاريات "إيه إي سي إس" (AESC) التي تبني مصنعاً في بولينغ غرين في كنتاكي، وهو يرى أن المحاربين القدامى سيجدون مكانهم الطبيعي في قطاع المركبات الكهربائية. إذ يتصدر القطاع الابتكارات التقنية الحديثة، تماماً مثل الجيش الذي كان سباقاً في ابتكار أنظمة تحديد المواقع العالمية وتقنيات التصوير بالأشعة تحت الحمراء. قال هيل الذي بلغ 48 عاماً من عمره، إن القطاع "مناسب للأشخاص ذوي التفكير العسكري".

مع ذلك، فإن الانتقال من الخدمة العسكرية إلى الحياة المهنية في الشركات لا يخلو من التحديات. خدم أندرو والثر في العراق حيث أشرف على تعامل الجنود مع المتفجرات وتعزيز الدفاعات في القواعد العسكرية. بالنسبة له، الصعوبة الأكبر كانت في الانتقال من جوّ الأوامر العسكرية الملزمة إلى اتخاذ قرارات من شأنها تحقيق توافق جماعي.

قال والثر، 29 عاماً، إن عاماً كاملاً مضى على بدء عمله لدى "أسيند أليمنتس" قبل أن يعتاد هذا الحال، لكنه بات اليوم يدرك فوائده. قال: "هناك مزيد من التعاون، لقد أصبح صوتي مسموعاً أكثر وهذا أمر مجز".

سارة ماكمانوس، 41 عاماً، وهي أيضاً تعمل لدى "أسيند"، تواجه صعوبة في التخلص من بعض العادات التي اكتسبتها خلال عقدين قضتهما في الخدمة العسكرية، منها مثلاً تكرارها لكلمة "تم" أو استخدام التوقيت العسكري، أي 24 ساعة، في المواعيد.

قال رادكليف الذي يعمل في "أسيند" إن أكثر ما خشيه حين ترك الجيش كان فقدان هدف حياته الوطني، لكنه اكتشف أن صناعة البطاريات قد تكون لها أبعاد وطنية بطريقتها الخاصة.

بين الحين والآخر، يجتمع رادكليف بفريق عمله في موقع البناء ويلقي عليهم الخطب التحفيزية، لكنه لا يتحدث عن التغير المناخي، كما لن تجدوا كثيراً من المركبات الكهرابائية في مرآب العمال في ذلك المعمل.

بدل ذلك، يقول لأعضاء الفريق إنهم يؤدون دوراً فعالاً في مساعدة الولايات المتحدة على الحدّ من سيطرة الصين على سلاسل الإمداد الأساسية. قال: "سواء أكنت تحب المركبات الكهربائية أم لا، أو أنك تؤمن بالتغير المناخي أو لا، أو تقود شاحنة من طراز (إف – 350) أو مركبة كهربائية، فإن محور دافعي وهدفي هنا هو أنه ينبغي أن يكون النجاح حليفاً للولايات المتحدة".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك