حين أنشأ آدم وراين غولدستون شركة الأحذية "أثيلتيك بروبلشن لابس" (Athletic Propulsion Labs) عام 2009، كان هدفهما تحسين الأداء الرياضي. فقد تضمّن أول تصاميمها (Concept 1) تقنية خاصة تمكّن منتعلي الحذاء من القفز إلى ارتفاع أعلى. استقطبت هذه التقنية الأنظار على الفور، وسرعان ما حُظر استخدامها في دوري الرابطة الوطنية لكرة السلة في 2010.
عمل الأخوان بعدها على طرح خطّ من الأحذية الرياضية، لفت أنظار عالم الموضة. قال راين: "أول متجر تجزئة عرض أحذيتنا الرياضية كان (ساكس فيفث أفينيو)، وعلى الفور أصبحت أحذيتنا الأكثر مبيعاً هناك... كان ذلك دليلاً على أن هناك رجالاً يرغبون بمنتجات تعبّر عنهم بعديد من الطرق".
أصبح الأخوان غولدستون في 2016 أول شخصين يمثّلان علامة تجارية رياضية في مجلس مصمّمي الأزياء في أميركا، في دلالة على أن الملابس الرياضية بإمكانها أن تكون أزياء فاخرة.
وكان تقرير صادر عن شركة "ألايد ماركت ريسرتش" (Allied Market Research) أفاد أن أرباح السوق الدولية للأحذية الرياضية بلغت 131.1 مليار دولار في 2021، ويتوقع أن تصل قيمة هذه السوق إلى 215.6 مليار دولار في السنة بحلول عام 2031. ويعزو التقرير هذا النموّ المتواصل في الأرباح إلى انتعال المستهلكين الأحذية الرياضية في أماكن جديدة، منها المكاتب.
مناسبة للمكاتب
بدأت بالفعل أماكن العمل التقليدية تنفتح على الأحذية الرياضية كجزء من الأزياء الرسمية التي تدلّ على المهنية. وقال ميل بيرالتا، نائب الرئيس لشؤون العلامات التجارية في شركة "أتموس" (Atmos) وهو المسؤول عن الشراكات الدولية التي تقيمها الشركة المختصة بموضة الشوارع مع علامات تجارية مثل "أديداس" إن "المكاتب في الولايات المتحدة بدأت تبتعد عن أحذية (بيني لوفر) الرسمية، وتميل أكثر نحو التعبير عن الذات... تقول الشركات إنها تستمتع إلى فرق العمل، إذ يمكنك أن تبدو أكثر أناقة وتكون مرتاحاً أكثر بعشر مرات".
ينسجم ذلك مع رأي إندير بهاتيا، مدير عام شركة الأحذية اليابانية "أونيتسوكا تايغر" (Onitsuka Tiger) في أميركا الشمالية، الذي قال: "بدأ هذا التحول نحو الملابس المريحة في مكان العمل المنسقة مع أحذية رياضية جميلة منذ سنوات... يريد الناس أن يعبّروا عن أنفسهم، والأحذية الرياضية الجميلة الملونة هي إحدى طرق ذلك". ("أونيتسوكا" هي منتجة حذاء "مكسيكو 66" الذي ظهرت فيه أوما ثورمان في سلسلة أفلام "كيل بيل").
لا نتحدث هنا عن الأحذية الرياضية القديمة التي كانت تُعدّ مناسبة للمكاتب، مثل الأحذية بلا رباط المنسوجة من شرائط الجلد غير المدبوغ من "بوتيغا فينيتا"، أو الأحذية ذات المقدمة اللامعة "لانفين" (Lanvin) أو الأحذية أحادية اللون من "كومن بروجكتس" (Common Projects) و"ميزون مارجييلا" (Maison Margiela)، فقائمة الأحذية المقبولة في المكاتب أصبحت تضمّ اليوم منتجات من "ألبيردز" (Allbirds) و"أي بي أل" (APL) و"أسيكس" (Asics) و"نيو بالنس" (New Balance) و"نايكي" (Nike) وغيرها من العلامات التجارية الرياضية.
بدل الألوان الرزينة من بنيّ وبيج داكن وكحلي وأسود التي صبغت الأحذية التقليدية، فإن الشركات الرياضية تتبنّى تركيبات ألوان أكثر جرأة. وقال راين "إذا كنت جالساً في مكتبك، ونظرت إلى قدميك لترى حذاءً ملوناً، سيمنحك ذلك شعوراً طيباً".
ابتكارات جديدة
غالباً ما يرتبط قرار انتعال الأحذية الرياضية بوسيلة النقل التي يستخدمها الموظف للذهاب إلى العمل. قال المهندس والمصمم جيفري بيرز، المؤسس والرئيس التنفيذي لاستوديو "جيفري بيرز إنترناشونال" في نيويورك "أحب انتعال الأحذية الرياضية لأنها تساعدني على الوصول إلى مكان العمل والاجتماعات بشكل أسرع بكثير سواء أتيت مشياً على الأقدام أو استقليت المترو... حين أصل إلى مكتبي في وورلد تريد 7 وأنا أرتدي مثل هذه الأحذية، يعني ذلك أن تركيزي سينصب على الأستوديو وعلى مشاريعنا التصميمية".
في العقود الماضية، كان الموظفون غالباً ما ينتعلون أحذية مريحة على الطريق إلى العمل، ثمّ يبدّلونها بأحذية رسمية حين يبلغون مكاتبهم. إلا أن فئة جديدة من الأحذية، تُعرف بـ"أحذية الأداء الفاخرة" من "أي بي أل" كفّت مستخدميها حاجة جلب حذاء إضافي. قال آدم من "أي بي أل": "لا سبب يمنعك من انتعال حذاء الأداء طوال اليوم، فهو مريح، ويعطيك كثيراً من الدعم. ونحن نسعى لتصميمه بطريقة تمكنك من انتعاله طوال اليوم، حتى لو غيرت ملابسك".
أسهمت أيضاً الابتكارات على صعيد المواد في تحسين شعور انتعال الحذاء. قالت آشلي كومو، نائبة الرئيس لشؤون التصميم في شركة "ألبيردز" (Allbirds) التي تحظى منتجاتها بشعبية لدى الموظفين في وادي السليكون: "نحب الاستفادة من المواد الطبيعية مثل صوف المارينو وألياف شجر الأوكالبتوس وزيت الخروع". فهذه المواد الطرية المرنة التي تسمح بالتهوية قد تكون مفيدة في المكاتب، حيث يقف الموظفون لفترات طويلة، كما أن أحذية "ألبيردز" لا تصدر أصواتاً عند المشي في المكاتب. وينبع التشديد على هذه التحسينات من الاعتقاد أن الأحذية المريحة يمكن أن تكون أنيقة أيضاً.
شراكات بين علامات الموضة
وكانت "أتموس" تعاونت مؤخراً مع "نيو بالنس" من أجل صنع الحذاء (2002R) المستقبلي باللون الأزرق السيبراني المستوحى من شخصية (T-800) في سلسلة أفلام (The Terminator). وقال بيرالتا من "أتموس": "أخذت (نيو بالنس) هذه التقنية وباتت قادرة على القول إنه لا داعي أن تركض في ماراثون مدينة نيويورك حتى ترتدي هذه الأحذية".
أسهمت شراكات أخرى أيضاً، مثل التعاون بين مصمّم الأزياء الرجالية تود سنايدر مع "فانز" وتعاون المصمّم الرائد روني فييغ ومؤسسة "فرانك لويد رايت" مع "نيو بالنس" في رفع شأن الأحذية الرياضية.
وقالت سارة سلاتكي، منسقة الأزياء لصالح شركة "وول غروب" (Wall Group) إن "الملابس الرياضية أصبحت أكثر من مجرد قطعة تُستعمل في التمارين"، وأشارت إلى أنها نسقت أحذية رياضية من إنتاج شركات مثل "فيجا" (Veja) المتخصصة بالأحذية المصنوعة من مواد نباتية في باريس، مع بزات كاملة استُبدل فيها القميصُ ذو الياقة مع بلوزة بسيطة، وقد أصبحت الأحذية الرياضية بالتالي "رمزاً للهوايات والأداء وأسلوب الحياة".
بدأت هذه التغييرات، سواء التقنية أو الثقافية تتفوق على التقاليد. وقال منسق الأزياء مايكل فيشر إن "الناس يعملون بشكل أفضل حين يشعرون أنهم بحال أفضل".
مع نشوء قطاع المنتجات الرياضية الفاخرة والتطورات التقنية التي تستند إلى الممارسات الأخلاقية والطيف الواسع من أساليب التعبير عن الذات، فإن قبول الأحذية الرياضية في مكان العمل بات يعبّر عن صاحب العمل بقدر ما تعبّر عن الموظف.