الصناديق النقدية أكبر المستفيدين من ارتفاع أسعار الفائدة والبنوك لا تستطيع اللحاق بركبها

إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول يجلب منفعة

صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

أبقى الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة عند مستويات أقرب للصفر لمعظم 15 عاماً خلت، واستسلم المودعون لفكرة أنهم لن يحققوا أي مكسب على أموالهم، سواء أكانت مودعة في مصرف أو مستثمرة في صندوق نقد.

لكن نقطة التحول جاءت في الربيع، فقد بدأ الناس يدركون إمكانية أن يجنوا عائداً يبلغ 4% أو أكثر على أموالهم، حين رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة ليقهر التضخم. وأتت أزمة البنوك الإقليمية التي بدأت مع انهيار "سيليكون فالي بنك" في مارس كتنبيه إضافي.

قال جوزيف أبيت، الخبير الاستراتيجي في بنك "باركليز": "إذا احتفظت بأرصدة خاملة في بنك؛ ففي ذلك مخاطرة بلا ضمان لا تنطوي على أي تعويض... ازداد مستوى وعي الناس في مارس بعد أزمة (سيليكون فالي بنك)، وهو التوقيت الذي بدأت فيه الصحوة بشأن الإيداعات".

بعدما رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة في يوليو، قفزت العوائد على الصناديق النقدية لأعلى من 5% للمرة الأولى منذ ما قبل الأزمة المالية في 2008، ومُنح المدخرون سبباً أقوى للتحرك،

لكي يستفيدوا من تلك العوائد الأعلى، على المدخرين ألا يتشبثوا بما ألفوه. بلغ متوسط العائد على حسابات الادخار نحو 0.45% حتى 18 سبتمبر، مقارنة مع 5.16% على مؤشر "كراين 100" للصناديق النقدية حتى أغسطس، وهو متوسط العائد لأكبر 100 صندوق خاضع للضرائب. قال بيتر كراين، مدير "كراين داتا" (Crane Data) شركة بيانات الصناديق النقدية، إن الفارق "واسع لدرجة أنك يمكن أن تقود شاحنة خلاله".

ازدهار الصناديق

تبين بيانات "إنفستمنت كومباني إنستيتيوت" (Investment Company Institute) أن إجمالي أصول الصناديق النقدية قفز بأكثر من تريليون دولار منذ بدأ الاحتياطي الفيدرالي يرفع أسعار الفائدة قبل 18 شهراً، فارتفع إجماليها إلى 5.64 تريليون دولار، وهو الأعلى على الإطلاق، وكان نحو 900 مليار دولار من هذه الزيادة خلال 2023.

يمثل قطاع الصناديق النقدية للأفراد الآن 38% من إجمالي الأصول في القطاع، بزيادة نحو 30% من نهاية 2021. قال مايكل بيرد، كبير مديري صناديق لدى "أولسبرينغ غلوبال إنفستمنتس" (Allspring Global Investments): "عائد نسبته 5% من الصندوق النقدي مقابل ما يدفعه لك البنك... الأمر لا يتطلب تفكيراً".

وقد ارتفعت الأصول لدى شركته بنحو 26% هذا العام في جميع صناديقها النقدية، كما تضاعفت الأصول في الصناديق النقدية للأفراد.

الصناديق النقدية ليست المستفيد الوحيد من الفرصة الذهبية لتحقيق العوائد. ينضم مستثمرون عاديون لأمناء صناديق الشركات في سعيهم للحصول على أذون الخزانة الأميركية، وذلك بغية اقتناص عائد يبلغ 5% لآجال تتراوح بين شهر وعام واحد. يظهر ارتفاع الطلب من جانب المستثمرين الأفراد في المزادات الحكومية الأسبوعية، حيث اشترى مقدمو العطاءات من غير المتنافسين، الذين يكونون عادةً من صغار المستثمرين، حجماً قياسياً من أذون الخزانة لأجَل ستة أشهر بلغ 2.9 مليار دولار في منتصف أغسطس بعائد 5.29%، وهو أعلى عائد منذ 2001.

تراجع السيولة

قال جايمي كوكس، الشريك المدير بـ"هاريس فاينانشال غروب" (Harris Financial Group)، وهي شركة تخطيط مالي: "لم نشهد فتوراً في شراء الناس لأذون الخزانة". يشعر كوكس بالقلق من أن تبنّي النقد ربما يكون قد وصل إلى مستوى أبعد من اللازم. قال: "نحن في مرحلة يرى الجميع فيها أن هذا التوجه سليم، ونسبة 5.25% ستظل مستمرة. أضحى الناس مقتنعون بالنقد لدرجة تفويت فرصة الاستفادة من عوائد سوق الأسهم".

حين شرع الاحتياطي الفيدرالي في حملته لرفع أسعار الفائدة في مارس 2022، كان النظام المالي، وخصوصاً البنوك، متخماً بالسيولة من الأفراد والشركات بفضل جولات التحفيز في عهد جائحة كورونا. ضم النظام المالي ودائع قياسية بلغت 19.9 تريليون دولار حينئذ، وفقاً لبيانات المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع.

لم تنزعج البنوك حين بدأت السيولة النقدية تتجه للصناديق النقدية في بداية دورة رفع أسعار الفائدة. يرجع ذلك إلى أن الاحتفاظ بودائع أكثر من اللازم يمكن أن يمثل عائقاً لبعض البنوك. تُعد الوادئع التزامات، ويمكن للالتزامات الأكبر حجماً أن تدفع البنوك لزيادة رأس المال وتجعلها خاضعة لمزيد من القواعد التنظيمية.

نتيجة لذلك، لم تشعر البنوك بضرورة ملحة لتمرير زيادات أسعار الفائدة الكبيرة التي أقرها البنك المركزي. قال مصرفيو البنوك التجارية إن رفع أسعار الفائدة على ودائعهم للتنافس مع الصناديق النقدية سيضغط صافي هامش الفائدة بالنسبة لهم، وهو الفارق بين ما يتقاضونه من المقترضين وما يدفعونه للمودعين. للحفاظ على الربحية، سيتحتم عليهم زيادة أسعار الفائدة على القروض، وهو ما سيؤدي لتشديد معايير الإقراض ويخاطر بإبطاء النشاط الاقتصادي، كما سينتج عنه تقلص حجم الإقراض.

لا مخاوف لدى الصناديق

لا تواجه الصناديق النقدية مثل هذه المخاوف. يحتفظ مديرو الصناديق النقدية بالأصول على هيئة استثمارات ذات آجال قصيرة للغاية، مثل اتفاقات تسهيل إعادة الشراء العكسي لأجَل ليلة واحدة في البنك المركزي. لذا إذا أعلن الاحتياطي الفيدرالي عن زيادة في أسعار الفائدة في يوم أربعاء؛ يمكن للصناديق النقدية تمرير تلك الزيادة للمستثمرين يوم الخميس.

خسرت البنوك منذ مارس ودائع يقارب حجمها 700 مليار دولار. هناك أيضاً علامات على أن التدفقات الخارجة بدأت تؤثر سلباً على البنوك. تبين بيانات الاحتياطي الفيدرالي أن أكبر البنوك الأميركية ازداد اقتراضها في أغسطس 9%، أي 70 مليار دولار، بعد تراجعات في يونيو ويوليو. بالتزامن مع ذلك، شهد نظام بنوك قروض المنازل الفيدرالية، وهو وسيلة عامة لإتاحة السيولة المالية للبنوك، ارتفاع إجمالي الديون القائمة إلى 1.249 تريليون دولار بعدما كانت 1.245 تريليون في يوليو.

في تقرير صدر يوم 15 سبتمبر، كتب شو لي وجيسون وليامز، الخبيران الاستراتيجيان لدى "سيتي بنك"، أن الزيادة في الاقتراض من جانب البنوك الكبيرة تشير إلى أنها "لا تشعر بارتياح تجاه السماح للاحتياطيات بالانخفاض كثيراً دون المستويات الحالية".

في ضوء إشارة مسؤولين في الاحتياطي الفيدرالي إلى أنهم سيبقون على أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة لفترة طويلة، يُرجّح أن ترتفع وتيرة خروج السيولة المالية من البنوك، مما يضعها في مأزق. قال كراين: "تواجه البنوك خياراً صعباً، إما القضاء على الربحية أو خسارة الودائع... في هذه الحالة، إنها تفعل كلا الأمرين".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك