إطلاق الصواريخ من البحر يساعد على سلوكها مسارات آمنة بعيداً عن المناطق المأهولة ويقلل التكاليف لكن تصاحبه تحديات

الصين تلجأ إلى إطلاق الصواريخ من البحر سعياً لكسب سباق الفضاء

إطلاق صاروخ "أوريانسبيس"  مقابل ساحل هايانغ في الصين في يناير - المصدر: بلومبرغ
إطلاق صاروخ "أوريانسبيس" مقابل ساحل هايانغ في الصين في يناير - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يكتظ جدول برنامج الفضاء الصيني بنشاطات بينها الرحلات إلى محطة فضاء جديدة، وبعثة لجمع عينات عن سطح القمر، وإطلاق عدد قياسي من الأقمار الاصطناعية، إذ تخطط البلاد لإطلاق 100 صاروخ بحلول نهاية 2024، وتلك زيادة 40% عن العام الماضي، في إطار سعيها للتفوق على الولايات المتحدة لتكون القوة المهيمنة في ما وراء الأرض.

لكن هذه المساعي في دولة يتجاوز عدد سكانها 1.4 مليار نسمة يواجهها تحدٍّ جوهري هو العثور على مكان آمن لعمليات الإطلاق. تنطلق كافة الصواريخ الأميركية من مواقع ساحلية كي تسلك مسارات فوق البحر، فيحد ذلك من المخاطر على البشر والممتلكات، لكن ثلاثة من مواقع الإطلاق الصينية تقع في عمق بر الصين، أي أن الصواريخ تحلق فوق اليابسة بعد إقلاعها. أمّا الموقع الرابع فهو على ساحل جنوب مقاطعة جزيرة هاينان، على مقربة من نصف مليون إنسان يقيمون هناك.

وجدت الشركة الناشئة "أوريانسبيس" (Orienspace) في بكين الحل عبر إطلاق الصواريخ بعيداً عن الشواطئ الصينية. فقد أطلقت الشركة في يناير صاروخ "غرافيتي-1" (Gravity-1) المحمّل بثلاثة أقمار اصطناعية إلى المدار من ظهر سفينة في البحر الأصفر على بعد 3 كيلومترات من ساحل مدينة هايانغ، وتتوقع إطلاق صاروخين إضافيين من البحر في وقت لاحق هذا العام.

اقرأ أيضاً: طموحات الصين في الفضاء تنمو مع زيادة وتيرة إطلاق الصواريخ

المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: غيتي إيمجز

مرونة أكبر

أسهم ياو سونغ، 31 عاماً، في تأسيس شركة أشباه موصلات متخصصة بالذكاء الاصطناعي قبل أن ينضم إلى "أوريانسبيس" رئيساً تنفيذياً مشاركاً، وهو يرى أن إطلاق الصواريخ من المحيط يمنح شركته هامش مرونة كبيراً. شرح ذلك بأن السفينة التي تشغّلها شركة مدعومة من الحكومة "يمكنها الذهاب إلى أي مكان"، ما يمكّن الصواريخ من تجنب المسارات الجوية الخطرة. كما أشار إلى أن الإطلاق من البحر من شأنه أن يقلص أيضاً تكاليف نقل الصواريخ إلى منصات الإطلاق داخل البلاد بما أن معظم عمليات التصنيع قائمة في مناطق على الساحل الشرقي.

"أوريانسبيس" هي واحدة من عدة شركات صينية بدأت باستخدام السفن لإطلاق الصواريخ. في فبراير، أُطلق صاروخ "سمارت دراغون-3" الذي يبلغ طوله 31 متراً من بحر جنوب الصين، محملاً بتسعة أقمار اصطناعية. والصاروخ من صنع الأكاديمية الصينية لتقنية مركبات الإطلاق، التابعة لشركة علوم وتقنية الفضاء الصينية الحكومية. وقد شهدت الصين نحو 12 عملية إطلاق مشابهة في مجمل قطاع الفضاء منذ عام 2019.

اقرأ أيضاً: شركة صينية ناشئة تنافس "سبيس إكس" في إطلاق صواريخ قابلة لإعادة الاستخدام

هذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها شركات الفضاء المحيط. في منتصف التسعينيات، تعاونت "بوينغ" مع شركاء في النرويج وروسيا وأوكرانيا لإنشاء شركة "سي لونش" (Sea Launch) التي نقلت صواريخ على متن منصة نفطية معدّلة من جنوب كاليفورنيا إلى موقع في المحيط الهادئ أقرب إلى خط الاستواء، حيث يمكن للمركبات الفضائية المتجهة إلى المدار الاستفادة بشكل أفضل من سرعة دوران الأرض. أجرت "سي لونش" أكثر من ثلاثين إطلاقاً ناجحاً قبل أن تعلّق عملياتها في 2014 بعد الاجتياح الروسي الأول لأوكرانيا، ما أدى لانهيار الشراكة.

مزيد من الدول تتجه للبحر

قد تشهد دول أخرى غير الصين انتعاشة لإطلاقات الصواريخ من البحر مع استنفاد المنشآت على اليابسة. في الولايات المتحدة، يُرجح أن تشهد منصات إطلاق الصواريخ الأكثر استخداماً مثل كيب كانافيرال في فلوريدا وقاعدة فانديربرغ الجوية في كاليفورنيا مزيداً من الازدحام مع تسريع شركات مثل "أمازون" و"لينك غلوبال" (Lynk Global) إطلاق الأقمار الاصطناعية للتنافس مع كوكبة "ستاريلنك" من "سبيس إكس".

وكانت "سبيس إكس" التي واجهت خططها للتوسع على الأرض في تكساس مقاومة من السكان المحليين، أعلنت هي الأخرى عزمها التوجه إلى البحر. برغم أن رئيسة الشركة غوين شوتويل أبلغت الصحافيين في فبراير 2023 أن الشركة تخلت عن خطط استخدام منصتي نفط لإطلاق الصواريخ، إلا أنها أقرت أنه "في نهاية المطاف أنه سيصبح لدينا كثير من المنصات البحرية".

اقرأ أيضاً: اشتداد المنافسة بين الصين و"ماسك" في سوق الأقمار الصناعية

في أوروبا، يسعى تكتل يحمل اسم "التحالف الألماني لموانئ الفضاء البحرية" إلى تقديم خيار للمشغلين الإقليميين لا يتطلب رحلة إلى أميركا الجنوبية. فحالياً، الميناء الفضائي الأكثر استخداماً الذي تشغّله أوروبا يقع في كورو في غويانا الفرنسية. قالت مديرة التحالف سابين فون دير ريكي: "العثور على أماكن لإطلاق الصواريخ من الأراضي الأوروبية ليس سهلاً... يجب أن نتجه إلى البحر".

ويخطط التحالف لإطلاق أولى صواريخه من منصة في بحر الشمال في نهاية يونيو، وستقتصر الرحلات الأولى على تجارب دون مدارية، على أن يرسل أقماراً اصطناعية إلى المدار في المستقبل.

تحديات الإطلاق من السفن

إلا أن إطلاق الصواريخ من البحر يصاحبه تحديات خاصة. وشرح ماكسيم بوتو، الاستشاري الرئيسي لدى شركة "نوفاسبيس" (Novaspace) الاستشارية المتخصصة بالفضاء أنه يتعين على السفن أن تتعامل مع المشكلات التي قد تطرأ في اللحظات الأخيرة، وهذا صعب في البحر.

قد يستغرق استبدال قطعة بضع ساعات أو بضعة أيام على اليابسة، ولكنه يستغرق وقتاً أطول بكثير حين تكون السفينة بعيدة عن الميناء. قال: "في البحر، يجب أن يكون كل شيء متوفراً لديك... ليست هذه طريقةً سيئةً لإطلاق الصواريخ، لكن تكلفة الاحتفاظ بطائرة أو سفينة لاستخدامها في عمليات الإطلاق من البحر ما تزال مرتفعة بالمقارنة مع الاحتفاظ بمنصة إطلاق على اليابسة، حيث تكون المنصة مبنية من الخرسانة".

تعمل الصين بالتوازي على زيادة سعة البلاد للقيام بعمليات إطلاق الصواريخ من اليابسة، ويشمل ذلك بناء مجمّع جديد في ميناء فضائي في هاينان، مكرس حصرياً لشركات القطاع الخاص، ويُرتقب أن يستقبل أول مهمة إطلاق قريباً.

أعلنت "أوريانسبيس" في يناير عن إنجاز دورة تمويل بقيمة 600 مليون يوان (82.9 مليون دولار)، وهي ترى أن استخدام السفن يمكن أن يقلص الوقت اللازم بمدة شهر ويوفر ملايين اليوان. وقال ياو: "هذا تحسّن كبير على صعيد كفاءة العمل".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك