بعض البنوك والمستثمرين يغازلون نماذج جديدة لإعادة السلعة الأكثر تلويثاً في العالم إلى تيار التمويل السائد

"وول ستريت" تسعى لإيجاد سبل جديدة لتمويل منتجي الفحم

أحد العمال يقف وسط أكوام الفحم  - المصدر: بلومبرغ
أحد العمال يقف وسط أكوام الفحم - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

أصبحت "القائمة السوداء للفحم" شعاراً لدى كثير من الفاعلين في قطاع التمويل منذ اتفاق باريس للمناخ في 2015. فقد توقفت البنوك عن تقديم القروض لمشروعات الفحم، وتراجعت شركات التأمين عن تغطيتها، وانسحب المستثمرون من تمويلها. مع ذلك؛ ارتفع الطلب إلى مستوى قياسي خلال الفترة ذاتها، ما ساهم في زيادة أسعار السلعة الأكثر تلويثاً للأرض إلى ثلاثة أضعاف.

في ضوء ذلك، يتعاون الممولون والمنظمات غير الربحية من جميع أنحاء العالم لتطوير استراتيجيات بديلة، ويقولون إن الخطوة الأولى هي إعادة الفحم إلى تيار التمويل السائد.

يستهدف هذا النهج تطوير أساليب محاسبية تسمح للمقرضين والمستثمرين، الذين يمولون مشروعات الفحم، بتوثيق مساعدتهم للمنتجين على التحول إلى نموذج أعمال أكثر مراعاة للبيئة أو دفع المناجم ومحطات الكهرباء التي تعمل بالفحم للتوقف عن العمل في المدى القريب.

إذا تمكن المنتجون من إثبات أن الدعم المالي الذي يحصلون عليه يقلل حجم التلوث الناجم عادةً عن أعمالهم؛ فسيكون من حقهم المطالبة بالاستفادة من ائتمانات وتعويضات الكربون استناداً إلى سجلات ذلك.

آليات ترصيد جديدة

تشمل الأساليب المحاسبية المقترحة ما يسمى بالائتمانات الانتقالية، وهو نوع من تعويضات الكربون تسعى سلطة النقد في سنغافورة إلى ربطه بالتخلص التدريجي من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم. فيما يدعم تحالف "غلاسكو" المالي من أجل انبعاثات صفرية، بالتعاون مع المؤسسات المالية الكبرى والخبراء الفنيين في المنظمات غير الربحية، تصوراً آخر بشأن مقياس تجريبي يسمى بتخفيضات الانبعاثات المتوقعة (EERs).

أما "مؤسسة روكفلر" (Rockefeller Foundation) الخيرية؛ فتعكف على صياغة ما تسميه ببرنامج ائتمان تحويل الفحم إلى الكربون النظيف. يقول لوسيان بيبيلينبوس، محلل استراتيجيات المناخ في شركة إدارة الأصول الهولندية "روبيكو" (Robeco)، إن من شأن الأساليب المحاسبية مثل تخفيضات الانبعاثات المتوقعة أن تساعد "المؤسسات المالية على تخطي مرحلة بيانات انبعاثات الكربون اللاحقة لإطلاقها."

سيطبق اقتراح تحالف "غلاسكو" المالي من أجل انبعاثات صفرية، الذي يسعى إلى حساب مساهمة شركات التمويل في إزالة الكربون من الاقتصاد الحقيقي، على الحلول المناخية مثل مشروعات طاقة الرياح أو منشآت الطاقة الشمسية، وكبار الملوثين مثل الشركات المنتجة للإسمنت أو الصلب التي لديها خطة موثوقة للتحول إلى أنشطة أكثر مراعاة للبيئة، فضلاً عن الأصول المرجحة حاجتها إلى الإغلاق بشكل كامل مثل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم.

يمكن للمستثمرين المطالبة بحصة من تخفيضات الانبعاثات المتوقعة، مما يساعدهم على حساب زيادة الانبعاثات قصيرة الأجل في سجلاتهم، والناشئة عن الاستثمار في النشاط الملوث فيما يتبنون استراتيجية أكثر مراعاة للبيئة. يذكر أن مايكل بلومبرغ مؤسس "بلومبرغ"، ومارك كارني رئيس مجلس إدارة "بلومبرغ"، يتشاركان رئاسة مجلس إدارة تحالف "غلاسكو" المالي من أجل انبعاثات صفرية.

تستهدف هذه الجهود تحديد حجم انبعاثات الشركات في المستقبل، بدلاً من الاعتماد على تقييمها الحالي فقط. يقول مانويل كوسلييه، مسؤول المناخ لدى "ميروفا" (Mirova) لإدارة الأصول في فرنسا، إن من شأن ذلك أن يعطي للمستثمرين فكرة أفضل حول الشركات التي تبذل قصارى جهدها لدفع التغيير.

تباين الآراء

تعمل "ميروفا" مع "روبيكو" على مساعدة المستثمرين لقياس حجم الانبعاثات المُتَجنّبة بفضل الدعم المالي المقدم لشركات الطاقة المتجددة ومصنعي السيارات الكهربائية. سيكون توثيق ذلك بطريقة تتسم بالشفافية والقابلية للتحقق وتجنب المطالبات الوهمية بالاستفادة من الائتمانات الانتقالية، نظراً لكثرة التساؤلات التي تحيط بأهمية استخدام آلية حساب الانبعاثات المُتَجنّبة كأساس لتعويضات الكربون. يقول كوسلييه إن مثل هذا النهج "من شأنه أن يساعد السوق كثيراً في فهم مكامن بذل الجهود" لإزالة الكربون من الاقتصاد.

ما يزال نشطاء المناخ متشككون بشأن الآلية سالفة الذكر، زاعمين أن عمالقة التمويل ابتكروا مجموعة آليات معقدة جديدة ستُروج عبر التقارير، وستُتداول في بورصات السلع دون إحداث أي تغيير ملموس على أرض الواقع. في الوقت نفسه، سيتمكن كبار الملوثين من الحصول على التمويل بشكل أفضل. يقول بادي ماكولي، كبير محللي استراتيجيات التحول إلى الطاقة النظيفة لدى "ريكليم فاينانس" (Reclaim Finance)، وهي منظمة بيئية غير هادفة للربح: "هناك مشكلة أساسية في نهج احتساب تخفيضات الانبعاثات المتوقعة، كونه يعتمد على خط أساس لا يمكن معرفته وهو مناف للواقع".

تختلف مايا غوديمر، المحللة لدى "بلومبرغ إن إي إف" لأبحاث تمويل الطاقة المتجددة في لندن، مع ماكولي، إذ قالت إنه جليّ أن هناك حاجة لتوفير حوافز إزالة الكربون من الاقتصادات الأكثر إنتاجاً لانبعاثات الكربون في الصين والولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، لكن ابتكار آليات أو أساليب محاسبية جديدة خاصة بعملية التحول ليس بالضرورة الخيار الأفضل للتقدم في هذا الصدد. لقد توصلت أسواق الديون إلى استراتيجيات مثل السندات المرتبطة بالاستدامة، التي تتيح للمستثمرين تمويل ملوثين يعملون على خفض انبعاثاتهم مع تجنب أي رد فعل جماهيري.

بيّنت غوديمر أن تصنيف بعض المنتجات باعتبارها آليات انتقالية قد "ينطوي على مخاطر الغسل الأخضر"، مضيفةً أنه " من المرجح أن ينتهي الأمر بالموافقة التلقائية على أساليب قد لا تلائم سوى حالات محددة".

يقول مؤيدو نهج تجنب الانبعاثات إن ما يسعون إليه في نهاية المطاف هو الحيلولة دون نجاح المستثمرين في إزالة الكربون من محافظهم الاستثمارية، لا الاقتصاد الحقيقي أو الغلاف الجوي.

يقول كورتيس رافينيل، أحد كبار المستشارين في تحالف "غلاسكو" المالي من أجل انبعاثات صفرية، إن المخاوف تتعلق بأن التركيز أكثر من اللازم على الانبعاثات الممولة الناجمة عن الغازات الدفيئة التي تطلقها مشروعات مكنها الإقراض والاستثمار، قد يثبط الاستثمار في ذات الشركات التي تحتاج إلى التغيير، لكنها تفتقر إلى الموارد اللازمة لتحقيق ذلك بشكل فعال. تابع رافينيل: "عليك أن تذهب إلى حيث توجد الانبعاثات... وتحاول خفضها".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك