يلقي قطب الأعمال الهندي موكيش أمباني، الذي يتحاشى الأضواء، خطاباً سنوياً ينتظره كثيرون في اجتماع مساهمي مجموعته "ريلاينس إندستريز". وعادةً ما يعلن أمباني عن القرارات الكبيرة خلال تلك الاحتفالية السنوية، التي عادة ما تشهد إطلالات شخصيات بارزة مثل رئيس "مايكروسوفت" التنفيذي ساتيا ناديلا وسوندار بيتشاي، رئيس "غوغل" التنفيذي. غير أن احتفالية هذا العام خالفت المألوف.
يوم خطاب أمباني في 28 أغسطس، فاجأ لاري فينك، رئيس "بلاك روك" التنفيذي، جمهور المساهمين بظهور عبر اتصال بالفيديو لإظهار دعم مؤسسته لمشروع مشترك جديد مع شركة "جيو فاينانشيال سيرفيسز" (Jio Financial Services) للخدمات المالية، التي كان أمباني قد فصلها عن مجموعة "ريلاينس إندستريز" قبل أسبوع ليدرجها في بورصة مومباي.
هدفه هو أن يؤسس مصرفاً تحت علامته التجارية "جيو"، وهي كلمة هندية توازي تقريبا كلمة "عِش"،
ويقول إنه سيقلب قطاع المال الهندي، البالغة قيمته 1.8 تريليون دولار، على غرار التحول الذي أحدثه أمباني في قطاعي الاتصالات والبيع بالتجزئة في البلاد.
قال أمباني خلال العرض التقديمي الذي استمر ساعتين، إن المشروع الجديد "سيعمل على تسريع تكرار تجربة النمو المبهرة في الهند" و"إن شركة (جيو فاينانشيال سيرفيسز) تخطط لإضفاء طابع ديمقراطي على الخدمات المالية".
دحر أمباني منافسيه في 2016، عبر ضربات تسويق موجعة منها عروض المكالمات المجانية والإنترنت منخفض التكلفة لدى إطلاق خدمة "جيو" للهاتف المحمول، التي سرعان ما أصبحت أكبر شركة اتصالات في الهند تخدم حالياً 450 مليون مشترك.
ثم عززت "ريلاينس" نمو ذراعها التجارية للبيع بالتجزئة على نحو مطرد، فارتفعت قيمتها السوقية إلى 100 مليار دولار بعد صفقة أبرمتها أخيراً مع "جهاز قطر للاستثمار"، وهي تبيع كل شيء تقريباً من البقالة والملابس إلى الإلكترونيات والمجوهرات في أكثر من 18 ألف منفذ بيع وعبر متجرها الإلكتروني سريع النمو.
كان المستثمرون أقل حماساً بشأن فكرة أمباني الأخيرة، فتراجعت أسهم "جيو فاينانشيال سيرفيسز" 6.3% منذ طرحها الأول في 21 أغسطس، فيما ارتفع مؤشر "بي إس إي سينسيكس" (BSE Sensex) القياسي في الهند 3.7%. كتب باحثو مجموعة "نومورا هولدنغز" في تقرير صدر في أغسطس أنه "في حين كان سجل (ريلاينس إندستريز) في اختراق قطاعي التجزئة والاتصالات مبهراً جداً، إلا أننا نعتقد أن الإقراض لعبة مختلفة".
رؤية واعدة
تنطوي رؤية أمباني على تطوير تطبيق فائق على غرار "وي تشات" (WeChat) الصيني، الذي يقدم خدمات التسوق ومشاهدة البث الرقمي عبر الإنترنت والمراسلة إلى جانب خدمات مالية مثل التأمين وتداول الأسهم وخدمة دفع مشابهة لخدمة "غوغل باي" (Google Pay)، فضلاً عن سهولة الوصول إلى القروض.
تهدف تلك الرؤية إلى جذب بعض من نحو 190 مليون هندي من أصحاب الشركات الصغيرة وبعض العاملين في قطاع الوظائف غير النظامية الذين ليس لديهم حسابات مصرفية، وفقاً لأشخاص مطلعين على الخطط طلبوا عدم كشف هوياتهم نظراً لسرية المناقشات.
قال أمباني إن الشركة يمكن أن تصبح أكبر جهة إقراض غير مصرفية في الهند من خلال بناء علاقات مع المواطنين في المناطق الفقيرة والابتعاد عن النظام المالي الرسمي.
تهدف "بلاك روك"، التي فضت شراكة هندية أخرى تبيع صناديق استثمار مشتركة قبل خمس سنوات، إلى استعادة موطئ قدمها في البلد الأكثر سكاناً. قال فينك خلال الاجتماع السنوي: "إن التقاء الثراء المتزايد مع التركيبة السكانية المواتية والتحول الرقمي عبر القطاعات التجارية يعيد رسم خريطة السوق بطرق لا تصدق".
يقيد القانون الهندي مشاركة البيانات حتى بين تابعات المجموعة الواحدة. بالتالي، لن تتمكن "جيو فاينانشيال سيرفيسز" من الوصول إلى معلومات من الشركة الأم حول أذرعها التجارية الأخرى مثل شركة الاتصالات أو سلسلة البيع بالتجزئة. سيؤدي ذلك إلى تضييق نطاق الإعلانات الموجهة أو إعاقة تطوير المنتجات بناءً على الرؤى التي قد تستخلصها "جيو" من شقيقاتها.
كما استبعد محلل مالي، طلب عدم ذكر اسمه في إطار مناقشة معلومات حساسة، أن تمنح الهيئات الناظمة للأعمال المصرفية والأسواق في الهند أي استثناءات لسياسات شركة "ريلاينس إندستريز". يخالف هذا الرأي مواقف الهيئات التنظيمية الأكثر مرونة، التي ساعدت أمباني في اقتحام مجال الاتصالات عبر تخفيف البنود المتعلقة بالحد الأدنى لتسعير المكالمات الهاتفية.
منافسة ضارية
تفتقر "جيو فاينانشيال سيرفيسز" لترخيص مصرفي، لذا لن يمكنها الوصول إلى الودائع منخفضة التكلفة من حسابات التوفير مثل البنوك التي ستتنافس معها. كما أن منصة الدفع "جيو يو بي آي" (Jio UPI)، التابعة لشركة "ريلاينس إندستريز"، تتخلف كثيراً عن "غوغل" ومنافساتها المحليات في قطاع المدفوعات الرقمية والتقنية المالية مثل "بهارات بي إي" (BharatPE) و"باي تي إم" (Paytm) و"فون بي إي" (PhonePE).
ستواجه خطة أمباني لإقراض الشركات الصغيرة منافسة ضارية من البنوك ومختلف المقرضين غير المصرفيين الذين استهدفوا القطاع ذاته خلال السنوات الأخيرة. قال كرانثي باثيني، محلل استراتيجية الأسهم لدى "ويلث ميلز سيكيوريتيز" (WealthMills Securities) للوساطة المالية في مومباي: "أصبح مجال الإقراض أكثر ازدحاماً".
لم يبين أمباني خلال كلمته سوى ملامح عامة غامضة لاستراتيجية الخدمات المالية الموسعة، قائلاً إنه يهدف إلى تقديم خدمات الوساطة المالية، دون أن يوضح ما قد ينطوي عليه ذلك. كما أن كلمته لم تتضمن سوى تفاصيل قليلة عن خطة الإقراض التجاري.
في حين تشكل خدمات التأمين جزءاً أساسياً من الطرح، إلا أن هذا القطاع ما يزال بانتظار من يقوده. قالت شويتا راجاني، رئيسة قطاع استشارات صناديق الاستثمار المشتركة لدى "أناند راثي" (Anand Rathi) في مومباي، لتلفزيون "بلومبرغ" إن: "خطة عملهم الواضحة، بما في ذلك المنتجات والخدمات التي يخططون لإطلاقها، لم يُعلن عنها بشكل واضح حتى الآن".
يعول أمباني على مئات الملايين من الهنود لاعتماد خدمات شركته المالية، لكن رسالته لم تصل بعد إلى العديد من ذلك الجمهور، ما يستلزم إنفاق "ريلاينس إندستريز" بسخاء على الخطط التسويقية ووضع آلية تسعير تنافسية لاستمالة من تستهدفهم الشركة.
يمثل فينود، وهو صاحب متجر بقالة صغير في ضاحية أنديري بمدينة مومباي وهو يُكنى باسمه الأول فقط، نوعية أصحاب الأعمال التجارية الصغيرة الذين تسعى شركة "جيو فاينانشيال" لإقناعهم بالاشتراك في خدماتها، لكنه يقول إنه لا يعرف سوى القليل عن خطط أمباني.
قال فينود: "تلاحقنا البنوك طوال الوقت لنقترض أو نودع. لذا، ستكون شركة أمباني إضافة على ذلك".