الآثار الجانبية لارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة تسبب خسائر في بلدان عديدة بما يفوق التباطؤ في الصين

الاحتياطي الفيدرالي هو سبب الصداع.. رغم القلق بشأن الصين

جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي - المصدر: بلومبرغ
جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تسود مخاوف من تمدد عالمي لتداعيات متاعب الصين الاقتصادية، لكن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي هو مصدر المصاعب في جانب كبير من العالم في الوقت الحالي.

سبب ذلك: رغم أن أسواق المال ما انفكت تسعر بناءً على أنه سيكون هنالك خفض في أسعار الفائدة في آواخر 2023، بات واضحاً أن أسعار الفائدة في الولايات المتحدة يُرجّح أن تبقى مرتفعة في ضوء تراجع خطر الركود، لكن التضخم في الولايات المتحدة يستمر في إظهار علامات على أنه باقٍ.

بدأ المستثمرون يستوعبون أن سعر الفائدة على أموال الاحتياطي الفيدرالي قد يظل ثابتاً عند مستواه الحالي الذي يزيد على 5%، وهو الأعلى خلال 22 عاماً، إلى ما بعد بداية العام المقبل. كما تضطر دول نامية ومتوسطة الدخل عديدة لتأجيل خططها لخفض أسعار الفائدة، حتى لو كان ذلك ينطوي على كبح النمو، وذلك نظراً لأن الخفض قد يكون سبباً في إطلاق موجة تدفقات خارجة لرأس المال من شأنها أن تزعزع الاستقرار.

قال دايفيد لوفينغر، العضو المنتدب في مجموعة الأسواق الناشئة بشركة "تي سي دبليو غروب" (TCW Group) لإدارة الأصول الذي كان متخصصاً في الشأن الصيني بوزارة الخزانة الأميركية: "يصعب الانفصال عن الاحتياطي الفيدرالي بشكل كامل".

جاذبية الدولار

تشعر الدول بتأثير قرارات الاحتياطي الفيدرالي بأشكال مختلفة. تزيد أسعار الفائدة الأميركية المرتفعة من جاذبية الأصول المقومة بالدولار، فيسحب ذلك الأموال من أسواق أخرى ويتسبب بانخفاض قيم عملاتها. يضيف ذلك الوضع إلى ضغوط التضخم ويزيد صعوبة سداد السندات الدولارية.

يمثل مؤشر بلومبرغ للدولار الفوري أحد مقاييس حجم الصعوبات التي يولّدها الاحتياطي الفيدرالي لدول أخرى. يتتبع المقياس أداء الدولار مقابل سلة تضم 10 عملات رئيسية وهو يرتفع منذ منتصف يوليو، وهي أطول فترة صعود منذ 2005. تُظهر أيضاً بيانات جمعها صندوق النقد الدولي أن الاقتصادات الناشئة والنامية تنمو الآن بمعدلات تمكن مقارنتها بنظيراتها في الاقتصادات المتقدمة، بدلاً من التفوق عليها مثلما كان الحال خلال أغلب الفترات منذ بداية القرن الحالي.

يخلق تباطؤ الاقتصاد في الصين دون شك رياحاً معاكسة لعدد من الاقتصادات، خصوصاً في آسيا، التي تواجه دولها الآن طلباً متراجعاً على صادراتها. لكن حديث الجميع في عواصم الدول، من جاكرتا إلى برازيليا، في الآونة الأخيرة يدور عن أسباب عدم تحرك البنوك المركزية بسرعة أكبر لخفض تكاليف الاقتراض. قال لوفينغر: "من حيث مسألة من هو الطرف المسؤول عن قلقلة الأسواق على مستوى العالم؟ إن الجواب يقيناً هو الاحتياطي الفيدرالي... رغم كل القلق، فإن التراجع الذي تشهده الصين حالياً ليس بضخامة ما كان عليه الحال في 2008 و2020 و2022".

تراجع اليوان

الصين نفسها هي إحدى الدول المتأثرة بأسعار الفائدة الأميركية المرتفعة. يدافع بنك الشعب الصيني بقوة عن اليوان على نحو متزايد، إذ يطرح البنك الدولار للبيع بغرض دعم اليوان ويحذر من أنه سيفرض عقوبات على المضاربين. رغم ذلك، فقد تراجع اليوان إلى أدنى مستوياته منذ 2007. في اجتماع نظمته السفارة الصينية في واشنطن يوم 5 سبتمبر، قال المتحدث باسمها ليو بينغيو: "تبنّت الاقتصادات المتقدمة الكبرى سياسات انكماشية لها تداعيات ممتدة"، وهي عبارة دبلوماسية تعني أن بنك الاحتياطي الفيدرالي هو السبب.

تدخّل بنك الاحتياطي الهندي أيضاً في الأسواق لتقديم الدعم للروبية الهندية. ونظراً لأن عملة اليابان تخطت الحاجز النفسي البالغ 145 يناً مقابل الدولار في وقت سابق من هذا الشهر، تعاظمت التكهنات بأن بنك اليابان المركزي يدرس التحول عن أسعار الفائدة السلبية.

يتسبب تباطؤ الاقتصاد الصيني في تداعيات على المستوى الدولي. يتخارج مستثمرون أجانب من الأسهم القيادية الصينية منذ أشهر، وقد لعب ذلك دوراً في أطول فترة مسجلة من التدفقات الخارجة من الأسهم الصينية. ألمحت شركات، من بينها مجموعة "مرسيدس-بنز" وشركة "كاتربيلر" خلال إعلان الأرباح إلى الطلب المتراجع في الصين، كما شهدت كوريا الجنوبية وألمانيا تراجعاً في صادراتها إلى الصين.

توقعات مستقبلية

رغم ذلك، ما يزال يُتوقع أن ينمو الاقتصاد الصيني بنحو 5% هذا العام. كما يُلحظ أنه رغم انزلاق اليوان أمام الدولار، لم يؤجج ذلك اضطرابات مالية على المستوى العالمي كتلك التي شهدها العالم في 2015، حين أفزع تخفيض بنك الشعب الصيني المفاجئ للعملة المستثمرين حول العالم.

قالت جانيت موي، رئيسة قسم تحليلات السوق في "آر بي سي بروين دولفين" (RBC Brewin Dolphin): "أهمية الصين أمر جليّ، لكن التشاؤم الشديد يقتصر على الأصول الصينية حتى الآن... ما يزال المستثمرون يؤمنون في نهاية المطاف بأن الحكومة الصينية ستحصّن الاقتصاد وتحول دون حدوث عدوى مالية".

في الاجتماع المقبل للجنة السياسة النقدية، المقرر عقده في 19 و20 سبتمبر، سيُصدر الاحتياطي الفيدرالي الملخص الفصلي لتوقعاته الاقتصادية. ينتظر الجميع التوقعات، التي تغطي الفترة إلى ما بعد بداية 2025، بفارغ الصبر وذلك لأنها قد توضح مسار أسعار الفائدة. لخّص هاو هونغ، كبير اقتصاديي "غرو إنفستمنت غروب" (Grow Investment Group) الذي يتابع الصين منذ أمد طويل، النظرة العامة في الأسواق حول العالم قائلاً: "تتجه كل الأنظار نحو الاحتياطي الفيدرالي".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك