يملك التايوانيون حالياً ما تزيد قيمته عن 50 مليار دولار في الصناديق المتداولة التي تتتبع الأسهم المحلية

أسهم الذكاء الاصطناعي تغذي الإقبال على صناديق تايوان المتداولة

صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

من الصباح الباكر وحتى آخر الليل، يجد عدد متزايد من التايوانيين أنفسهم يتابعون بلا توقف مقاطع عبر "يوتيوب"، ومجموعات مختلفة على "فيسبوك" ومنتديات الإنترنت، تحرياً لنصائح عن الصناديق المتداولة، خشية تفويت أي فرصة لجني ما يعتقدون أنه سيكون أرباحاً ضخمة، لأن جانباً كبيراً من مدخراتهم، وفي بعض الحالات كلها، مستثمرة في صناديق متداولة تتتبع الأسهم التايوانية.

قالت آني، وهي مساعدة إدارية سابقة في تايبيه استثمرت مدخرات حساب تقاعدها، وقدرها ثلاثة ملايين دولار تايواني جديد (93 ألف دولار أميركي)، في تلك الصناديق، وطلبت استخدام اسمها باللغة الإنجليزية فقط لحماية خصوصيتها: "الجميع يتحدثون عن الصناديق المتداولة. أبنائي قالوا لي إن هذه حماقة، لكنهم جميعاً استثمروا الآن".

أطلق الاهتمام المتزايد بأسهم الذكاء الاصطناعي موجة ازدهار غير مسبوقة في تايوان. ارتفع مؤشر الأسهم القياسي المحلي 30% خلال 2023، مدفوعاً بمكاسب 55% لسهم شركة "تايوان سيميكوندكتور مانوفاكتشورينغ"، وهي الرائدة العالمية في صناعة الرقائق، وأكبر الموردين لشركة "إنفيديا".

يملك التايوانيون حالياً أكثر من 50 مليار دولار في الصناديق المتداولة التي تتتبع الأسهم المحلية، بارتفاع تخطى 80% مقارنة بالفترة نفسها قبل عام، وبارتفاع 12 مثلاً عن مستوياتها في 2019. يرتفع إجمالي الحيازات في الصناديق المتداولة إلى 130 مليار دولار، إذا أخذنا في الاعتبار صناديق الاستثمار في السندات والصناديق التي تركز على الأسهم خارج البلاد.

سوق عملاقة

تايوان هي ثالث أكبر سوق للصناديق المتداولة في آسيا، بعد اليابان والصين. لكن وفقاً لشركة "سي تي بي سي إنفستمنتس" (CTBC Investments) للوساطة في تايبيه، تهيمن المصارف المركزية والشراة الحكوميون على أغلبية الخيارات في اليابان والصين، فيما تأتي نحو 80% من الأصول المستثمرة في صناديق الأسهم من مستثمرين أفراد في تايوان. وتشير توقعات "بلومبرغ إنتليجنس" إلى أن ثلث مواطني تايوان سيملكون حصصاً في صناديق بحلول ديسمبر وفقاً للتوجه السائد.

نظراً لأن البعض يقترضون من خلال الرهون العقارية العكسية للاستثمار في الصناديق المتداولة، أعرب مسؤولون تايوانيون عن مخاوفهم بشأن هذا النمو السريع. قال محافظ البنك المركزي يانغ تشين-لونغ في جلسة برلمانية عُقدت في مارس، إن بعض المستثمرين "ينقادون مثل قطيع خراف".

اقرأ أيضاً: أرباح "تايوان لأشباه الموصلات" تفوق التوقعات بالربع الثالث

قالت هيئة الرقابة المالية في البلاد، وهي الجهة الرقابية للأسواق، إنها تدقق في الشركات التي تُطلق الصناديق المتداولة، لتفهم كل ما يحدث بدءاً من الإفصاح عن المخاطر وحتى الصفقات الترويجية مع المؤثرين على الإنترنت.

رغم أن الهيئة لم تعلن أي غرامات، قال رئيس هيئة الرقابة المالية هوانغ تيان-مو إن بعض المؤثرين يخفقون في الإفصاح عن اتفاقات الرعاية التي أبرموها مع الصناديق، وأعرب عن مخاوفه من أن الدعاية قد توحي بأن العوائد مضمونة.

قال تيان-مو للصحفيين بعد أيام من خطاب تشين-لونغ: "الناس يخافون من تفويت الفرصة. سنساعد المستثمرين على فهم المخاطر التي تنطوي عليها الصناديق المتداولة، ونحول دون تضليل المسوّقين لهم".

منافسة محمومة

تضغط شركات الأوراق المالية على الجهات التنظيمية لتسمح لها بإنشاء صناديق متداولة نشطة الإدارة، فيما أن الصناديق القائمة تتتبع ببساطة مؤشرات بعينها. يُرجّح أن تتلقى البلاد مزيداً من هذه الطلبات إذا سارت تايوان على نهج الولايات المتحدة، حيث طرح قطاع الصناديق المتداولة أدوات أكثر تحديداً من ذي قبل تستهدف الأسواق المتخصصة.

قال موريس تشين، رئيس شركة الوساطة "سي تي بي سي"، إن الاهتمام المتنامي يشجع "المنافسة المحمومة... على اللاعبين أن يتنافسوا أكثر في تطوير المنتجات والتسويق والمبيعات".

طرحت "يوانتا فَندز" (Yuanta Funds)، وهي أكبر جهة لإصدار الصناديق المتداولة في تايوان، صندوقاً في مارس بلغ سعر الحصة المبدئي فيه عشرة دولارات تايوانية (31 سنتاً أميركياً) فحسب، ووعدت بتوزيعات أرباح شهرية، وهو أمر مهم لأن عدداً كبيراً من الشراة متقاعدون يبحثون عن دخل من استثماراتهم يمكنهم الاعتماد عليه.

اقرأ أيضاً: "TSMC" تستهدف 60% توريدات محلية لأول مصنع باليابان في 2030

خلال خمسة أيام فقط، جمع الصندوق 175 مليار دولار تايواني ليغدو أكبر صندوق متداول لدى الإصدار في العالم. لكن الصندوق لم يحقق نجاحاً هائلاً، إذ تُتداول أسهمه، التي كان سعرها 10 دولارات تايوانية، اليوم عند 9.8 دولار تايواني.

حققت سنوات من أسعار الفائدة المنخفصة والنمو القوي المدفوع بالصادرات سيولة نقدية كبيرة للمستثمرين دون أن تتيح لهم سوى فرص قليلة لتحقيق عوائد جيدة. في الماضي، ركزت صناديق المؤشرات التي كانت تعِد بتوزيعات أرباح كبيرة على الشركات ذات المدفوعات المستقرة، لكنها عادةً لا ترتفع بسرعة.

رغم ذلك، تُقدّم الأسهم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي فرصة للمستثمرين ليتتبعوا موردي التقنية، مثل شركة تجميع الرقائق "إيه إس سي تكنولوجي هولدينغ" وشركة تصميم الرقائق "ميدياتيك" (MediaTek)، التي تقدم توزيعات أرباح سخية، وشهدوا مكاسب أسعار كبيرة في تيار الذكاء الاصطناعي الصاعد.

رواج على مواقع التواصل الاجتماعي

تزخر مواقع التواصل الاجتماعي بنصائح عن الصناديق المتداولة، وتسارع الشركات المالية لعقد صفقات رعاية مع عشرات المؤثرين الذين برزوا خلال السنوات الأخيرة. لدى اثنين من صنّاع المحتوى من تايبيه، يسميان نفسيهما "زد آر بروز" (ZRBros) أكثر من مليون متابع على قناتهما على "يوتيوب"، ويناقشان عبرها جوانب متنوعة من عالم المال من خلال رسوم بيانية ورسوميات جذابة، كما تظهر عادةً في مقاطعهم قطة تقبع ساكنةً.

المحتوى المتعلق بالصناديق المتداولة هو الأنجح، وتتلقى قناة "زد آر بروز" مئات الرسائل أسبوعياً عن الموضوع. رغم أن صانعَي المحتوى يرفضان الإفصاح عن قدر الأموال التي يحصلان عليها من صفقات الرعاية الخاصة بالصناديق المتداولة من الشركات المالية، فهما يُقرّان أنه يمثل جانباً كبيراً من دخلهما.

قال أحدهما، ويُعرف باسم شو: "كنا نتحدث عن مواضيع أخرى، لكن الصناديق المتداولة أضحت أكثر شيوعاً بكثير. كما استشعرت شركات الاستثمار هذا النمو، إذ أضافت مزيداً من الصناديق، ومنحتنا مواضيع لا تنضب لنتناولها".

اقرأ أيضاً: انتعاش أسهم الرقائق يقود مؤشر تايوان لأفضل أداء منذ نوفمبر

قالت روينا تشانغ، وهي مديرة في "فيتش ريتينغز"، إن النمو الهائل في الصناديق المتداولة في تايوان، خصوصاً التي تركز على أسهم التقنية أو ذات الأرباح الكبيرة، يهدد بزيادة التقلب في السوق. ولأن الصناديق تركز عادةً على تشكيلة محدودة من الشركات، فهي تخاطر بتضخيم التقييمات. قالت تشانغ: "بالنسبة للمستثمرين، فإن الخطر الأساسي يكمن في تقلبات أسعار تلك الأسهم".

حتى أن بعض المستفيدين من موجة الازدهار تلك يدعون لشيء من الحذر. يُقرّ جوليان ليو، رئيس مجلس إدارة "يوانتا"، بمخاطر الارتفاع المفرط في الأسعار على المدى القريب، الذي يشير إليه الطلب القوي على غير العادة على صندوق الشركة الجديد وصناديق أخرى.

لكنه أكد أنه في ظل التدقيق المتزايد من جانب الهيئات التنظيمية، فإن الأمر لن يُحدث مشكلةً على المدى الأطول. قال ليو: "إذا أصبت بنزلة برد، عليك أن تزور الطبيب وتتناول دواءً... علينا جميعاً أن نأخذ قسطاً من الراحة. ستهدأ الأمور في نهاية المطاف وستواصل السوق تطورها".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك