تتجه قيادة رئيس مجلس النواب الأميركي كيفن مكارثي للجمهوريين في المجلس، التي لم تمض عليها فترة طويلة وشهدت قلاقل، نحو مزيد من الاضطراب، فقد ثار المحافظون المتشددون على أحدث جهود مكارثي لتمرير مشروع قانون للإنفاق قصير الأمد، واندفع النواب الجمهوريون نحو إغلاق حكومي آخر في نهاية هذا الشهر. سيكون ذلك هو الإغلاق الحكومي الحادي عشر منذ 1980.
كما في الماضي، فإن منطق إغلاق الحكومة الاتحادية واضح لدرجة أنه قد يكون مقنعاً. يرى الجمهوريون الذين يدفعون نحوه، أن الشعب سيدعمهم ويضغط على الديمقراطيين والجمهوريين المعتدلين لخفض الإنفاق، وبالتالي تطبيق تخفيضات كانوا أخفقوا بتحقيقها عبر القنوات العادية. قال رالف نورمان، النائب الجمهوري عن ولاية ساوث كارولينا، يوم 14 سبتمبر: "سنتجه للإغلاق. نحن نؤمن بما نفعله، وستكون البلاد هي صاحبة القول الفصل".
كما أن سجل إخفاق الإغلاقات في تحقيق النتيجة التي يرجوها أنصار هذه الإغلاقات بيّن، إذ لم تتحقق تلك النتيجة ولا مرة خلال عشرة إغلاقات، وإذا لم يتوصل الجمهوريون لمشروع قانون للإنفاق بحلول 30 سبتمبر، يُرجح أن يكون هذا هو الإخفاق الحادي عشر.
انهيار العملية السياسية
كان مقترح مكارثي ذاته علامة على مدى تداعي العملية السياسية. دعا المقترح إلى خفض ميزانيات الهيئات المحلية بنسبة 8% وفرض سلسلة من القيود على الهجرة، بما في ذلك إعادة إحياء عملية بناء الجدار الحدودي التي طرحها الرئيس السابق دونالد ترمب، وهي سياسات يستحيل أن يوافق عليها مجلس الشيوخ صاحب الأغلبية الديمقراطية، وكذلك الرئيس الديمقراطي.
"غولدمان": شبح إغلاق الحكومة الفيدرالية يتربص باقتصاد أميركا
لكن الجمهوريين المتشددين، مثل فيكتوريا سبارتز، النائبة الجمهورية عن ولاية إنديانا، اعتبروا أن حتى تلك الحزمة غير الواقعية غير كافية. سخرت سبارتز من مكارثي، إذ قالت إنه "رئيس ضعيف لمجلس النواب" يفتقر لجرأة الإصرار على تحقيق المزيد.
هاجم مات روزندايل، النائب عن ولاية مونتانا، المقترح ووصفه بأنه "استمرار للعمل بميزانية نانسي بيلوسي وسياسات جو بايدن"، فيما لجأ دان بيشوب، النائب عن ولاية نورث كارولينا، لمنصة "إكس"، المعروفة سابقاً بـ"تويتر"، ليعرض مطالبه: "أعيدوا البيروقراطية المجنونة إلى ما كانت عليه قبل جائحة كورونا. فوراً". لا يستطيع مكارثي أن يتحمل انشقاق أكثر من أربعة أعضاء في ضوء الأغلبية الضيقة. في 19 سبتمبر، بدا أن عددهم بلغ 15 عضواً على الأقل.
إن وجود فئة كبيرة من الجمهوريين في مجلس النواب تهدد بفرض إغلاق، رغم سجِل ذلك الأسلوب في الإخفاق على مر السنين، برهان على عمق الانفصال بين السياسات داخل الحزب وبين اتجاهات الرأي العام والواقع السياسي.
[object Promise]مستعدون للعراك
هذه المرة يقول الجمهوريون المحافظون: "نحن مستعدون للعراك". كان مكارثي يأمل باسترضاء جناحه اليميني الجامح وتفادي ثورة عن طريق عكس معارضته السابقة وفتح تحقيق يهدف لعزل الرئيس جو بايدن. لكن ذلك لم يهدئ المطالب بمزيد من خفض الإنفاق ولا تهديدات الإطاحة بمكارثي من منصب رئاسة مجلس النواب الأميركي إذا لم يحقق تلك الأهداف بمعجزة ما.
عبّرت سبارتز عن ضيقها قائلة: "تتطلب القيادة الحقيقية شجاعة واستعداداً للقتال من أجل البلاد، وليس من أجل السلطة وصورة على الحائط".
مجلس الشيوخ الأميركي يقر مشروع قانون لتجنب إغلاق الحكومة ويرسله إلى مجلس النواب
نظراً لأن مكارثي ليس له سلطة ليُرغم الديمقراطيين على الموافقة على تخفيضات كبيرة، ناهيك عن دعم الجدار الحدودي الذي اعتبره ترمب مشروعه الأثير، فإن الإغلاق الحكومي مرجح، وسيليه بفترة قصيرة نسبياً جلسة تفاوض في مجلس الشيوخ بين مجموعة أكثر اعتدالاً من الجمهوريين ونظراء من الديمقراطيين.
مؤكد أن الاتفاق النهائي سيكون أكثر تواضعاً من أي اتفاق يُدرس في مجلس النواب. كما يكشف لنا التاريخ، إذا أصاب الحزب الجمهوري الوهن؛ فإن الانتقادات الشعبية ستثقل كاهله. قال أليكس كونانت، وهو خبير استراتيجي جمهوري: "هذا عراك سخيف، لأنه ليس هناك مبدأ نستند إليه هنا. إنه مجرد أسلوب تكتيكي سيئ".
توقيت غير موائم
الأمر الأكثر إحباطاً للجمهوريين، ممن يأملون في تفادي إغلاق حكومي وردود الفعل السلبية الناتجة عنه، هو أن تلك المعركة غير المرغوبة تأتي في توقيت غير موائم بصفة خاصة للحزب الجمهوري. خرج الديمقراطيون لتوهم من صيف طويل وصعب شهد تراجع نسبة تأييد بايدن إلى مستويات منخفضة بشكل خطير، إذ انقلب عليه الناخبون غير السعداء بشأن التضخم ووضع الاقتصاد.
تعدد الأهداف يتهدد سياسات بايدن الاقتصادية
تُظهر استبيانات حديثة أن جولة انتخابات إعادة مفترضة في 2024 بين بايدن وترمب ستكون نتيجتها متقاربة جداً، وهو ما أثار هلع الديمقراطيين، إلى جانب نقاشات يشوبها القلق حول ما إذا كان ينبغي لبايدن استبعاد كامالا هاريس، نائبة الرئيس، من القائمة الانتخابية لصالح شخص ذي شعبية أكبر.
سيكون الإغلاق الحكومي، الذي يُظهر الفوضى والاختلال الوظيفي في أوساط الجمهوريين، طوق نجاة لبايدن والديمقراطيين، لأنه سيُذكّر الناخبين بما كانوا يكرهون في عهد ترمب وغُلاة الداعمين لحملة "اجعلوا أميركا عظيمة من جديد" الذين انتشروا إبان ولايته. سيبعد ذلك الإغلاق الأضواء عن الرئيس المحاصر وقد يمنحه دفعة منتظرة.
مؤكد أن الإغلاق سيكون نذير شؤم لفرص الجمهوريين في التغلب على بايدن في نوفمبر المقبل. قال كونانت: "لم يفز بايدن بسبب مهارته السياسية وأسلويه الخطابي الرنّان... لقد فاز لأن الجمهوريين ضيعوا أنفسهم بدعمهم ترمب. أخشى أننا نرى التاريخ يعيد نفسه، إذ يساعد الحزب الجمهوري بايدن مجدداً عبر إلحاق الأذى بنفسه".
مكارثي شديد التفاؤل وهو لا يوشك على الاستسلام، إذ قال للصحفيين في 18 سبتمبر: "سنعمل حتى نتمم الأمر". ربما يكون الأمر كذلك، لكن يبدو أن حدوث إغلاق أولاً وضع مرجح بشكل متزايد، وقد يستمر لفترة طويلة.