شبكات التواصل الاجتماعي لم تعد ترى إبقاء الجماهير على اطلاع بتطورات الأزمات جزءاً من مهمتها الأساسية

الحرب في إسرائيل تبين أن عصر التواصل الاجتماعي المثالي انتهى

فلسطينيون على أنقاض مباني مهدومة بعض غارات جوية على مدينة غزة  - المصدر: بلومبرغ
فلسطينيون على أنقاض مباني مهدومة بعض غارات جوية على مدينة غزة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

قبل ما يربو على عقد نشب صراع في الشرق الأوسط ظهرت خلاله قوة وسائل التواصل الاجتماعي في إطلاع جماهير العالم على الأزمات آنياً. أدت طريقة استخدام الناس منصات "فيسبوك" و"تويتر" أثناء الثورات المعروفة باسم الربيع العربي، إلى زيادة التفاؤل بشأن الدور المهم الذين قد تلعبه من حيث مشاركة المعلومات وتنظيم المجتمعات وحتى نشر الديمقراطية.

من جانبها، تبنّت شركات التقنية هذا الهدف، رغم أنه أضحى واضحاً أن منصاتها قد تكون عرضة لتلاعبات تقوّض ذلك الهدف. يُبرِز حالياً صراعٌ آخر في الشرق الأوسط كيف أن شبكات التواصل الاجتماعي لم تعد ترى تلك الرسالة النبيلة كجزء من مهمتها الأساسية.

في الساعات التي أعقبت إطلاق حماس هجوماً كبيراً على إسرائيل هذا الشهر، وجد من اتجهوا إلى منصة "إكس"، التي كانت معروفة باسم "تويتر"، أنفسهم في مواجهة طوفان تقارير مضللة أو غير ذات الصلة، ما سلط الضوء بقوة على تداعيات تخفيف إيلون ماسك لقواعد الإشراف على المحتوى. وقد شاركت حسابات موثقة بالعلامة الزرقاء صوراً لصراعات سابقة على أنها جديدة لأسباب تجارية أو سياسية.

أظهرت بعض المنشورات ما يُفترض أنه لقطات عسكرية إلا أنها كانت مأخوذة من ألعاب فيديو. زادت "إكس"، تحت قيادة ماسك، من صعوبة تقييم المستخدمين لما يجدون على الصفحة الرئيسية لأنه أتاح خدمة توثيق الحسابات عبر اشتراك مدفوع فقط. في الآونة الأخيرة، أخفت المنصة روابط "إكس" ولا تبين للمستخدمين سوى صورة من الصفحة المقصودة، دون عرض العنوان الرئيسي.

تغيرات في "ميتا"

في تلك الأثناء، كانت "ميتا بلاتفورمز" تحد عمداً من إبراز الأخبار والأحداث الجارية على خدمات مثل "فيسبوك" و"إنستغرام" و"ثريدز". منذ الانتخابات الرئاسية الأميركية في 2016، واجهت "ميتا" مشكلات تتعلق بالسمعة والقواعد التنظيمية لأن تلك الخدمات التي تقدمها الشركة تُعد مصدراً رئيسياً للأخبار، ويبدو أن الشركة مصممة على التوقف عن لعب ذلك الدور. بل إنها حذفت مصادر إخبارية في بعض البلاد، رداً على قواعد تنظيمية تتطلب منها أن تشارك العوائد التي تحصل عليها مع وسائل الإعلام.

تمثل هذه التغيرات مشكلة حقيقية لمن اعتمدوا لسنوات على منصات التواصل الاجتماعي هذه كي يفهموا ما يحدث في العالم. قالت كايتي هارباث، وهي مسؤولة تنفيذية عن السياسات الانتخابية سابقاً في "فيسبوك": "الأمر مقلق بعض الشيء. اعتاد الناس على أن يتجهوا لـ(تويتر) أو (فيسبوك) للحصول على معلومات عن هذا الأمر أو ذاك. أما الآن، فالناس لا يعرفون إلى أي مصدر يتجهون".

قال دانييل كرايس، أستاذ التواصل السياسي بجامعة كارولينا الشمالية في تشابل هيل، إن المنصات لم تكن إطلاقاً مصادر مثالية للاطلاع على الأخبار آنياً. فيما مضى، استدعى الكونغرس مسؤولين تنفيذيين في شركات التقنية عدة مرات منذ 2016 ليفسروا انتشار المعلومات المضللة أثناء الانتخابات، كما لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً في العنف الطائفي في عدة دول.

لكن لسنوات، كانت الشركات على الأقل تقبل أن المستخدمين يعتمدون عليها لمعرفة التطورات إبان الأزمات، وعملت على دمج ذلك في منتجاتها. وفقاً لكرايس، تغير نهج تلك الشركات منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في مطلع العام الماضي، وهو ما تسبب في صدمة كبيرة للمستخدمين. قال: "ساحة المعلومات مختلفة جذرياً".

منفذ إعلامي

في 2019، أعلن مارك زوكربيرغ، رئيس "ميتا" التنفيذي، عن قسم "الأخبار" على تطبيق "فيسبوك" وعن حوافز نقدية للناشرين. في 2021، أدركت كل من "تويتر" و"فيسبوك" أن الناس يعتمدون بشدة على المنصات لدرجة أن المحتوى المرتبط بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة احتاج إلى مسميات مصحوبة بروابط لمعلومات سياقية. بشكل عام، تعاملت الشركات وكأن تطبيقاتها ستصبح بمثابة منفذ إعلامي أثناء الأحداث العامة المهمة. على سبيل المثال، بإمكانك أن تبيّن أنك "في مأمن" إن وقعت كارثة ما.

قال مات نافارا، وهو مستشار متخصص في وسائل التواصل الاجتماعي، إن "ميتا" عاشت "مرحلة استمرت لسنوات كانت فيها ملتقى الجميع على الساحة العالمية، وكانت تمثل الجانب المحلي والمجتمعي للتواصل الاجتماعي. أعتقد أننا لم نعد في تلك الحقبة بعد الآن".

في محاولة للتنافس مع "تيك توك"، تعطي محركات الترشيحات على "فيسبوك" و"إنستغرام" الآن أولوية لمقاطع الفيديو الترفيهية ولإبراز مزيد من المحتوى من حسابات قد لا تكون مما يتابع المستخدمين. إحدى مزايا الدفع للخدمة المتميزة لدى "إكس" هي أن خوارزميات الشركة ستعطي منشوراتك دفعة تفوق المحتوى الذي ينشره مستخدمون لا يدفعون مقابل تلك الخدمة.

تحرص شركات التواصل الاجتماعي على خفض استثماراتها المكلفة التي قدمتها أثناء محاولتها التعامل مع تعقيدات إدارة شبكات معلومات آنية على المستوى العالمي. بعد أن أنشأت أقساماً كبيرة للإشراف على المحتوى، حيث يستطيع أفراد من العاملين مراجعة منشورات عديدة، تتجه الشركات الآن إلى الاعتماد بشكل أكبر على أنظمة تستخدم الذكاء الاصطناعي. بدأت "ميتا" بأتمتة جانب أكبر من الإشراف على المحتوى وتطبيق معايير المجتمع خلال الجائحة، كما ألغت بعض الوظائف التي تركز على قضايا السياسات والسلامة.

إعلام الخوارزميات

تخلى ماسك عن أغلب موظفي الثقة والسلامة في "إكس"، لكن منذ أن بدأت الحرب في إسرائيل، حاولت الشركة أن تشير إلى أنها ما تزال جادة بشأن هذه الأمور. في 9 أكتوبر، انسحبت رئيسة المنصة التنفيذية ليندا ياكارينو من فعالية في مؤتمر "تك لايف" (Tech Live) الذي نظمته صحيفة "وول ستريت جورنال". قالت الشركة في بيان: "في ضوء تكشّف الأزمة العالمية، لابد أن تركز ليندا وفريقها بالكامل على سلامة منصة (إكس)".

في اليوم ذاته، أعلنت الشركة أيضاً أنها رغم اتخاذها خطوات فيما يخص "الآلاف" من المنشورات المتعلقة بإسرائيل وحماس -البالغ عددها 50 مليوناً- منذ الهجمات، أشارت إلى أن هؤلاء الذين لا يودون رؤية "محتوى حساس" عليهم تغيير إعدادات المحتوى لديهم.

لم ترد "إكس" على طلب للتعليق. ولم تصدر "ميتا" بياناً لكنها أشارت إلى أن لديها مشرفين على المنصة يرصدون المحتوى المخالف ويتقنون العبرية والعربية.

أوضح كرايس: "لقد تحولنا من التواصل الاجتماعي إلى إعلام الخوارزميات... الأمر لا يرتبط بما يقوله الناس بقدر ارتباطه بالترفيه، فهو منفصل تماماً عما يحدث الآن". شهد كرايس بنفسه مثالاً على عدم جدوى وسائل التواصل الاجتماعي خلال أزمة في الآونة الأخيرة، حين أْغلقت الجامعة التي يعمل فيها مدرساً لساعات بسبب وجود مسلح طليق.

في الماضي حين كان يقع ما يشبه ذلك، كان كثير من الناس سيبقون على اطلاع على ما يحدث عبر تفقد منصات التواصل الاجتماعي. أما الآن، فيعتمد الطلاب على الرسائل الجماعية أو الفردية، وفقاً لكرايس، الذي قال: "إذا لم تعرف من تتابع لتحصل على أحدث الأخبار، فلن تعرف كيف تحصل عليها".

تكشف اللحظة عن التوتر بين الطريقة التي تأمل شبكات التواصل الاجتماعي أن يستخدم بها الناس خدماتها والواقع الفعلي، وفقاً لهارباث، المسؤولة التنفيذية سابقاً في "فيسبوك". مطالبة المستخدمين بتغيير اعتمادهم على شبكات التواصل الاجتماعي ستحتاج لبعض الوقت وقد لا تنجح إطلاقاً. قالت: "بقدر ما ستحاول المنصات الاتجاه بعيداً عن السياسة والأخبار، فهي ليس بوسعها الاختباء. في أوقات كهذه، سيظل الناس يرغبون بالوصول إلى الأخبار والمعلومات وسينشرون عنها".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك