بقلم: Peter Robison
قبل أن يصبح ديف كالهون، الرئيس التنفيذي لشركة "بوينغ"، كسيراً مخبتاً، شارك بتأليف كتاب إرشادي ملهم لقادة الأعمال. صدر ذاك الكتاب عام 2010 وحمل عنوان "كيف تفوز الشركات" (How Companies Win) وهو يروّج لأهمية تقديم منتجات مبتكرة للعملاء دون أن يدركوا أصلاً أنهم بحاجة إليها، معتبراً أن الفاشلين هم من يقدمون المنتج نفسه سنة بعد أخرى.
بات بيّناً أن "بوينغ" لم تكن فائزة في عهد كالهون. فإلى جانب تكبدها خسائر تفوق 23 مليار دولار خلال السنوات الأربع التي تولّى فيها رئاستها، خسرت الشركة أيضاً ثقة المسافرين وصبر شركات الطيران وتساهل الهيئات الناظمة. بعد إعلان تنحي كالهون عن منصبه بحلول نهاية العام، زال أيضاً الوهم بأنه كان القائد المناسب لإصلاحها. لكن على المدى البعيد، قد يصبّ ذلك له في مصلحة "بوينغ".
لطالما كانت "بوينغ" فخر الصناعة الأميركية ومرادفاً للتميز الهندسي، واستمر ذلك إلى أن تحطمت طائرتان من طراز "737 ماكس" في 2018 و2019، ثم جاءت صدمة انسلاخ باب طائرة "ماكس" هذا العام. كالهون هو أحد تلامذة جاك ويلش، رئيس شركة "جنرال إلكتريك" الذي درب الشركات الأميركية على الكفاءة والسرعة ونقل أنشطتها الصناعية إلى دول أقل تكلفة وعلمها أن تتشدد مع النقابات العمالية. تخرج كالهون، 66 عاماً، من جامعة "فيرجينيا تيك" عام 1979 متخصصاً بالمحاسبة، وعمل مدير استثمار في الحيازات الخاصة لدى شركة "بلاكستون". وأثنى عليه أحد نوابه السابقين في شركة "نيلسن" المتخصصة بقياس نسب المشاهدة التلفزيونية، وهي إحدى الشركات التي استثمرت فيها "بلاكستون"، لتمكنه من خفض أكثر من 25% من التكلفة.
رئيس "بوينغ" التنفيذي يتنحى وسط تغييرات جذرية في الإدارة
مشكلات في التصنيع
ظلّ كالهون عضواً في مجلس إدارة "بوينغ" لمدة عقد، قبل تعيينه رئيساً تنفيذياً عام 2020 إثر فصل دينيس مويلينبرغ، الذي كان قد قلّل من أهمية خلل في التصميم أدى إلى مقتل 346 شخصاً بعد أن تسببت برمجيات معابة بتحطم طائرة في البحر قبالة إندونيسيا وأخرى في حقل في أثيوبيا.
سعى كالهون إلى رسم خط فاصل واضح يميزه عن سلفه، فكان يردد دائماً أنه يضع مسائل السلامة في قمة هرم أولوياته بعد حادثتي التحطم. وقال إنه كلّف أفضل فريق قيادي لديه لمراقبة أي خلل يحصل في كل رحلة في أي مكان حول العالم.
استضاف كالهون في نوفمبر 2022 عدداً من المستثمرين في معمل "بوينغ" في سياتل حيث تُصنع طائرة "ماكس"، معلناً عن قيادته لتحول صناعي ضخم. كان المصنع آنذاك ينتج 31 طائرة من نوع "ماكس" شهرياً بعد حظر طيران استمر نحو سنتين بعد حادثتي التحطم. قلّل كالهون في واحد من خطاباته الكثيرة، المستوحاة من أسلوب ويلش الفج، من المخاوف المتعلقة بالتمادي في موجة الإقالات والاستقالات الطوعية والتقاعد في الشركة، ولكن يبدو اليوم وكأنما استجر بها قدره. قال حينها: "فيما يخص رحيل موظفينا من أصحاب الخبرة هنا وهناك وفي كل مكان وما إلى ذلك... أنا أنظر للأمر من وجهة نظر معاكسة تماماً".
مشكلات طائرة بوينغ "737 ماكس" تضع الموردين في مأزق تخطيط
في غضون عام من ذلك التصريح، كشفت الشركة المصنّعة لبدن الطائرة "سبيريت أيروسيستمز" (Spirit AeroSystems) عن عدد من المشكلات، منها حفر ثقوب مغلوطة في أحد مكونات كابينة الطائرة وتركيب سيئ لأجزاء متصلة بالذيل.
في طائرة سُلمت لشركة "آلاسكا إيرلاينز"، يبدو أن عمالاً لدى "بوينغ" نسوا في أكتوبر إعادة تركيب أربعة براغي تثبت سدادة الباب بعدما أُزيلت لتمكين ثلاثة عمال متعهدين تابعين لشركات توظيف مؤقت استخدمتهم "سبيريت" لإصلاح عزقات معابة. تسبب ذلك بإحداث فتحة خلال رحلة على متن الطائرة من طراز "ماكس" في يناير سحبت قميص مراهق كان لحسن الحظ قد ربط حزام الأمان. وصف كالهون الحادث على أنه ناجم عن " هفوة في الجودة" وهو مصطلح يستخدمه العاملون في القطاع تلقفه مقدمو البرامج التلفزيونية الساخرة ومنتجو الميمز على الإنترنت.
تعليقاً على ذلك، قال راي غوفورث المدير التنفيذي لجمعية موظفي الهندسة المحترفين في مجال الصناعات الفضائية التي تضم 19 ألف مهندس وموظف تقني في "بوينغ" وسبيريت": "من ثقافة (بوينغ) أنها تعمد إلى تخفيض تلو آخر إلى أن يحدث ضرر، ثم تقول حسناً بتنا نعرف الآن أننا بالغنا".
بدع مالية
للأسف، هذا مسار يدركه جيداً من شاهدوا بحسرة توالي قادة على "بوينغ" تمسكوا بتعاليم ويلش الإدارية من "جنرال إلكتريك" وهم يفتتون ما كانت يوماً صانعة طائرات عظمى. لقد رصدت تراجع الشركة في كتابي (Flying Blind: The 737 MAX Tragedy and the Fall of Boeing) الذي نشرته دار "دوبلداي" في 2021، واستندت فيه جزئياً إلى ربع قرن قضيتها أغطي نشاط "بوينغ". حين انتقلت لأعيش في سياتل عام 1998، كانت "بوينغ" ما تزال ملكة على عرش الطيران، مفتخرة برهانها بكل ثقلها على الطائرات الجديدة من طائرة "747" المعروفة بـ"جامبو جت" إلى طائرة "777" ثنائية المحرك.
أزمات "بوينغ" تخفض قيمتها السوقية دون "إيرباص" بـ24 مليار دولار
إلا أن اندماج "بوينغ" عام 1997 مع شركة "ماكدونيل دوغلاس" (McDonnell Douglas) الأضعف أسفر عن خلافات على الصلاحيات وتداخل في إدارات الموظفين وانتقال مركز ثقل الشركة إلى خارج سياتل. فقد نقلت "بوينغ" مقرّها إلى شيكاغو عام 2001 وسرعان ما بدأت تبيع بعض عمليات صنع أجزاء الطائرات، ومنها مصنع أبدان الطائرات في ويتشيتا الذي بات يُعرف لاحقاً بشركة "سبيريت". ضغطت "بوينغ" بعدها على مورديها ليقدموا تخفيضات في الأسعار. وسعت الشركة لاحقاً للتخلص من العمال النقابيين في سياتل، ما أدى إلى نقل بعض الإنتاج إلى جنوب كارولاينا التي ليس بها نقابات، وبالتالي شتت شمل فرق مدربي الطيران ومصممي الطائرات والميكانيكيين الذين كانوا يعملون سوياً فيما مضى.
كما كان حال "جنرال إلكتريك"، ركزت "بوينغ" على البدع المالية أكثر من تركيزها على التصنيع، إذ أنفقت 41.5 مليار دولار على إعادة شراء الأسهم بين 2013 و2018، ما أسهم في إثراء المستثمرين والإدارة. فقد كسب مويلينبورغ 106 ملايين دولار على الأقل في الفترة بين 2011 و2018، معظمها أتى من بيع منح الأسهم. في غضون ذلك، انخفض إنفاق "بوينغ" الرأسمالي السنوي إلى ما دون 2% من المبيعات بحلول 2018، أي ما يعادل نصف ما تنفقه عادة منافستها الأوروبية "إيرباص"، بعد أن كانت هذه النسبة تبلغ 7.2% عام 1992. وكان كالهون أسهم في اتخاذ هذه القرارات حين كان عضواً في مجلس الإدارة، وبدأ أخيراً يستفيد من المكافآت حين بات رئيساً تنفيذياً، وكسب أكثر من 64 مليون دولار بين 2020 و2022.
رئيس "الطيران الفيدرالية" يحمل "بوينغ" مسؤولية عيوب الجودة
منافسة من "إيرباص"
لعل "بوينغ" كانت لتتجنب الوقوع في أكبر أغلاطها وهي عدم استبدال طائرة "737" التي مرّ عليها الزمن بطائرة جديدة بالكامل لو أن كالهون أخذ بالنصائح التسويقية والاستثمارية التي أوردها بنفسه في الكتاب الذي ألفه بالتعاون مع الاستشاري ريك كاش.
باعت "بوينغ" أول طائرة من طراز "737" عام 1965 إلى شركة طيران "دوتشيه لوفتهانزا" الألمانية بعد أن شحنت صندوقاً خشبياً بمفاصل ضخمة وقفل إلى مجلس إدارة الشركة في كولونيا، وكان يحتوي على رسومات بيانية وتوضيحية حول أداء الطائرة. كان هدف هذه الخطة غير المنمقة أن تقدم هذه الطائرة مكتنزة الشكل نموذجاً ابتدائياً تعتمده شركات الطيران قبل الانتقال إلى طائرات "بوينغ" الأكبر.
اتسمت الطائرة بانخفاضها حين الربوض لتمكين حملة الأمتعة من إلقائها بسهولة إلى متن الطائرة في المطارات التي تفتقر لسيور ناقلة. كانت الاستراتيجية المتبعة تحاكي تلك التي تتبعها "جنرال موتورز" والقائمة على بيع سيارات "شفروليه" للشباب وانتظار أن يتقدموا مهنياً حتى يقدروا على شراء "كاديلاك".
طرحت "إيرباص" بعد عقدين طائرة " A320" المزودة بأنظمة تحكم متقدمة في قمرة القيادة تتصل بألواح توجيه الطيران عبر أسلاك كهربائية بدل الكابلات ولها كابينة رحبة وأكثر راحة. مع الوقت، أصبحت نداً لطائرة "737"، ثمّ باتت الطائرة المفضلة ضمن فئة البدن الضيق.
بدل أن تردّ "بوينغ" بطرح تصميم جديد بالكامل، أدخلت مرتين تعديلات بسيطة على طراز "737" في الثمانينيات ثم في التسعينيات. كان بين كبار عملاء "بوينغ" شركات طيران منخفضة التكلفة مثل "ساوث ويست إيرلاينز" التي اكتفت في ظل تضاعف تكلفة تدريب الطيارين وقطع الغيار بالاحتفاظ بسيارة "الشيفروليه" القديمة نفسها بدل الانتقال إلى "كاديلاك" كما تصورت "بوينغ".
"بوينغ" تعتزم إصلاح 50 طائرة "737 ماكس" بسبب خلل فني
صدمت "إيرباص" شركة "بوينغ" عام 2011 حين خطفت منها شركة الطيران "أميريكان إيرلاينز"، التي اشترت طائرات " A320neo" وهي نسخة جديدة معدلة من " A320" مزودة بمحركات أكبر وأكثر كفاءة لناحية استهلاك الوقود. كان ذلك بعد 46 سنة على إرسال مندوبي المبيعات لدى "بوينغ" الصندوق الخشبي إلى كولونيا، وكانت طائرة "737" ما تزال تفتقر لتقنية التنبيه المتقدمة في قمرة القيادة كالتي أتت بها طائرة " A320" أو حتى طائرة "777" من "بوينغ" نفسها. حين اضطرت "بوينغ" للاختيار بين استثمار ما يصل إلى 20 مليار دولار لتبني طائرة جديدة بالكامل، أو 2.5 مليار دولار فقط لتركب محركات أكبر على هيكل الطائرة القديم، فضلت الشركة مجدداً الخيار الأرخص.
خلل برمجيات وخفض تكاليف
في أعقاب حوادث تحطم طائرتي "ماكس" التي كلفت مويلينبورغ وظيفته، تبيّن أن الضغوط التي مارسها المديرون أدت إلى تقويض تصميم الطائرة. فقد سعت "بوينغ" إلى تحميل طائرة "737" المنخفضة محركات أكبر، ما تطلّب تركيبها متقدمةً إلى الأمام وقريبة من أسفل الجناح، ما تسبب بزيادة احتمال انحراف الطائرة إلى الأعلى خلال بعض المناورات. للتعامل مع ذلك، أعدّ المهندسون برنامجاً للتحكم بالطيران حمل اسم " نظام تعزيز خصائص التحكم بالحركة" (MCAS) ليحرك الجناح الصغير في مؤخر الطائرة ليوازنها.
في ظل الأوامر الصادرة عن "بوينغ" المتعلقة بضبط تكلفة تدريب الطيارين على قيادة النسخة الجديدة من طائرة "737" عند الحد الأدنى، لم يكشف المطورون لدى "بوينغ" بالكامل عن طريقة عمل البرنامج لا إلى الطيارين العاملين لدى شركات الطيران ولا إلى إدارة الطيران الاتحادية. فقد تحطمت طائرتا "ماكس" في إندونيسيا وأثيوبيا عند تشغيل نظام (MCAS) نتيجة تلقي بيانات خاطئة من جهاز استشعار واحد، فيما لم يتمكن الطيارون المرتبكون من التعامل مع الأمر.
في عام 2021، كتب جو جيكبسون الذي كان يعمل مهندساً لدى إدارة الطيران الاتحادية رسالة إلى ذوي ساميا ستومو، الذي قضى في حادث تحطم الطائرة الأثيوبية عن 24 عاماً، جاء فيها أنه كان ليطرح تساؤلات حول برنامج (MCAS) لو علم بشأنه. كان جايبسكون قدم استشارات لـ"منظمة سلامة الطيران" غير الربحية في التقرير الذي أعدته استناداً إلى بيانات من قاعدة بيانات إدارة الطيران الاتحادية وقد أشار إلى أن شركة "ألاسكا إيرلاين" وحدها واجهت 1230 مشكلة تتعلق بأنظمة السلامة مثل المحركات والهيدروليك والضغط وأجهزة الكمبيوتر المستخدمة لإدارة الطيران منذ بدأت استخدام طائرات "ماكس" عام 2021.
"بوينغ" تسحب توجيهاتها المالية لعام 2024 وترفع شعار "السلامة تأتي أولاً"
توتر مع الهيئات الناظمة
تحدث كالهون بعد أيام من انسلاخ باب الطائرة في يناير فيما كانت عيناه مغرورقتين وأشار إلى كونه رب أسرة، قائلاً: "لدي أولاد وأحفاد"، ودعا العمال في مصنع "ماكس" في رينتون في ولاية واشنطن إلى تقبل ما سيأتي من تدقيق مشدد من الهيئات الرقابية، ناصحاً بالتواضع في التعامل مع المراقبين.
