أعلن ترمب أنه لا يعتزم إعادة تعيين جيروم باول في منصب رئيس الاحتياطي الفيدرالي.. لكن إحداث تعديلات أخرى قد يكون صعباً

ما الذي ستجره عودة ترمب على الاحتياطي الفيدرالي؟

صورة تعبيرية عن تأثير ترمب على مستقبل الاحتياطي الفدرالي - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية عن تأثير ترمب على مستقبل الاحتياطي الفدرالي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تبرز استقلالية البنك المركزي ضمن القضايا المطروحة في التنافس الانتخابي على رئاسة الولايات المتحدة هذا العام، مع تزايد التساؤل بين مؤيدي ومعارضي الرئيس السابق دونالد ترمب عن عزمه تقليص استقلالية الاحتياطي الفيدرالي إن عاد رئيساً.

لم يدل ترمب أو حملته بأي تعليق رسمي في هذا الشأن، إلا أن المرشح الجمهوري أعلن في ما مضى أنه لن يعيد تعيين جيروم باول رئيساً للاحتياطي الفيدرالي، وهو الذي بحث إقالته في 2018. كما نشر بعض مستشاري ترمب غير الرسميين أفكاراً حول تغييرات محتملة في الاحتياطي الفيدرالي تمنح الرئيس مزيداً من السلطة على البنك المركزي.

كوّن ذلك قناعة لدى كثيرين بأن ترمب سيتخذ إجراءً في هذا الشأن بحال انتخابه لولاية ثانية، فقد قال 44% من المشاركين في استطلاع لقراء بلومبرغ في أواخر مايو إنهم يتوقعون أن يعمد إلى إضعاف استقلالية الاحتياطي الفيدرالي أو الحدّ من صلاحياته. بالمقارنة، قال 5% فقط من المستطلعين إن الرئيس جو بايدن قد يتخطى التعليق على السياسة النقدية أو الدعوة لخفض معدلات الفائدة إن انتُخب مجدداً.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

  • تعيين المسؤولين في المجلس

للرئيس سلطات مباشرة على الاحتياطي الفيدرالي، أهمّها حقه في تسمية المرشحين لملء الشواغر في مجلس المحافظين وتعيينهم في المناصب الأساسية، ومن ذلك رئاسة المجلس.

تمتد ولاية أعضاء مجلس المحافظين 14 عاماً، إذا ما تم تمديد ولاية رئيسه أربع سنوات، على أن يكونوا جميعاً أعضاء في اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة المعنية بتحديد أسعار الفائدة.

خلف جيروم باول جانيت يلين، وزيرة الخزانة الحالية، عام 2018. وكان ترمب خالف عند تعيينه باول السوابق التاريخية الحديثة، إذ درج الرؤساء الجدد على تكليف رئيس الاحتياطي الفيدرالي الذي اختاره سلفهم، وقد أعاد بايدن تكليف باول في 2021.

تنتهي ولاية باول على رأس الاحتياطي الفيدرالي في 2026، وإن أُعيد تكليفه لولاية جديدة أمدها أربع سنوات، فإن عضويته في مجلس المحافظين تنتهي في 2028 حين يكون قد أتمّ أمد عضوية المجلس. ويحظر القانون إعادة تعيينه عضواً لفترة أخرى.

لكن قانون الاحتياطي الفيدرالي ينصّ على أن "أعضاء المجلس يستمرون في الخدمة عند انقضاء عضويتهم حتى تعيين من يخلفهم". بالتالي، يمكن أن يستمر باول في مجلس المحافظين إن لم يعيّن الرئيس خلفاً له بعد انقضاء فترة عضويته.

إلى جانب انتهاء فترة خدمة باول عضواً في مجلس المحافظين، ستسنح للرئيس المقبل فرصتان إضافيتان لتعيين أعضاء جدد في مجلس الاحتياطي الفيدرالي، في 2026 و2028. لكن يبقى هذا العدد ضئيلاً نسبياً من إجمالي عدد أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة المكوّنة من 12 شخصاً، هم جميع أعضاء مجلس المحافظين، وأعضاء بالتناوب من 12 رئيساً لبنوك الاحتياطي الفيدرالي الإقليمية.

إلا أن رئيس البلاد لا يعيّن رؤساء البنوك الإقليمية، إذ يتولّى مديرو كلّ بنك تعيين رئيسه بشرط موافقة مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي عليه.

وينبغي أن يحصل المرشحون الذين يعيّنهم رئيس البلاد لعضوية مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي لمنصب الرئيس ونائب الرئيس على موافقة مجلس الشيوخ، وهو إجراء يهدف لضبط التعيينات.

سبق أن أبدى الجمهوريون في مجلس الشيوخ معارضة شرسة لمرشحة بايدن الأولى لمنصب نائبة رئيس المجلس لشؤون الإشراف سارة بلوم راسكين عام 2022 فانسحبت. كما أن معارضة بعض المشرّعين أطاحت ببعض مرشحي ترمب للاحتياطي الفيدرالي.

اقرأ أيضاً: محررو بلومبرغ: اقتصاد ترمب لن يعجب أحداً


  • إقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي


أقوى طريقة لإيصال رسالة إلى الاحتياطي الفيدرالي هي إقالة رئيسه، وهو ما بحثه ترمب في 2018 بعدما أغضبه باول على خلفية توالي رفع أسعار الفائدة. لكن هذا ليس سهلاً، إن كان هذا فعلاً ممكناً، بحسب خبراء في القانون.

تنصّ الفقرة 10 من قانون الاحتياطي الفيدرالي أنه يمكن إقالة أعضاء من مجلس المحافظين، ويعدّ رئيس المجلس من ضمنهم، "بقرار من رئيس البلاد استناداً إلى سبب وجيه". ويفسّر الباحثون بشكل عام "السبب الوجيه" بأنه يعني سوء سلوك جسيم أو إساءة استخدام السلطة.

ما يزيد الالتباس حول وجود سلطة للرئيس لإقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي هو أن القانون لا ينصّ صراحة على أن الحماية الناشئة عن إلزامية وجود "سبب وجيه" تنطبق على رئيس الاحتياطي الفيدرالي بعينه، حسب بيتر كونتي براون، الأستاذ والمؤرخ المتخصص بالاحتياطي الفيدرالي في كلية "وارتون" في جامعة بنسلفانيا.

لكن بما أن أعضاء مجلس المحافظين يحظون بهذه الحماية، ذلك يعني أن رئيس الاحتياطي، حتى لو أُقيل من منصبه، يمكن أن يستمر عضواً في المجلس، كما سيبقى في منصب نفوذي آخر هو رئاسة اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة التي تحدد أسعار الفائدة. فأعضاء اللجنة، لا رئيس البلاد، هم من يختارون من يقودها.


  • تعديل قانون الاحتياطي الفيدرالي


إن مشروعاً طويل المدى لإعادة هيكلة الاحتياطي الفيدرالي يتطلب تعديل قانون إحداثه، ما يستلزم تشريعاً يصدر عن الكونغرس. وكانت مؤسسة "هيريتج" (Heritage Foundation) البحثية المحافظة طرحت عدّة توصيات بهذا الشأن ضمن مستند قدمته في إطار "مشروع 2025" الذي يهدف إلى تحديد أجندة سياسات الرئيس المقبل.

تدعو المؤسسة إلى فرض مزيد من القيود على طريقة تحديد الاحتياطي الفيدرالي للسياسة النقدية وتنظيمه لأكبر البنوك الأميركية، وتقترح تعديل التفويض المزدوج الذي وضعه الكونغرس وكلف عبره الفيدرالي بالعمل على الحفاظ على استقرار الأسعار والسعي لخلق الوظائف بالحد الأقصى، ليصبّ بدل ذلك جل تركيزه على التضخم حصرياً.

تأتي الضغوط الداعية لإحداث تغيير من جهات أخرى أيضاً. مثلاً، بعد الفضائح الأخلاقية التي طالت الاحتياطي الفيدرالي في السنوات الماضية، طالب مشرّعون من الحزبين بمزيد من الشفافية على امتداد منظومة البنك المركزي، بما فيها بنوك الاحتياطي الفيدرالي الإقليمية. كما ضغطت المجموعات المدافعة عن البيئة والمستهلكين على الاحتياطي الفيدرالي من أجل بذل جهود إضافية لمكافحة تهديدات التغير المناخي للنظام المالي.

حتى أن "مركز الديمقراطية الشعبية" أطلق حملة بعنوان "سئمنا" لمطالبة الاحتياطي الفيدرالي بإعطاء الأولوية لشق التوظيف من تفويضه المزدوج، محذراً من أن رفع أسعار الفائدة قد يلحق الأذى بالعمّال الأضعف.


  • حملات الضغط


حاول رؤساء من الحزبين التأثير على الاحتياطي الفيدرالي في السابق عبر ضغوط علنية أو خفية. فكانوا يشتكون ويتذمّرون شخصياً، ووصل بهم الحدّ أحياناً لاستخدام الترهيب الجسدي، ومن ذلك حادثة استدعاء الرئيس ليندون جونسون لرئيس الاحتياطي الفيدرالي آنذاك وليام ماكتشنسي مارتن الابن إلى مزرعته في تكساس عام 1965 لتأنيبه على خلفية رفع تكاليف الاقتراض.

وفي السبعينيات، مارس الرئيس ريتشارد نيكسون ضغوطاً شهيرةً على رئيس الاحتياطي الفيدرالي أرثر بيرنز، في ما يعتقد بعض الخبراء الاقتصاديين أن ذلك أسفر عن امتناع البنك المركزي عن اتخاذ خطوات فعّالة للحدّ من التضخم حينها. كما وجه ترمب خلال ولايته انتقادات علنية للاحتياطي الفيدرالي وباول على خلفية تكرار رفع أسعار الفائدة.

إلا أن بايدن كان مختلفاً، فقد أعلن في مارس إنه يتوقّع أن يخفّض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، وعاد ليكرر ذلك في أبريل، إلا أنه امتنع بشكل عام عن الحديث علناً عن سياسة البنك المركزي. في المقابل، تحدّث بعض الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس بصراحة أكبر. إذ نشرت عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ماساتشوستس إليزبيث وارن تعليقاً عبر "إكس" بعدما خفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة، قالت فيه إن على "جيروم باول أن يلحق بالركب".

من جهته، أكّد باول مراراً أن الاحتياطي الفيدرالي ينأى عن السياسة، ويضع سياسات تركز حصراً على مصلحة الاقتصاد. وردّاً على سؤال خلال فعالية في مايو حول استقلالية الاحتياطي الفيدرالي عن السلطة التنفيذية، قال باول: "لا شك فيها"، وأن المشرّعين من الحزبين يدعمون استقلالية البنك المركزي.

ولكن من المعلوم على نطاق واسع أن الاحتياطي الفيدرالي ينشط في دوائر السياسة، إذ يعمل قادته عن كثب مع وزارة الخزانة، ويخصصون وقتاً للتواصل مع المشرعين في الكونغرس. ولا بد أن تأخذ سياسات الاحتياطي الفيدرالي الآثار الاقتصادية لقرارات الرئيس والكونغرس بعين الاعتبار، مثل التخفيضات الضريبية أو خطط الإنفاق الكبرى.

قال كونتي براون، المتخصص في تاريخ الاحتياطي الفيدرالي إن قرارات المجلس بشأن التنظيم المالي يمكن أن تأخذ في عين الاعتبار آراء مختلف الأطراف السياسية. وأضاف: "الاحتياطي الفيدرالي مؤسسة مسيّسة جداً... ولكن ثمة فرق كبير بين السياسة والشراكة".

حدود سلطة الرئيس على المجلس

لماذا تتمسك البنوك المركزية بالاستقلالية؟

يحبّذ الساسة عادةً معدلات الفائدة المنخفضة لأن خفض تكاليف الاقتراض يساعد المواطنين على شراء المزيد من السلع آنياً، وهذا يعزّز النموّ الاقتصادي. ويعتبر مؤيدو البنوك المركزية المعاصرة أن استقلاليتها عن الضغوط السياسة هي التي تمكّنها من اتخاذ خطوات ضرورية قد لا تلقى استحساناً شعبياً، من قبيل رفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم.

أمّا مبرر هذه الاستقلالية فيستند إلى أن المصلحة الاقتصادية على المدى البعيد تتطلّب إيمان المستثمرين والمستهلكين بأن البنك المركزي سيقوم بكلّ ما هو ضروري دون أن يخشى أي تبعات سياسية.

نشر مجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض مدوّنة في مايو أكّد فيها على دعم إدارة بايدن "الثابت" لاستقلالية البنك المركزي، واستشهد ببحوث وسوابق تاريخية للدلالة على أن البنوك تكون أقدر على ضبط التضخم إن كانت تحظى بالمصداقية الشعبية.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك