في ستينيات القرن الماضي، صنع مهندسو الاتحاد السوفيتي مركبة هجينة تجمع الطائرة والزورق يمكنها التحليق على ارتفاع أمتار قليلة فوق سطح بحر أو بحيرة بسرعات عالية. تعتمد المركبة، التي سماها المهندسون "إيكرانوبلان" (ekranoplan) أو الزورق الطائر، من خاصية لحركة الهواء تسمح بمزيد من قوة الرفع عبر دفع الهواء لأسفل تجاه السطح. لكن الفكرة تكاد تكون طي النسيان بعد إنتاج بضع عشرات من مركبة "إيكرانوبلان"، بما فيها مركبة حملت اسم "وحش بحر قزوين".
يرى بيلي تالهايمر أن الوقت قد حان لمعاودة التفكير بها، على الأقل بعد جمع الفكرة مع تقنية الزلاجات المائية. سيمكن لطائرة "إيكرانوبلان" جديدة أو ما يسميه تالهايمر الطائرة البحرية، من خلال إضافة مراوح كهربائية وزلاجات مائية لتحسين التوازن، أن تمثل بديلاً بلا انبعاثات لرحلات فوق المياه، مثلاً بين نيويورك وبوسطن أو بين لوس أنجلوس وسان دييغو أو بين ميامي وجزر الباهاما.
قال تالهايمر، مهندس الطيران الذي يعمل في معهد ماساتشوستس للتقنية وشارك في تأسيس "ريجنت كرافت" (Regent Craft) في 2020، وهي شركة مقرها رود آيلاند تسعى لإعادة إحياء الفكرة: "ثمة شيء جديد في الطائرة البحرية".
أوجه القصور
قالت "ريجنت" إن الزلاجات المائية، وهي هياكل تشبه الأجنحة يقوم عليها جسم الطائرة، يمكنها حل أوجه القصور التي واجهها السوفييت، مثل عدم الاستقرار وصعوبات التشغيل حين يكون البحر هائجاً وما يتطلبه إقلاعها من سرعات عالية. قال تالهايمر إن غياب المحركات النفاثة التي تحرق الكيروسين، فإن تكلفة تشغيل الطائرة البحرية وصيانتها ستكون أقل بكثير من من الطائرات التجارية.
يدعم بيتر ثيل ومارك كوبان، وهما من كبار رجال الأعمال في وادي السيليكون، شركة "ريجنت"، التي يختصر اسمها عبارة "النقل البحري الإقليمي بالحوامات الكهربائية" باللغة الإنجليزية. في أبريل، انضم دينيس مويلنبرغ، رئيس "بوينغ" التنفيذي السابق، إلى مجلس الشركة الاستشاري. وفي أكتوبر، جمعت "ريجنت" 60 مليون دولار من مستثمرين بينهم الخطوط الجوية اليابانية و"لوكهيد مارتن" وصندوق تنمية القطاعات الاستراتيجية الإماراتي.
خطة سيرغي برين السرية لتعود السفن الجوية إلى السماء
قالت الشركة إن الطائرات البحرية يمكن تصنيفها فعلياً كزوارق رغم أنها مصممة للتحليق على ارتفاع نحو 9 أمتار فوق سطح الماء. لذا فإنها ستخضع للسلطات البحرية في أغلب المناطق. في الولايات المتحدة، يعني ذلك خضوعها لسلطة خفر السواحل وليس لسلطة إدارة الطيران الاتحادية، وهذا قد يسرّع دخولها السوق. رغم ذلك، فإن تالهايمر يصر على أن "ريجنت" ستلتزم بكل إرشادات الأمن الخاصة برحلات الطيران. قال: "يشمل هذا كماً هائلاً من تحليلات وإجراءات السلامة".
قال تالهايمر إن الشركة أتمّت اختبارات ناجحة لنموذج أولي يُشغل عن بُعد وتبلغ المسافة بين نهايتي جناحيه ستة أمتار. كما أنها تعمل على تطوير نسخة بالحجم الطبيعي تتباعد نهاية جناحيه نحو 20 متراً، أي أكثر بقليل من طائرة بذات السعة، وتعتزم اختبارها خلال العام المقبل.
تزمع "ريجنت" أن تبدأ عملياتها التجارية في وقت قد يكون بقرب 2025، وذلك عبر طرح نموذج يسع 12 راكباً ويبلغ مداه التقديري 290 كيلومتراً. تهدف الشركة في وقت لاحق من هذا العقد لطرح نسخة تسع ما يصل إلى 100 راكب.
خطط مستقبلية
يشكك ريتشارد بات أندرسون، وهو أستاذ هندسة في جامعة إمبري-ريدل للطيران في فلوريدا، في قدرة "ريجنت" على إنتاج الطائرة البحرية بالسرعة التي يتنبأ بها تالهايمر. بيّن أندرسون أنه رغم أن النظرية العلمية التي تستند إليها الفكرة سليمة، فإن نموذجاً أولياً من "سيسنا" (Cessna) يعمل بالبطارية ويسع 12 راكباً، لا يبلغ مداه التقديري سوى نحو 40 كيلومتراً. كما اعتبر أن "ريجنت" مفرطة بتفاؤلها في التوقعات بشأن موافقة إدارة الطيران الاتحادية. قال: "إذا فُرض عليها أن تخضع للتنظيم بموجب قواعد إدارة الطيران الاتحادية، فقد يتطلب حصولها على شهادة الصلاحية سنوات".
الهدف هو صنع مركبة يمكن شحنها في فترة قصيرة تبلغ 15 دقيقة. قالت "ريجنت" إن طائرتها ستبدأ رحلاتها من الأرصفة التقليدية، وإنها ستبحر في مياه الميناء بسرعات منخفضة طافيةً على أبدانها. لكن بمجرد أن تبلغ المياه المفتوحة، فإن أجسام الطائرات سترتفع بفعل الزلاجات عند سرعة 80 كيلومتراً في الساعة، ثم ستقلع مستفيدة مما يسمى الحومان بفعل الأجنحة، فتنطلق بسرعات تصل إلى 290 كيلومتراً في الساعة فوق سطح الماء مباشرة، أي أنها قد تصل من مانهاتن إلى وسط بوسطن خلال ما يزيد قليلاً عن ساعة.
سجلت شركات "بريتاني فيريز" (Brittany Ferries) الفرنسية، و"آي إن إيه إي سي" (INAEC) مشغلة الرحلات الجوية المستأجرة الفلبينية، وخطوط "موكوليلي" الجوية، طلبيات غير ملزمة لشراء النموذجين. قال ستان ليتل، الرئيس التنفيذي لـ"سيرف إير موبيليتي" (Surf Air Mobility)، الشركة الأم لخطوط "موكوليلي": "نحن نؤمن بأنها ستنجح، وأنها ستأتي في الوقت المناسب. إن الفريق الذي جمعوه أثبت لنا أن لديهم أفضل فرصة في إتمام تطوير التقنية".