قال للعمال: "أثق بكل خطوة سيتخذونها". كان كالهون يرتدي ملابسه المعتادة كرئيس تنفيذي وهي قميص رسمي فوقها سترة بسحاب قصير وكان مقنع الأداء، إلا أنه كان متعارضاً تماماً مع سلوكه. قبل بضعة أسابيع فقط، سعت "بوينغ" لإقناع تلك الهيئات الناظمة نفسها بمنح نماذج "ماكس" المقبلة عفواً من بعض شروط السلامة. (تخلّى كالهون عن ذلك المسعى بعدما رضخ لضغوط عضوة مجلس الشيوخ الديمقراطية عن إيلينوي تامي داكوورث).
خلال سنواته كأحد أقطاب الاستثمارات في الحيازات الخاصة، كان كالهون رافضاً، لا بل حتى مستهجناً لمبدأ التنظيم الحكومي برمته. قال في مقابلة مع ماريا بارتيرومو على "فوكس بزنيس" عام 2016: "ببساطة الأمر لا يجدي، أنظر إلى الحوكمة بشكل عام على أنها تبطئ كل شيء يتعلق بأداء الشركة". حتى أن الواجهة التي كان يحاول أن يقدمها تزعزعت في بعض الأحيان حين كان يحاول إظهار الاحترام لهذه الهيئات رغماً عنه. خلال خطاب شغوف في 2022 تحدث فيه عن حاجة الشركة للعمل مع الهيئات الناظمة، قال "دعوها تقوم باكتشافاتها بنفسها، مهما كنتم تعتبرونها غير فعّالة".
تسنّت لكالهون فرصة لإعادة بناء ثقافة "بوينغ" من العمق بعد كارثتي إندونيسيا وأثيوبيا، لكنه بدل ذلك تمسك أكثر بالاستراتيجية القديمة نفسها، فوضع خطة في 2022 لتوليد تدفق نقدي حر سنوي بقيمة 10 مليارات دولار بحلول عام 2026 والبدء بإعادة بعض من تلك الأموال إلى المساهمين. كان هذا ملعباً مألوفاً له بعد 26 سنة قضاها متنقلاً بين أقسام "جنرال إلكتريك"، وأكثر من عقد في إدارة شركات تدعمها حيازات خاصة. كثيراً ما كان كالهون شريكاً لويلش في ملاعب الغولف، وقد وصفه يوماً كاتب خطابات رئيس "جنرال إلكتريك" بأنه "الأكثر شبهاً بجاك".
أميركا تفرض شروطاً إضافية على "بوينغ" لإعادة تشغيل "737 ماكس"
إجراءات إصلاحية
عثر المفتشون التابعون لإدارة الطيران الاتحادية الذين تحققوا من المصنع في رينتون بعد انفجار الباب على "عدة" حالات عدم التزام بإجراءات مراقبة الجودة. وقد أشار تقييم آخر من لجنة خبراء تعمل بتكليف من الكونغرس إلى "انفصال" بين الإدارة العليا في "بوينغ" وعمال التجميع، وأن بعضهم يخشون إجراءات انتقامية إن بلّغوا عن مشكلات في السلامة.
قال رئيس إدارة الطيران الاتحادية مايكل ويتيكر في مقابلة تلفزيونية في مارس إن أولويات الشركة "كانت الإنتاج وليس والسلامة والجودة". وقد أمرت إدارة الطيران "بوينغ" بخفض معدلات إنتاج طائرات "ماكس" إلى حين اقتناع الإدارة بأن كافة المشكلات قد عولجت. لكن الحكم النهائي صدر عن عملاء "بوينغ" أنفسهم، بعدما طلبت شركات الطيران الشهر الماضي مناقشة مخاوفها مباشرة مع مجلس الإدارة دون حضور كالهون.
أعلنت "بوينغ" عن اتخاذ عدة خطوات منذ حادث تحطم طائرة "ألاسكا إيرلاينز"، منها منح الميكانيكيين مزيداً من الوقت لإتمام التفتيش والتحقق من الامتثال لشروط السلامة، وإعادة صياغة نظام الحوافز المتعلقة بمكافآت العمال بما يشجع التركيز على السلامة والجودة. كما بدأت "بوينغ" محادثات لشراء شركة "سبيريت" مصنّعة هياكل الطائرات التي كانت في صلب عديد من المشكلات الأخيرة المتعلقة بالجودة. وكشفت "رويترز" في 4 أبريل أن "بوينغ" و"إيرباص" تعملان على إبرام صفقة لتقاسم عمليات "سبيريت"، بحسب أشخاص مطلعين.
قال كالهون إن الشركة لن تتسامح بعد الآن مع الأعمال التي لا تلتزم التتابع التي تسبب الإرباك. وأضاف في مقابلة مع "سي إن بي سي" في 25 مارس: "إذا ما صورنا الأمر كذلك، فسيبعث برسالة للموظفين بأن تحريك الطائرة (عبر خط الإنتاج) أهم من التحقق من الجودة من المرة الأولى، في حين أن علينا القيام بذلك بطريقة أكثر توازناً بلا شك".
الحل بصناعة طائرة جديدة
لدى "بوينغ"، التي تمر بواحدة من أوسع عمليات إعادة الهيكلة في تاريخها الممتد على مدى قرن، فرصةً جديدةً لإصلاح ثقافتها. فكالهون الآن سيغادر الشركة ومعه رئيس مجلس الإدارة لاري كيلنر ورئيس وحدة الطائرات التجارية ستانلي ديل. قال المحلل لدى شركة (AeroDynamic Advisory) الاستشارية ريتشارد أبو العافية إن الشخص الذي سيخلف كالهون "سيحتاج إلى أسلوب إدارة مختلف تماماً".
حين عُيّن القائد الأسطوري لـ"بوينغ" في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية بيل ألن في منصبه وأسهم في إطلاق عصر الطائرات النفاثة مع طائرة "707" لم تكن له هالة الرجل الجريء المقدام كما لكالهون وأمثاله، ولم يكن يسافر دون علبة بسكويته الهشّ ونظارتيه. ليلة تعيينه رئيساً لـ"بوينغ"، دوّن عدداً من وعود قطعها على نفسه في دفتر مذكراته، وضمّت بالإضافة إلى ممارسة التمارين الرياضية اليومية "الأخذ بآراء زملائي" و"عدم الحديث كثيراً والسماح للآخرين بالحديث" و"بذل جهد لفهم وجهة نظر العمال".
لمعالجة العلاقات مع الموظفين، سيكون جيداً أن يعيّن قائد "بوينغ" الجديد ممثلاً عن إحدى نقابات "بوينغ" في مجلس الإدارة كما يطالبون. كما أن الشركة ستعطي صورة أوضح عن مستقبلها إذا ما تخلّت أخيراً عن طائرات "ماكس". قال المحلل لدى "بنك أوف أميركا" رون إبستين لموردي الطائرات خلال مؤتمر قرب سياتل في فبراير إن صنع طائرة جديدة سيصب في مصلحة كافة الجهات المعنية، من العملاء إلى الموظفين وحتى المستثمرين الذين ربما يمتعضون من التكاليف على المدى القصير، لكنهم سيستفيدون على المدى الطويل.
كتب المحلل لدى بلومبرغ إنتلجنس جورج فيرغسون في ملاحظة أنه على الرغم من أن التكاليف قد تصل إلى 50 مليار دولار "لن يرغب أي رئيس تنفيذي تحمّل أن يرزح تحت هذا لسنوات من ولايته".
يقترح أحد الأشخاص المعروفين في قطاع الأعمال، وهو ديف كالهون ذاته، في الكتاب الذي شارك بتأليفه قبل نحو عقد ونصف، تحويل التركيز من ما يريده العملاء الآن إلى ما سيريدون في المستقبل. كتب: "ستحقق شركتك أرباحاً أكبر وحصة أكبر في السوق وتحظى بوفاء عملاء أكبر فيما يعاني منافسوك ويتلاشون. كل ذلك يبدأ من تغيير وجهة النظر". إذاً على قائد "بوينغ" المقبل أن يستفيد من أقوال كالهون وليس من أفعاله.