قادت كايتي بورتر معظم حملة إعادة انتخابها لعضوية مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية كاليفورنيا عبر منصة "تيك توك". وقد ظهرت الديمقراطية الخمسينية التي تمثّل إحدى مناطق أورانج كاونتي، في مقطع مصور من أول ما نشرت عبر المنصة مرتديةً وشاحاً نُقشت عليه كلمة "صوّتوا" فيما كانت وراء مقود حافلة صغيرة مزينة بأشرطة زرقاء.
في المقطع، الذي شوهد 760 ألف مرة وحصل على 86 ألف إعجاب و2100 تعليق، تصيح بورتر: "ادخل يا فاشل، سنذهب للتصويت"، في عبارة مستوحاة من جملة شهيرة وردت في فيلم (Mean Girls) واستُخدمت في كثير من الميمز.
"تيك توك" مصدر للأخبار
يلجأ المرشحون في كل دورة انتخابية إلى وسائل التواصل الاجتماعي في مسعى لجذب الناخبين الشباب، حتى بات شائعاً أن تُسمى كلّ عملية انتخابية تيمناً بمنصة تواصل اجتماعي تكون رائجة حينها، وتكثر المؤشرات التي تدعو إلى تسمية انتخابات 2024 بانتخابات "تيك توك".
بيّن "مركز بيو" للأبحاث أن أكثر من 170 مليون أميركي يستخدمون التطبيق شهرياً، وقال حوالي 43% من مستخدميه إنهم عادة ما يتابعون الأخبار عبر الموقع، وهو ضعفا النسبة التي كانت مسجلة قبل ثلاث سنوات، كما يتابع نحو ثلث الراشدين الأميركيين دون سن 30 عاماً الأخبار عبر "تيك توك". في غضون ذلك، تقلصت متابعة الأخبار عبر "فيسبوك" و"إكس"، فيما قالت شركة "ميتا بلاتفورمز" إنها ستقلل المحتوى الإخباري عبر منصتها.
لكن تأثير "تيك توك" على الطبقة السياسية يواجه تعقيدات نظراً لوضعه السياسي، فهو تطبيق تملكه شركة "بايت دانس" الصينية، وهذا يجعله موضع شكّ مثل سائر التقنيات المرتبطة بالصين. وربما لهذا السبب، بورتر هي واحدة من قلة من السياسيين الذين أقبلوا بشدة على التطبيق.
اقرأ أيضاً: إنفوغراف: الولايات المتحدة الأكثر استخداماً لتطبيق "تيك توك"
شعبية لم تترجم بصناديق الاقتراع
تشير بعض الدلائل إلى أن بورتر استفادت من استخدام "تيك توك" خلال حملتها الانتخابية، فقد حصدت ضعفَي المشاهدات التي نالها على "تيك توك" منافسها الأساسي في السباق الانتخابي لمجلس الشيوخ، النائب الديمقراطي آدم شيف، برغم أنها نشرت نصف عدد المقاطع المصورة التي نشرها.
لقد تلقت منشوراتها إعجابات وتعليقات وأعيد نشرها بمعدلات تضاهي تلك التي يسجلها المؤثرون المحترفون على وسائل التواصل الاجتماعي. وكانت استطلاعات الرأي تشير أيضاً إلى تقدم جيد لبورتر بين الناخبين دون الـ40 عاماً مع الاقتراب من الانتخابات التمهيدية في كاليفورنيا التي كانت في الخامس من مارس، مع ذلك حلّت بالمرتبة الثالثة بفارق كبير عن منافسيها. فحملتها الانتخابية التي قيل إنها تظهر قوة وسائل التواصل الاجتماعي كأداة انتخابية، انتهى بها الأمر كمثال على محدودية تأثيرها.
لم تكن لبعض العوامل التي تسببت بخسارة بورتر أي علاقة بالفيديوهات القصيرة على الهواتف الذكية، فقد تقاسمت أصوات الناخبين التقدميين مع النائبة الديمقراطية الأخرى باربرا لي، فيما استفاد شيف من تقدمه على صعيد جمع التبرعات لتمويل حملته، وكان في ذلك عون للمرشح الجمهوري ستيف غارفي الذي حلّ ثانياً في الانتخابات التمهيدية المفتوحة في كاليفورنيا.
كما بثت إحدى لجان العمل السياسي الناشطة في مجال العملات المشفرة إعلانات هاجمت فيها بورتر قبيل الانتخابات. ولكن اللافت أن شعبية بورتر على الإنترنت لم تُترجم إلى أصوات في صناديق الاقتراع. فنسبة الناخبين من عمر 35 أو أصغر لم تتجاوز 10%، فيما كان 47% من الناخبين من سن 65 وما فوق، بحسب تحليل للاقتراع المبكر قامت به شركة "بي دي أي" (PDI). بالنسبة للسياسيين، لا يهم إذا كنت محبوباً في أوساط الشباب، المهم أن يدلوا بأصواتهم لصالحك.
مثال يحتذى به
ما يزال معظم التسويق الانتخابي قائم عبر القنوات التقليدية، إلا أن حصة الإعلام الرقمي تتزايد، فالحملات الانتخابية باتت تعتبر هذه الوسائل طريقة جيدة لاستقطاب الشباب، حيث لعب الناخبون دون سن 30 عاماً دوراً هاماً في فوز الحزب الديمقراطي في عدد من الانتخابات بالآونة الأخيرة، إلا أن بعض المؤشرات تنذر بأن عدد الناخبين الشباب الذين يعتزمون التصويت عام 2024 أقل ممّا كان عليه قبل أربع سنوات.
يمكن أن تقدم حملة بورتر الانتخابية مثالاً يحتذى به حتى لو لم تؤد إلى فوزها في مجلس الشيوخ. قال سام وولي، مدير مختبر بحوث الدعاية في جامعة تكساس التابع لمركز التواصل الإعلامي في أوستن في مقابلة قبل الانتخابات إن "كايتي بورتر تقدم نهجاً جديداً ومثيراً للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة فعلية من قبل الحزب الديمقراطي... حتى في حال الخسارة، يتعين النظر إلى الجوانب التي حققت فيها بورتر نجاحاً".
قال وولي إن بورتر أدركت كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، التي تكافئ المرشحين الذين ينجحون في إظهار أنفسهم بصورة غير متكلفة وحقيقية وجريئة بعض الشيء. مع ذلك، قد يبدو اتباع مثل هذا الأسلوب خطراً على المرشحين الذين يكونون في العادة أكبر عمراً وأكثر جدية من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي. عند استخدام منصات أخرى، يمكن لبورتر أن تستهدف مؤيدين محتملين لها، من خلال استثناء هواة الصيد مثلاً أو محبي إيلون ماسك كما فعلت حين استخدمت "فيسبوك" للتسويق لنفسها. ولكن بما أن "تيك توك" لا يسمح بالإعلان السياسي، لا يمكنها التحكم بمن يرى مقاطعها المصورة، والطريقة الوحيدة لتصل إلى عدد كبير من الناخبين هي عبر الانتشار الواسع لتلك المقاطع.
إقبال السياسيين على "تيك توك"
كان كثير من الساسة الآخرين، أغلبهم من الديمقراطيين، قد حصدوا عدداً لا بأس به من المتابعين على "تيك توك". مثلاً، لدى النائب عن كارولاينا الشمالية جيف جاكسون 2.5 مليون متابع يشاهدون مقاطع يتحدث فيها عن آخر مستجدات الكونغرس بطريقة لبقة وحوارية، فيما لدى عضو مجلس الشيوخ بيرني ساندرز أكثر من مليون متابع، وهو غالباً ما ينشر الخطابات العامة التي يلقيها. أمّا النائبة أليكسندريا أوكاسيو كورتيز فتقترب من مليون متابع وهي جدية حيال استخدام "تيك توك" لدرجة أنها تقتني ميكروفوناً صغيراً لتستخدمه في مقاطعها كما يفعل الشباب.
أطلقت حملة الرئيس جو بايدن الانتخابية حساباً على "تيك توك" خلال مباراة السوبر بول. وقد شاركت أكثر من 30 منشوراً منذئذ، وبات لها 201 ألف متابع وحصدت 1.8 مليون مشاهدة. وفيما تناولت المقاطع بعض المسائل المتعلقة بالسياسات مثل حق الإجهاض، إلا أنها استخدمت أيضاً بعض مصطلحات الإنترنت والميمز من أجل تقديم الرئيس بصورة قريبة من المتابعين.
في أحد المقاطع، يبدو الرئيس مصدوماً وعيناه ترمشان لدى رؤيته النائبة الجمهورية عن جورجيا مارجوري تايلر غرين تعتمر قبعة تحمل شعار حملة دونالد ترمب "لنجعل أميركا عظيمة مجدداً" قبل خطاب حال الاتحاد الذي ألقاه بايدن. وجاء في العبارة تحت الصورة "ردة فعل الرئيس بايدن حيال مارجوري تايلر غرين تمثلنا جميعاً".
اقرأ أيضاً: نيويورك تحظر "تيك توك" من الهواتف الحكومية بسبب مخاوف أمنية
مخاوف من الارتباطات بالصين
إلا أن كثيراً من الساسة يتخوفون من "تيك توك" بسبب ارتباطاته بالصين، فقد خضع التطبيق للتدقيق تحت إدارتَي ترمب وبايدن، وتناولته عدة مشاريع قوانين في مسعى للحدّ من انتشاره في الولايات المتحدة. إذ يُحظر على موظفي الحكومة الاتحادية في الولايات المتحدة استخدام التطبيق على أجهزتهم الحكومية، كما صوّت مجلس النواب في الأسبوع الماضي على مشروع قانون يجبر "تيك توك" على الانفصال عن مالكته "بايت دانس" تحت طائلة حظره في الولايات المتحدة.
وكان بايدن قال إنه سيوقع على مشروع القانون في حال التصويت عليه في الكونغرس. (كان ترمب الذي طالما انتقد "تيك توك" غير رأيه حديثاً وقال إنه يعارض حظر التطبيق بما أن ذلك يصب لمصلحة "فيسبوك" الذي حذف حسابه لسنتين بعد أحداث 6 يناير 2021).
اقرأ أيضاً: مجلس النواب الأميركي يقر مشروع قانون حظر "تيك توك"
كان "تيك توك" قد اعترض على اتهامه بتهديد خصوصية المستخدمين أو الأمن الوطني وقال إنه يعمل بشكل مستقل عن الصين.
يمكن للتعارض بين سعي الساسة للوصول إلى الشباب وحاجتهم لتحسين مصداقية مواقفهم الحازمة تجاه الصين أن يسبب لهم حرجاً فيما تتقدم حملاتهم خلال الموسم الانتخابي. بالطبع، قد يبدو استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي للمرة الأولى مربكاً بعض الشيء، لذا على القائمين على حملاتهم الانتخابية اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت المخاطر تستحق تخصيص وقت المرشحين لها، لأن وقتهم هو أحد أهم موارد حملاتهم.
قالت ميغان كلاسن، الشريكة في مؤسسة "غامبيت ستراتيجيز" (Gambit Strategies) التي سبق أن عملت لصالح ساسة بينهم بايدن وجاكسون وحاكم ولاية ألينوي الديمقراطي جي بي بريتزيكر: "لا شكّ أن الأمر يتطلب الموازنة بين أمرين. يرتكب الأشخاص أحياناً خطأً بمحاولة التفاعل مع كل ميم على الإنترنت".