تتجه أنظار الاقتصاديين والمستثمرين عادةً إلى كبرى الشركات والأسواق المالية تحرياً لإشارات تبين مسار الاقتصاد الأميركي. لكن إن رغبت بجسّ هذا النبض، فعليك بأن تتحراه لدى الشركات الصغيرة.
سواءً اتجهت إلى محل لمعدات الحيوانات الأليفة في كاليفورنيا، أو متجر ملابس في فيرجينيا، أو مركز بستنة في نيوجيرسي، أو بيت مزادات في ألاسكا، ستجد أصحابها يقولون إن زبائنهم ما زالوا ينفقون المال، وإن أوان الحديث عن الركود لم يأت بعد. لكنهم يرون أن هناك مزيداً من دواعي توخي الحذر، فيما تتفاعل تبعات ارتفاع تكاليف الاقتراض.
في حال تعثّر الاقتصاد، فإن الشركات الأميركية الصغيرة، التي يبلغ عددها 33 مليوناً، هي من سيطلق جرس الإنذار. توضح بيانات حكومية أن تلك الشركات تمثل وظيفتين من كل ثلاث وظائف استحدثت خلال الأعوام الـ25 السابقة.
أظهر استبيان للاتحاد الوطني للأعمال المستقلة في نوفمبر، أن أصحاب الأعمال متشائمون بشأن أوضاع العمل المستقبلية، استناداً لمخاوف بشأن التضخم، وتراجع المبيعات، ونقص الأيدي العاملة. كما أن مزيداً من الشركات الصغيرة تقلص أعداد الوظائف بدلاً من أن تزيدها، كما تراجع تفاؤل تلك الشركات إلى أدنى مستوياته خلال ستة أشهر، وقد أعلنت نحو ثلث تلك الشركات عن تراجع أرباحها خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.
قلق يتزايد
زاد ارتفاع أسعار الفائدة من قلق الشركات والمستهلكين على حد سواء. قال درو تاينر، صاحب "كالغو غاردنز" (Calgo Gardens)، وهو مشتل ومركز تنسيق الحدائق في فريهولد بولاية نيوجيرسي، إن الزبائن يمضون وقتاً أطول في التسوق بحثاً عن صفقة أفضل، و"يتوخون مزيداً من الحذر بشأن كيفية إنفاق أموالهم".
كما أن الموظفين الذين تركوا "كالغو غاردنز" بحثاً عن فرص أفضل في أماكن أخرى بعد الجائحة عادوا إلى تاينر بحثاً عن فرصة عمل لديه من جديد، وهو ما يراه تاينر علامة على تباطؤ وشيك. قال: "ترك عديد منهم عملهم هنا سعياً لتحقيق ما يرغبون فيه، وهم يعودون الآن بحثاً عن وظيفة أكثر استقراراً".
اقرأ أيضاً: ازدهار الشركات الصغيرة خلال الجائحة يحفز الاقتصاد الأميركي
قال دان نيومان، الذي يدير نشاطاً لتنظيم المزادات في أنكوراج، إن نقص الأيدي العاملة ما يزال أكبر مخاوفه، لكن مزيداً من المشترين يزايدون على سلع يعتقدون أنها صفقات رابحة. أضاف نيومان، الذي يدير شركة "ألاسكا بريمير أوكشنز آند أبريزالس" (Alaska Premier Auctions & Appraisals): "شهدنا اهتماماً كبيراً بالأثاث والأدوات والأجهزة. قد لا يرغب أحدهم في شراء منشار كهربائي جديد، لأن شراء منشار مستعمل لمدة عام أو اثنين ما يزال خياراً ملائماً جداً".
رياح معاكسة
يسبب ارتفاع تكلفة الاقتراض رياحاً معاكسة بعد رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة. قال محللون في "غولدمان ساكس" إن الشركات الصغيرة تنفق قسطاً أكبر من الإيرادات على مدفوعات الفائدة مقارنة بنظيراتها الأكبر، كما يرون أن أسعار الفائدة الأعلى سترفع عبء الفائدة لتلك الشركات، ليصل إلى قرابة 7% من مبيعاتها خلال العام المقبل، مقارنة مع 5.8% في 2021.
قال كوري كامفر، الرئيس المشارك في وحدة إقراض الشركات الصغيرة في "إينوفا إنترناشونال" (Enova International)، إحدى كبرى الشركات المرخّصة للإقراض عبر الإنترنت: "تتعرض الشركات الصغيرة لقدر لا يستهان به من الضغوط منذ فترة، وهي تتأثر في شتى القطاعات".
اقرأ أيضاً: هدوء زخم التضخم في الولايات المتحدة رغم ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي
رغم أن الاحتياطي الفيدرالي أشار إلى توقفه عن إحداث مزيد من الزيادات لسعر الفائدة القياسي، فقد حذر المسؤولون أن المصرف المركزي قد يرفع سعر الفائدة مجدداً. ما يزال هناك زخم قوي في إنفاق الأسر التي استخدمت بطاقاتها الائتمانية في الربع الثالث من العام، لكن جيل الألفية والأشخاص الذين عليهم ديون طلابية وقروض سيارات يزدادون تخلفاً عن سداد المدفوعات.
نتيجة لذلك، فإن بعض صناع السياسات يُبدون بعض الحذر. في ضوء تأثر عديد من الشركات الصغيرة بأسعار الفائدة الأعلى، قال باتريك هاركر، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في فيلادلفيا، إن المصرف المركزي ينبغي أن يمتنع عن مزيد من تشديد السياسة النقدية. قال هاركر في فعالية عُقدت عبر الإنترنت في أكتوبر إن "الشركات الصغيرة تواجه صعوبات في الحصول على المال".
تراجع إيرادات
قالت أبريل بيترسون، المالكة المشاركة لـ"ريفر روك أوتفيتر" (River Rock Outfitter)، متجر معدات أنشطة الهواء الطلق في فريدريكسبرغ بولاية فيرجينيا، إن ثقة المستهلكين تتراجع رغم الشراء المستمر. ما تزال الإيرادات فوق مستوياتها في 2019، لكن المبيعات تتباطأ للمرة الأولى منذ الجائحة.
أضافت: "يبدو أن زبائننا أرهقوا من عدم الاستقرار، وأخبار الحروب وفوضى الحكومة والتضخم، وهم يعبرون عن شعورهم بخيبة الأمل بتقليص الإنفاق. في ضوء ما يبدو أنه موسم انتخابات مثير للجدل، نتوقع أن تتراجع الإيرادات في 2024".
يلخّص هذا الشعور النظرة المستقبلية لعديد من الشركات الصغيرة. ما يزال الطلب قوياً حتى الآن، كما أن ثقة المستهلكين الأميركيين تتعافى، فيما تتراجع مخاوف التضخم، وفقاً لباحثين لدى جامعة ميشيغان. لكن يظل أصحاب أنشطة الأعمال حذرين في ضوء ما بدأ يظهر من علامات على حدوث تباطؤ أوسع .
قال ويل تشين، المؤسس المشارك لـ"بلاي" (PLAY)، موزعة الألعاب ومنتجات أخرى للحيوانات الأليفة في سان فرانسيسكو: "أشعر الآن أن هناك احتمالاً أكبر بحدوث ركود طفيف على الأقل... سنبدأ جميعاً بالتأذي من ارتفاع أسعار الفائدة في مرحلة ما".