يٌعدّ تصويت مجلس النواب الأميركي لصالح مشروع قانون قد يؤدي إلى حظر تطبيق مشاركة المقاطع المصورة "تيك توك"، أحد أجرأ الخطوات التي تتخذها البلاد في عصر وسائل التواصل الاجتماعي. إلا أن كثيراً من المشرّعين الذين عارضوا مشروع القانون، دعوا لتفكير أوسع نطاقاً.
قال النائب الديمقراطي عن ويسكونسن مارك بوكان في تغريدة عبر منصة "أكس" بعدما صوّت ضد مشروع القانون: "يجب أن نعالج مسألة خصوصية البيانات على امتداد كافة وسائل التواصل الاجتماعي، بما فيها الشركات الأميركية مثل (ميتا) و(إكس) من خلال قوانين جدية تحمي حرية التعبير، وليس عبر استهداف منصة بعينها".
لقد أحيل مشروع القانون الذي يلزم شركة "بايت دانس" الصينية بالتخلي عن حصتها في "تيك توك" كشرط لاستمرار عمل التطبيق في الولايات المتحدة، إلى مجلس الشيوخ، حيث تؤشر كافة الدلالات إلى أن إقراره هناك سيواجه صعوبات أكبر. وكان بعض أعضاء مجلس الشيوخ اعتبروا أن الطريقة الأفضل لسنّ تشريع "تيك توك" بحيث يصمد في وجه الطعون القانونية هي من خلال وضع قواعد تتناول خصوصية البيانات بما يشمل قطاع التقنية برمته، وهي فكرة متداولة في واشنطن منذ سنوات، ولكنها لم تقترب من أن تصبح قانوناً.
مخاوف من الصين
سبق أن حاججت "تيك توك"، التي رفضت التعليق، أن القوانين التي تنظم كامل القطاع هي الحلّ الأفضل، وأعلنت أنها استثمرت بسخاء لحماية البيانات الشخصية ولتدقيق عملياتها خدمةً لهذه الغاية. كما سعت لدفع فكرة وضع مثل هذه الضوابط في اجتماعاتها الأخيرة مع مسؤولين أميركيين، بحسب شخص مطّلع على المحادثات ليس مخولاً بالحديث علناً. كانت "بايتس دانس" قد أنفقت 21 مليون دولار على مجموعات الضغط على المستوى الاتحادي منذ إفصاحها الأول عن بياناتها المالية في نهاية 2019.
يحذّر مسؤولون استخباراتيون في الولايات المتحدة الكونغرس منذ سنوات من أن سيطرة الصين على "تيك توك" تهديد خطير يبرر حظر التطبيق. وكان الرئيس السابق دونالد ترمب قد حاول حظر التطبيق، ولكن الرئيس جو بايدن ألغى أوامر ترمب التنفيذية التي تقترح حظراً شاملاً، مع ذلك وقع على قانون في نهاية 2022 يحظر استخدام التطبيق على الأجهزة الحكومية.
وقد أصدرت أكثر من 30 ولاية أميركية قوانين محلية مشابهة من حيث الأثر. وكان المشرّعون في ولاية مونتانا قد صوتوا لصالح حظر شامل على "تيك توك" في الولاية، إلا أن هذا القانون ما يزال عالقاً في المحكمة.
أشار منتقدو "تيك توك" إلى عدة مشاكل تعتري التطبيق. فهم قلقون من أن حكومة الصين قد تستغله بغرض الوصول إلى بيانات مستخدميه الشخصية، ومن احتمال أن تنشر بكين سراً محتوى ضاراً موجهاً إلى مستخدميه في الولايات المتحدة الذين يُقدر عددهم بـ170 مليوناً، وذلك من خلال التلاعب بخوارزميات تحدد ما يعرض لهم من المقاطع المصورة. برغم تفحص التطبيق لسنوات، لم يشارك مسؤولون أميركيون علناً أي أدلة تشير إلى وقوع أي من هذه الأمور. وكانت منصة "تيك توك" قد نفت مراراً مزاعم بأنها ترتكب مخالفات وقالت إنها لا تخضع للحكومة الصينية.
حرية التعبير
حذر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية كريستوفر راي في شهادة أمام الكونغرس في 12 مارس من "قدرة الصين على القيام بعمليات تأثير" من خلال تغيير خوارزميات اقتراحات المحتوى، مضيفاً أن "اكتشاف هذا صعب بدرجة استثنائية، ولهذا فهو خطر وخيم".
توجد بضعة قوانين تحكم الطريقة التي تقدم فيها الخوارزميات محتوى محدداً، ويتعين على أي قوانين في هذا المجال أن تأخذ بعين الاعتبار الأحكام الصادرة عن المحاكم التي تؤكد على التعديل الأول للدستور الأميركي الذي يمنع فرض أي قيود على حرية التعبير للأميركيين وإطلاعهم على المعلومات.
قال باتريك تومي، نائب مدير مشروع الأمن القومي لدى الاتحاد الأميركي للحريات المدنية إن تقييد حرية التعبير لدواعي الأمن القومي يتطلب دليلاً على "خطر كبير أو وشيك"، وأضاف: "لم يُقدم هذا الدليل لا أمام المواطنين ولا أمام المحاكم".
حتى أن إظهار أن "تيك توك" يُستخدم من أجل الترويج لحملات مدعومة من دولة أجنبية قد لا يكون كافياً، نظراً لقرار صادر بالإجماع عن المحكمة الأميركية العليا في 1965 ألغى قوانين تمكّن مكتب البريد الأميركي من تقييد الدعاية الشيوعية التي يبثها الحزب الشيوعي الصيني.
وقال مقدمو مشروع قانون "تيك توك" في مجلس النواب إنهم عملوا مع وزارة العدل، وهم يحاججون بأن مشروع قانونهم سيتجاوز التدقيق القانوني لأنه ينظم سلوك الشركة من خلال منح "بايت دانس" خيار سحب استثماراتها من "تيك توك"، ولا يهدف لحظر أنواع محددة من المحتوى.
اقرأ أيضاً: مجلس النواب الأميركي يقر مشروع قانون حظر "تيك توك"
المنصات الأخرى
من جانبهم، يرى مؤيدو تشديد تنظيم الإنترنت أنه يمكن اعتماد وسائل قانونية قابلة للاستمرار تنظم برمجيات مثل محرك اقتراحات محتوى "تيك توك". رأت كالي شرودر، الاستشارية العليا والمستشارة الدولية حول الخصوصية في مركز خصوصية المعلومات الإلكترونية، أنه على الضوابط الاتحادية أن تفرض على شركات التقنية التزام الشفافية حيال الأولوية التي تحددها خوارزمياتها لمحتوى دون آخر، على ألا يكون تطبيق ذلك محصوراً بـ"تيك توك"، بل يشمل أيضاً "فيسبوك" و"إنستغرام" و"يوتيوب" و"إكس" وغيرها من الخدمات التي اتُهمت بالتحريض على العنف والتأثير على الانتخابات وعرض محتوى خطير للأطفال.
وكانت 15 ولاية على الأقل أصدرت قوانين محلية متعلقة بالخصوصية، استند بعضها إلى قانون حماية البيانات العامة الأوروبي، فيما دعا مركز خصوصية المعلومات الإلكترونية وغيره من المجموعات، إلى وضع معيار اتحادي لخصوصية البيانات يتيح للمستخدمين معرفة من يطّلع على معلوماتهم الشخصية، ومنحهم القدرة على الاعتراض أو إلغاء موافقتهم على مشاركة تلك المعلومات وتصحيح بياناتهم أو حذفها.
اعتبرت شرودر أنه على مثل هذه الضوابط تحديد مواضيع حساسة مثل العرق أو الجنس أو الميول الجنسية أو الانتماءات السياسية التي تتطلب حماية إضافية.
حتى لو تغيرت الشركة التي تملك "تيك توك"، لن يزيل ذلك المخاطر الأوسع للمعلومات على الإنترنت ومشاركة البيانات. وقالت شرودر: "إذا ما نظرت إلى بيئة الإنترنت على أنها مصفاة بها مليون ثقب، لا أعرف لماذا يظنون أن سدّ أحد هذه الثقوب سيعالج المشاكل".
وكانت كبرى شركات التقنية قالت إنها تفضل اعتماد معايير وطنية بدل كثير من القوانين المتباينة على مستوى الولايات، في ما يخصّ مسائل مثل الخصوصية، إلا أن البنود المحددة في أي مشروع قانون يُخضع شركات التقنية للمساءلة، سيواجه على الأرجح اعتراضات شديدة.
مراجعات مجلس الشيوخ
وكان أعضاء في مجلس الشيوخ قد أشاروا إلى عدة مشاكل تعتري مشروع القانون المتعلق بـ"تيك توك" الذي أقرّه مجلس النواب. في غضون ذلك، تعمل عضو مجلس الشيوخ الديمقراطية عن ولاية واشنطن ماريا كانتويل التي تترأس لجنة التجارة المعنية بمراجعة مشروع القانون في المرحلة التالية، على مشروع قانون آخر خاص بها يتعلق بـ"تيك توك". وفيما عبرت عن قلقها من المخاطر الأمنية الناجمة عن اطّلاع شركات التقنية على بيانات المستخدمين، إلا أنها شككت بمدى دستورية نهج مجلس النواب. وكانت قد أعلنت بعد التصويت أنها ستعمل مع المشرعين في غرفتيّ الكونغرس من أجل "محاولة بناء مسار مستقبلي يكون دستورياً ويحمي الحريات المدنية".
ويتطلب أي تعديل على مشروع القانون في مجلس الشيوخ إعادة تصويت مجلس النواب على النسخة الجديدة.
ولم يسبق لأي مشاريع قوانين تتعلق بخصوصية البيانات أن تجاوزت لجنة كانتويل. في العام الماضي، وجهت كانتويل انتقادات حادة لمشروع قانون يتعلق بالخصوصية والطريقة الموضوعة لتنفيذه، بعدما أقرته إحدى لجان مجلس النواب وتمكن من الذهاب أبعد من أي مقترحات أخرى مشابهة. وكانت اللجنة قد تمكنت من تقديم مشروعيّ قوانين في العام الماضي لتعزيز حماية الأطفال على الإنترنت، إلا أنهما لم يحصلا على تصويت كامل في مجلس الشيوخ.
اقرأ أيضاً: نيويورك تحظر "تيك توك" من الهواتف الحكومية بسبب مخاوف أمنية
يعتزم مجلس النواب أيضاً التصويت على مشروع قانون ثان يحظر على وسطاء البيانات نقل بيانات المستخدمين الأميركيين الحساسة إلى خصوم أجانب. فهذا الإجراء الذي تقدمت به لجنة الطاقة والتجارة في مجلس النواب إلى جانب القانون المتعلق بـ"تيك توك"، يلي أمراً تنفيذياً صادراً عن إدارة بايدن يهدف إلى منع "الدول المثيرة للقلق" من شراء المعلومات الخاصة المتعلقة بصحة المواطنين الأميركيين ومورثاتهم ومواقعهم وأوضاعهم المالية.
وفيما لم ترق أي من الخطوتين إلى مستوى معيار اتحادي لخصوصية المعلومات، إلا أنهما تشكلان اعترافاً بأن افتقار السوق لمعايير تنظم البيانات الشخصية قد يمكن حكومات أجنبية من الاطلاع على كميات هائلة من المعلومات التي قد تكون سرية.
قال إيفان تساريني، الرئيس التنفيذي لشركة الأمن السيبراني "فيروت سيكوريتي" (Feroot Security) الذي قدم شهادة أمام المشرعين حول مسائل الخصوصية المتعلقة بـ"تيك توك"، إنه على الرغم من حماسة المشرعين تجاه التهديد الصادر عن بكين إلا أن ذلك قد يشتت الانتباه عن المشكلة الأكبر أكثر ما يقدم حلاً. وأضاف: "(تيك توك) مثير وبراق حالياً لأنه مرتبط بالصين".